مناهجنا التعليميّة … وتعزيز الهوية الثقافية


مناهجنا التعليميّة … وتعزيز الهوية الثقافية



تشكل الثقافة أحد الأركان الأساسية في حياة الشعوب، فهي رابط اجتماعي يمكّن الأفراد والجماعات من بناء هويتهم ، وتحقيق ذاتهم، ويجعلهم يدركون معنى وجودهم ومكانتهم في هذا العالم ، وفي هذا المجال تلعب الثقافة دوراً هاماً في العملية التنموية باعتبارها جزءاً من مكونات الإنسان الأساسية، كما أن رقي الأمم والشعوب يقاس بمدى وعيها الثقافي ، وتطورها الحضاري وبما توفره لأبنائها من قنوات ثقافية فاعلة تعود بالفائدة على المجتمع .
وقد حافظ العرب ولقرون عديدة على هويتهم الثقافية، واشتهروا بالتفاخر بها عبر العصور بما في ذلك العصور التي استعمروا فيها من قبل أقوام تفوّقوا عليهم عسكرياً واقتصادياً وعلمياً ، وحتى في أحلك الظروف وأقساها تفنن العرب في تطوير أساليب وبرامج للتعليم حفظت للعرب عروبتهم ، وحافظت على هويتهم، فلم يفقدوا دينهم ولا لغتهم ولا قيمهم كما حدث مع شعوب كثيرة بعضها لم يُستعمر بنفس القسوة أو لفترة مماثلة، كما أصر العرب طوال عهود الاستعمار على التشبث بجميع مظاهر الهوية الثقافية العربية .
ولا بد من الاعتراف أن هناك تهميشاً وإهمالاً للعامل الثقافي لدى جامعاتنا العربية أحياناً على حساب كل من العاملين العلمي والتدريسي، وأن هناك تغييباً للأنشطة الطلابية المتعلقة بالهوية الثقافية والأمن الفكري للطلاب، فالمشاريع والمخططات الثقافية في الجامعة التي تنشد التنمية والحفاظ على الهوية الثقافية تأتي ضعيفة المحتوى والمضمون ، لأن العامل الثقافي والأمني لم يكن يحظى باعتناء واضعي هذه المشاريع التعليمية ، إذ يوجد بين المستهدف الأصيل والواقع المتحقق مساحات تتفاوت اتساعاً بين الحين والآخر في ضوء ما تعايشه وتتفاعل معه من متغيرات وأحداث اجتماعية واقتصادية وثقافية، وهي في هذا التفاوت اتسمت في أغلب الأحيان خلال العقود الماضية بإيثار ردود الفعل عن الفعل وبالتأرجح بين المسايرة والتبرير بديلا عن المغايرة والتفنيد .
ومن أهم ملامح التأخر اللغوي والثقافي في الوطن العربي تقليد الغرب، الطرف الغالب في التوزيع الحضاري الراهن ، وبهذا يرتبط هذا التقليد بنظرية ابن خلدون التي تصف تقليد الطرف المغلوب للطرف الغالب في دورات الحضارات، وهذا ما يوضحه في أبعاد التخلف الثقافي والنفسي .
وفي ظل الاتجاه العالمي المتنامي نحو تشكيل عالم بلا حدود وفي ظل احتمال تأزم الهوية الثقافية للطفل العربي المسلم بفعل تحديات العولمة ، تتزايد الأدوار المتوقعة للمؤسسات التعليمية في الحفاظ على الهوية الثقافية العربية الإسلامية .
حيث أن للعولمة أثراً كبيراً وواضحاً في الهوية الثقافية مع اختلاف الباحثين في تقدير هذا الأثر وخطورته ؛ مما أبرز مواقف متعددة ومتباينة من العولمة ، فالمؤيدون لظاهرة العولمة يرون أنها تسهم في انتشار التكنولوجيا الحديثة من مركزها في العالم المتقدم اقتصادياً إلى باقي أنحاء العالم ، ومن ثم زيادة الإنتاج زيادة واضحة ، ويرون أن ذلك في حد ذاته يغفر للعولمة أي تأثير سلبي يمكن أن ينتج عنها في الهوية الثقافية ؛ بل يرى بعضهم أن هذا التأثير بسيط ، وبعضهم الآخر أكثر تفاؤلاً حيث يرى أن الهوية الثقافية سوف تفيد من العولمة بدلاً من أن تضار، كما يرى أنصار هذا الرأي أن العولمة تسهم إسهاماً واضحاً في نقل المعلومات وتخزينها وتوفيرها لمن يريد الانتفاع بها ، وفي سبيل ذلك تهون الهوية الثقافية .
كما أن هناك من غالى في تبنيه للعولمة دون أن يقيم اعتباراً للهوية الثقافية، واعتبرها واقعاً موضوعياً متحققاً كالقدر، ولذلك يجب التعامل معها بوصفها صيرورة موضوعية والدخول فيها، باعتبارها فضاءً مفتوحاً على النظام الكوني .
وهكذا مهما تعددت الأساليب والرؤى لمواجهة العولمة نرى أنها لابد أن تصب في النهاية في قالب التربية العربية الإسلامية ؛ وذلك من خلال تطوير المناهج التعليمية التربوية واشتمالها على قضايا العصر الأكثر إلحاحاً، خصوصاً تلك التي تتعارض مع قيم المجتمع مما يؤدي إلى ترسيخ عقيدة الإيمان بالله وتأكيد قيم العلم ، وإقامة مشاعر السلام والأمان في عقول البشر.
ولابد من الوقوف على أهمية الدور الذي تقوم به مؤسسات التنشئة الاجتماعية في غرس ودعم الخصوصية الثقافية لكل شعب في نفوس النشء وعقولهم، وانتقاء النافع من المعلومات واستخدام المعارف في إنتاج أفكار ومواد جديدة ، وإنتاج البرامج والأفلام الهادفة لمقارعة ما ليس من حياتنا الثقافية والدينية والاجتماعية .
والدفاع عن هويتنا لا يتحقق من خلال الحفاظ عليها كما هي ، بل من خلال إعادة بنائها في إطار العولمة والثورة العلمية التقنية .

كتبـه
د . فايز بن سعد العرافـه

………………………………………………………………………………………………………………………………………………..
المراجع :
1. غليون ، برهان . ( 1999م ) . ثقافة العولمة وعولمة الثقافة . دار الفكر : دمشق .
2. كنعان ، أحمد . ( 2000م ) . العولمة والبحث العلمي واقعاً وطموحاً . ندوة العولمة والتعليم العالي والبحث العلمي في الوطن العربي . جامعة العلوم والتقنيات والطب : تونس .
3. الذواوي ، محمود . ( 1999م ) . عولمة الهوية الثقافية لبلدان العالم الثالث ( العولمة والانتماء والهوية ) مجلة رسالة الخليج العربي . العدد 114 .

1


2 pings

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com