الأخطاء الطبية.. “التأمين” آخر الحلول!


الأخطاء الطبية.. “التأمين” آخر الحلول!



تحقيقات - إخبارية عرعر:

تشكل الأخطاء الطبية هاجساً مقلقا للمريض والطبيب المعالج والمنشأة الصحية، لاسيما بعد تزايد حدوثها في السنوات الأخيرة بصورة متكررة في بعض مستشفياتنا الحكومية والأهلية، الأسباب تعددت بتعدد الشكاوى والضحايا وآلامهم النفسية والإجتماعية، الأمر الذي يستوجب النظر بحزم والعمل بجدية لوقف هذا المسلسل الذي تتفاوت مضاعفاته من أضرار جسمية ونفسية إلى أضرار اقتصادية، ومهما كانت قيمة التعويضات المادية فإن حياة الشخص وتمتعه بصحته لا تقدر بثمن فكيف السبيل إلى تقليص أو تقليل حجم تلك الأخطاء ونوعها.

التعويض ضد أخطاء المستشفيات يحمي المريض والطبيب:

ي هذا التحقيق تناقش “الرياض” قضية الأخطاء الطبية، وتسلط الضوء على مفهوم الخطأ الطبي، وأنواعه، وأبعاده القانونية، وبصورة عامة لا يوجد رصد لمعدلات الأخطاء الطبية في المملكة، في حين أنها في بعض الدول تسجل بإحصاءات واضحة.

وضمن استطلاع آراء المختصين نتناول قضية التأمين الطبي، ومدى إسهام التأمين في الحد من الأخطاء الطبية، والبعد الاقتصادي للتأمين في رفع تكلفة الرعاية الصحية.

بداية تقول د. نوره الرويس – الأستاذ المشارك واستشارية طب الأسرة في كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي: إن نسبة حدوث الأخطاء الطبية متفاوتة من مكان لآخر، وقد بينت دراسة نُشِرت في “مجلة سلامة المرضى” أن الوفيات الناتجة عن الأخطاء الطبية في الولايات المتحدة تبلغ 440,000 وفاة سنوياً، وفي الاتحاد الأوروبي تحدث في ما نسبته 8 – 12% من الحالات التي يتم تنويمها في المستشفيات (حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية)، وفي كندا أظهر استطلاع للرأي أن واحداً من كل ستة أشخاص قد تعرض لخطأ طبي خلال السنتين الماضيتين.

وتعرف د. الرويس الخطأ الطبي بأنه “انحراف الطبيب عن السلوك الطبي العادي والمألوف وما يقتضيه من يقظة وتبصر على درجة يهمل معها الاهتمام بمريضه، وعلى هذا الأساس هناك أخطاء تنتج عن إهمال الطبيب وتقصيره وأخرى تنتج عن جهله بأصول وقواعد مهنته، كما أن الأخطاء قد تكون في تشخيص المرض أو في العلاج أو في التقنيات والأجهزة المستخدمة لذلك.

ويبين د. فهد عرب – مستشار تعليم صحي – أنه من الواجب إيضاح المسألة للعامة وغير المختصين بأن الخطأ الطبي قد يكون نتيجة لقصور في أحد أركان النظام الصحي أساسا وقد يكون نتيجة لخطأ في التدخل الطبي لمقدم الخدمة، لذلك فوجود المشكلة قد لا يعني بالضرورة إخفاق مقدم الخدمة بشكل أساسي، كما أن استمرارها قد يعني عدم مواكبة النظام بالتحديث للإجراءات المتبعة في كل حالة صحية أو عدم التأكد من تطبيق معايير سلامة المرضى لتفادي الإضرار بالمريض في إي مرحلة من مراحل مباشرة المريض.

تشعب الأخطاء

ويشير د. سالم بن عبد الله الوهابي – المدير العام للمركز السعودي “سباهي” – إلى أن الأخطاء الطبية تتشعب، فهناك أخطاء جسيمة، وهي التي يطلق عليها “الأخطاء الصفرية”، المفترض ألا تقع، وهناك أخطاء أخرى أقل ضرراً مرتبطة بكون العمل الطبي عمل بشري في معظم إجراءاته، ومهمة المركز هي الوصول بهذا النوع من الأخطاء إلى أقل المعدلات، وعدم حدوث الأخطاء الجسيمة المتفق عليها في العرف الطبي.

وأضاف أن الأخطاء الطبية في المملكة سببها الإجراءات الإدارية، وعموماً الأخطاء الطبية في معظمها تعود إلى خلل في النظام وليست أخطاء بشرية، ولذلك مهمة الاعتماد هي تحسين الجودة، وإغلاق الثغرات، وبناء نظام للتحسين المستمر يمنع حدوث الأخطاء الطبية، وليس الاستجابة للخطأ بعد وقوعه.

وتذهب د. نورة الرويس إلى إجمال الأخطاء الطبية في ثمانية أسباب تشمل صعوبة المهنة الصحية، حيث لابد أن يكون الطبيب مُلماً بجميع تفاصيلها ومستجداتها التي تتطور كل يوم، وقد يكون لضيق وقت الطبيب وازدحام جدوله تأثير عكسي على ذلك فينتج عنه خطأ غير مقصود.

وهناك قصور النظام الصحي وعدم توافر المال والموارد الأخرى قد يؤدي إلى حدوث الأخطاء مثل عدم توفر بعض التحاليل والفحوصات في بعض المراكز الصحية، وقد يكون الخطأ الطبي ناجماً عن أخطاء فردية مثل الخطأ في كتابة الوصفة وعدم وضوح الخط والأرقام والجرعات الدوائية.

وقد يكون المريض هو السبب في حدوث الخطأ كأن لا يذكر بعض الأعراض للطبيب أو يخفي عن طبيبه بعض الأدوية التي يستعملها ما يؤدي إلى حدث تفاعلات عكسية، والسبب الخامس هو أخطاء الصيادلة مثل صرف دواء غير المذكور في وصفة المريض أو إعطاء الجرعة الخاطئة.

وثمة أخطاء تحدث في المختبرات مثل الخلط بين عينات المرضى أو الخطأ في قراءة العينة أو عدم توافر بعض التحاليل، وهناك أخطاء تحدث في محيط المستشفى مثل انتقال بعض الأمراض بين المرضى أو الخلط بين أدوية المرضى بعضها ببعض، ومن أنواع الأخطاء الطبية أخطاء جراحية مثل عمل الجراحة للعضو الخطأ.

ويشير د. فهد عرب إلى أنه يمكن القطع في موضوع الخطأ الطبي علميا إذا ما أجريت دراسات متتالية على اعمال اللجان الطبية الشرعية المختلفة ولمدى عشر سنوات على أقل تقدير، وإذا ما شملت الدراسات البعد الاقتصادي أيضا فان تحديد العامل الأساسي لاشك سيكون محددا على مستوى المملكة ونتعلم من هذه الدراسات شيئا كثيرا.

ثقافة المريض

تقول د. الرويس: علاج هذه القضية يكمن في علاج مسبباتها، أولاً الاهتمام بكفاءة الطبيب واختياره وأن يخضع للتقويم المستمر ويحرص على متابعة كل جديد في مجال عمله، وكذلك أن يحرص النظام الصحي على توفير الموارد التي يحتاجها كل قطاع، ووضع اللوائح التي تضبط ممارسة المهنة.

ومن الأهمية بمكان توعية المرضى وتثقيفهم فيما يختص بأمراضهم وعلاجهم وما يتلقون من فحوصات مخبرية أو إجراءات جراحية، وأن يتم وضع لجان لمعالجة الأخطاء الطبية وما يترتب عليها من ضرر وما هو التعويض المناسب.

معايير سعودية

ويقول د. الوهابي: إن “سباهي” يعكف حاليا على وضع معايير إلزامية والقيام بزيارات لتسجيل مدى التزام المنشآت الصحية المعايير لضمان سلامة المرضى وعدم تعرضهم للأخطاء خلال وجودهم في المنشأة، ولتحقيق هذا الهدف أو لتدعيمه عقد “سباهي” اتفاقية مع منظمة الصحة العالمية مكتب إقليم شرق المتوسط – لإجراء أول دراسة بحثية في المملكة لقياس معدلات الأخطاء الطبية لدى المرضى المنومين في المستشفيات وسيبدأ تطبيق الدراسة خلال شهرين عبر 35 مستشفى حكوميا وخاصا، والانتهاء في غضون 6 أشهر لتحديد الأخطاء الطبية المنتشرة ووضع الآليات لمكافحتها وتقليصها.

ستة محاور

ومن وجهة نظر د. فهد عرب لا يمكن القضاء على الأخطاء الطبية تماما ولكن يمكن وصف علاج يخفف من حجمها ووطأتها.

ويحدد د. فهد، ست نقاط إذا تم تطبيقها والتزامها يمكن الحد من الأخطاء الطبية، ويجمل ذلك في الإستراتيجيات والخطط الصحية التنفيذية للنظام الصحي، وأن الشمولية في تبني كافة السياسات والإجراءات في إستراتيجية النظام الصحي لأي دولة تعني وعي وإدراك كافة العاملين بسلامة المريض التي منها تجنب الوقوع في الأخطاء الطبية، كما يؤكد أهمية الإجراءات العملية المنظمة لتقديم الخدمة، ودور الجهات المقدمة للخدمات الصحية وتنوع مستويات خدماتها، والتعليم الصحي ومستوى التنفيذ، والتدريب في شتى مراحل تهيئة مقدم الخدمة، وبرامج التوعية الصحية.

الإعلام الصحي

وفيما يخص المنشأة الطبية ودورها في تقليص الأخطاء الطبية يورد د. عرب جملة من الضوابط منها الاهتمام بالسجلات الطبية كأولية قصوى لأن المعلومات الصحية أو الطبية هي أول ما يغذي مقدم الخدمة بالخلفية الجيدة عن المريض الذي سيباشر خدمته، إلى جانب التحول التدريجي لاستخدام التقنية في كافة نقاط تقديم الخدمة الطبية لتسجيل الوقائع وتوثيق ما تم من إجراءات وإتاحة المعلومات لكل مقدم خدمة في وقتها فضلاً عن تنشيط الإعلام الصحي في كل جهة من الجهات المقدمة للخدمات الصحية والقيام بمبادرات توضح الفروق بين الأخطاء الطبية والمضاعفات ونشر الدراسات والأبحاث العلمية وفتح المجال للمختصين والباحثين للحديث عنها بأسلوب علمي يرتقي بفكر المجتمع.

جدلية التأمين

وعن دور التأمين في الأخطاء الطبية سلباً وإيجاباً؟ تشير د. الرويس إلى اعتقادها أن التأمين ضد الأخطاء الطبية يحد من حدوث الأخطاء، وإن وجود شركات التأمين مُهم في هذا المجال حيث احتمال وقوع الخطأ وارد أثناء الممارسة الطبية، وتوفر شركات التأمين حدا لتغطية الأخطاء تراوح بين مئة ألف ريال ومليون ريال وهو ما يُعد مناسباً في أغلب الحالات. ومن جانبه يرى د. عبدالوهاب بن عبدالله الخميس – المتخصص في النظم والتأمين الصحي – أن النظرة نحو التأمين ضد الأخطاء الطبية تختلف حسب موقف المتحدث من الخطأ الطبي، فالمتضرر من الخطأ الطبي – المريض وأقاربه – له نظرة تختلف كليا عن نظرة مقدم الخدمة العلاجية – المستشفى والطبيب – كما أن نظرة مقدم الرعاية الصحية تختلف كليا عن نظرة شركات التأمين أو حتى صانع القرار الصحي.

المبالغة في التعويضات

ويستطرد الخميس موضحاً من وجهة نظر المريض وذويه، فالتأمين ضد الأخطاء الطبية يسهل حصولهم على تعويضات مجزية كما هو حال قيمة التعويضات الطبية في الولايات المتحدة الأمريكية التي وصلت قيمها لمبالغ فلكية وصلت تكاليفها 37 بليون دولار في السنة الواحدة كما تشير إحدى الإحصائيات قبل بضع سنين، لذا فبعض المرضى خصوصا ممن تضرر من الأخطاء الطبية يتمنى أن يحصل على تعويضات مالية موازية أو قريبة لما يحصل عليه المريض من تعويضات في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن نسي هؤلاء أن المبالغة في قيمة التعويضات سينعكس سلبيا على تكلفة تلقيهم الرعاية الصحية مستقبلا، فما سيحصلون عليه من تعويضات سيدفعون جزء منها نظير تلقيهم الرعاية الصحية مستقبلا.

قد نتفق مع نظرة المريض وذويه في أن آلية حصول المريض وذويه على تعويض طبي بسبب الأخطاء الطبية يمر بسلسلة من الإجراءات المعقدة والبطيئة كما أن قيمتها محدودة جدا عند مقارنتها ليس بالدول الأوربية فحسب بل حتى عند بعض الدول الخليجية المجاورة، لذا فآلية الحصول على تعويض وتقديرها تحتاج إلى إعادة صياغة من جديد.

ويمضي د. الخميس موضحاً أن النظرة نحو التأمين ضد الأخطاء الطبية من قبل الطبيب أو المستشفى، هي أن التأمين يسهم في أن يزاول الطبيب المهنة بعيدا عن الملاحقات القانونية بسبب خطأ طبي، كما أن التأمين يسهل على المستشفى المعرفة المسبقة بالقيمة الحقيقية للتكلفة التشغيلية بعيدا عن مفآجات التعويضات المالية المرتفعة جراء دفع تعويضات لتلك الأخطاء الطبية. وهناك وجهة نظر ثالثة هي شركات التأمين، فهي من يقدم هذه الخدمة المربحة للأطباء أو مقدمي الرعاية الصحية وفقا لنوعية التغطية ونطاقها وطبيعتها إلى غيره من العوامل المؤثرة في تحديد قيمة التأمين واحتمالية الخطأ الطبي فالمحامون وشركات التأمين هم من أكثر المستفيدين من الأخطاء الطبية والمتاجرة بها نظير المبالغة في القيمة التي يأخذونها جراء هذه الممارسة، فمثلا ارتفعت الأجور نظير المدافعة عن الأخطاء الطبية بأكثر من 62% بين عام 2001 و2010 في الولايات المحتدة وهي تكلفة قابلة للارتفاع مستقبلا بسبب غياب آلية للحد من تكلفتها.

حلول أم مشاكل؟

وإن تأثير المبالغة في التأمين ضد الأخطاء الطبية من وجهة نظر صانع القرار الصحي، وفق ما يرى د. الخميس يؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة في ارتفاع التكلفة العلاجية لأن جزء من القيمة العلاجية ستذهب لشركات التأمين وللمحامين، فكلما زادت قيمة التعويضات الطبية، زادت قيمة التأمين ضد الأخطاء الطبية ومن ثم تتضاعف التكلفة العلاجية تباعا. والسؤال الأهم حول التأمين ضد الأخطاء الطبية، هل أسهمت هذه التعويضات الفلكية والتأمين ضد الأخطاء الطبية خصوصا في أمريكا من تقليل الأخطاء الطبية؟ الحقيقية أن هذه التعويضات تزاد سنويا فالمحامين وشركات التأمين من أهم المستفيدين من المبالغة في قيمة التعويضات الطبية، لكن هذه التعويضات الفلكية لم تسهم إطلاقا في تحسن الجودة الصحية أوالحد من الأخطاء الطبية بل أصبحت من أهم أسباب ارتفاع التكلفة العلاجية.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com