“شجّع طفلك على صيام رمضان”


“شجّع طفلك على صيام رمضان”



تحقيقات - إخبارية عرعر:

أكَّد مختصون على أنَّ محاكاة الكبار في المحيط الاجتماعي تُعدُّ أحد الأسس الرئيسة في تربية النشء لدفعهم لأداء السلوكيات الإيجابية، خصوصاً عند بلوغهم مرحلة الطفولة المتوسطة، التي يبحثون فيها عن إثبات الهُويَّة ويُعبِّرون من خلالها عن نضجهم وتقدمهم في المرحلة العمرية، مُضيفين أنَّ الأطفال في أمسِّ الحاجة إلى مساعدة الوالدين في أداء صوم رمضان على الوجه الصحيح، وذلك من خلال العديد من الخطوات التربوية، التي من أبرزها تأكّد الوالدين من قدرة الطفل البدنية “الصحية” على خوض تجربة الصيام، إلى جانب تأديتها على نحو تدريجي، وكذلك الحديث مع الطفل عن المفاهيم المتعلقة بالصيام بشكل يتناسب مع إدراكه، وتعزيز سلوكه مادياً ومعنوياً، إضافةً إلى مراعاة الظروف البيئية، كشدة الحر في بعض مناطق المملكة، أو طول الأمد الزمني ليوم الصيام.

تربية النشء

وأشار محمد الرويلي -عضو في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد- إلى أنَّ تربية النشء وتعويدهم على عبادة الله والقيام بواجبهم وما فرضه الله عليهم من أعظم القربات إلى الله -عزَّ وجلّ-، مُضيفاً أنَّه لا يجوز بأيّ حال التفريط بهذه المسؤولية التي فرط فيها بعض الآباء والأمهات، موضحاً أنَّ الله -سبحانه وتعالى- سيسألهم عنها، كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث قال: “كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته”.

وأوضح أنَّ تعويد الأطفال على الصيام في شهر رمضان المبارك من الأعمال التي داوم عليها السلف -رضي الله عنهم-، فعن الربيع بنت معوذ بن عفراء -رضي الله عنها- قَالت: “أَرسل رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- غَدَاةَ عَاشوراء إِلى قرى الأنصار التي حول المدينة: (مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَه، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ)، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ”.

فضائل الصيام

وبيَّن الرويلي، أنَّ السن الذي يبدأ الوالدان بتعليم أولادهما الصيام فيه هو سن الإطاقه للصيام، مُضيفاً أنَّه يختلف باختلاف بُنية الولد، وقد حدَّده بعض العلماء بسن ال (10)، مُشيراً إلى أنَّ كثيرا من الآباء والأمهات يتساءلون عن الوسائل التي يمكن من خلالها تعويد أبنائهم على الصيام، ولعل من أهمها تحديثهم بفضائل الصيام، وأنَّه سبب مهم من أسباب دخول الجنة، وأنَّ في الجنة باباً يُسمَّى “الريَّان” يدخل منه الصائمون، إلى جانب صيام بعض النهار، على أن تُزاد المدة شيئاً فشيئاً.

وأضاف أنَّ من الوسائل أيضاً تشجيعهم على الصيام ببذل جوائز تُدفع لهم كل يوم أو كل أسبوع، إلى جانب بذل روح التنافس لمن عنده أكثر من طفل، مع ضرورة عدم تأنيب المتخلِّف منهم، وكذلك تأخير السحور إلى آخر الليل، مُشدِّداً على أهمية مراعاة التدرُّج في أمر الأطفال بالصيام، وذلك أنَّه إذا بلغ الجهد من الطفل مبلغه ألاَّ يُصرَّ عليه إكمال الصوم؛ حتى لا يتسبب ذلك في بغضه للعبادة، أو يتسبب له في الكذب وهو ليس من المكلفين.

محاكاة الكبار

وقال د. خالد السبيت -أستاذ الدراسات الإسلامية المشارك، ووكيل الدراسات المدنية للشؤون الأكاديمية بكلية الملك خالد العسكرية-: “تُعدُّ محاكاة الكبار في المحيط الاجتماعي أحد الأسس الرئيسة في تربية النشء لدفعهم لأداء السلوكيات الإيجابية، خصوصاً عند بلوغهم مرحلة الطفولة المتوسطة، التي يبحثون فيها عن إثبات للهوية ويُعبِّرون من خلالها عن نضجهم وتقدمهم في المرحلة العمرية، بيد أنَّهم يحتاجون إلى كثير من المساعدة من ذويهم للقيام بالأمور الكبيرة”.

ولفت إلى أنَّ الصيام ليس استثناء، إذ أنَّ الأطفال في أمسِّ الحاجة إلى مساعدة الوالدين في القيام بهذه العبادة الشريفة على الوجه الصحيح، من خلال العديد من الخطوات التربوية، التي من أبرزها تأكّد الوالدين من قدرة الطفل البدنية “الصحية” على خوض تجربة الصيام، وإن لم يستطع القيام بها بشكلٍ كامل، فلا ضير من تأديتها على نحو تدريجي إلى أن يعتاد على القيام بها، مُشدِّداً على أهمية الحديث مع الطفل عن المفاهيم المتعلقة بالصيام.

وأضاف أنَّ من ذلك إشعار الطفل أنَّها ليست مجرد مظاهر امتناع عن الطعام والشراب، بقدر ما هي تدريب على ضبط شهوات الإنسان وإظهار القدرة على التحكم بها للوصول إلى غايات نبيلة، بدلاً من أن يكون منقاداً لها، وأنَّ في هذا الصيام العديد من الحكم الشرعية التي تُعزِّز الترابط المجتمعي بين الأغنياء والفقراء، كما أنَّ في أداء هذه العبادة إرضاء لرب العالمين، وأنَّه -سبحانه وتعالى- يجزي عليها الجزاء الأوفى.

استعداد نفسي

وأكَّد د. السبيت على أنَّ مثل هذه الإيضاحات يجب أن تصاغ للطفل بالشكل المتناسب مع إدراكه، بحيث تجعله يُقبل عليها بحب وشغف، مستشعراً قيمة ما يقوم به، ومحققاً للأهداف التي يسعى لتحقيقها من خلال صيامه، ممَّا يجعله في استعداد نفسي وجاهزية رائعة لخوض تجربته الأولى في هذه العبادة الكريمة، لافتاً إلى أنَّه ينبغي على الوالدين مراعاة الظروف البيئية كشدة الحر في بعض المناطق الجغرافية من العالم، أو طول الأمد الزمني ليوم الصيام.

وشدَّد على ضرورة أن يتم تغذيتهم بشكل صحي، إلى جانب التأكيد على تناول طعام السحور وشرب الماء بشكل متكرر طوال الليل؛ ليستطيع الطفل تحمُّل العطش نهاراً، خصوصاً في هذه الأجواء الحارة، وكذلك تعزيز سلوك الطفل معنوياً، ولا ضير من التعزيز المادي الذي يتناسب وطبيعة الإنجاز الذي قام به الطفل؛ ليثبت لديه هذا السلوك ويفخر به، إضافةً إلى التأكيد له بأنَّ الأجر المترتب على الصيام عند الله هو خيرٌ وأبقى، وأنَّه لذلك يشرع للمسلم الفرح عند فطره.

وأشار إلى أهمية ممارسة الصيام أمام الطفل على نحو إيجابي بحيث تظهر من خلاله الأخلاقيات الراقية والروحانية العالية والابتسامة الجميلة لجميع من حوله؛ ليكتسبها الطفل من ذويه بشكل تطبيقي، مُؤكِّداً على أنَّ هذا التدريب المُقنَّن والمُوجَّه للطفل يجعل من صيامه لرمضان تجربة ثرية تُغذيه روحياً، وتُقوّمه سلوكياً، وتُدربه على احترام مجتمعه وقيمه، بما يجعل الصيام مدرسة حقيقية لشخصيته الناشئة.

صيام تدريجي

وأوضح د. أيمن المالك -باحث اجتماعي- أنَّ الأطفال لديهم حب تقليد الكبار، ومن ذلك الصيام، مُضيفاً أنَّهم يُحبّون أن يثبتوا لمن حولهم أنَّهم كبروا وأنَّهم قادرين على مجارات كبار السن، مُتسائلاً: “فهل نتركهم يخوضون هذه التجربة ونشجعهم؟، أم ننهاهم من باب الخوف عليهم والرحمة والشفقة بهم؟”، مُبيِّناً أنَّ الواجب على الآباء والأمهات تدريب أبنائهم على الصيام تدريجياً، ترغيباً لا ترهيباً ولا قسراً، فلا يعقل أن يُطلب من الطفل أن يصوم أول مرة نهاراً كاملاً.

وأضاف أنَّ ذلك يجب أن يكون تدريجياً على مدى ثلاث سنوات، وفي كل سنة تُزاد المدة، وإن قرَّر الطفل أن يكمل صيامه يجب ألاَّ ننهره، بل نشجعه ونكافئه، مُضيفاً أنَّ ذلك يعتمد على صحة الطفل وسلامته من الأمراض، مشيراً إلى أنَّ الصبيَّ يُؤمر بالصلاة إذا بلغ سبعاً، ويُضرب عليها إذا بلغ عشراً، والأصل في ذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال -رسول الله صلى الله عليه وسلم-: “مُرُوا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع”.

وبيَّن أنَّ الصوم فرصة عظيمة لتعويد الأطفال على النظام واحترام الوقت والعادات الصحية في الغذاء، مُضيفاً أنَّ أكبر مكسب غذائي في هذا الشهر الكريم هو ابتعاد الأطفال عن الوجبات السريعة، في ظل اجتماع الأسرة في فطورها وسحورها غالباً على وجبات مُعدَّةً في البيت، وهي فرصة لتعويدهم على ذلك بقية الشهور.

مخاطر صحية

وقالت نسب العتر -أخصائية تغذية-: “إنَّ الصيام ليس له أيّ مخاطر صحية على الأطفال في سن ال(10) من العمر”، مُضيفةً أنَّ بعض الأطفال قد يعانون نقصاً مفاجئاً في سكر الدم، وهو ما يستدعي إفطارهم فوراً، مُشدِّدةً على أهمية أن تشتمل وجبتيّ الفطور والسحور على جميع المكونات الغذائية في الهرم الغذائي التي نحتاج إليها، مع الانتباه جيداً على غذائهم خلال ساعات الإفطار، على أن يستهلكوا كأسين من الحليب في اليوم.

وشدَّدت على إعطاء الأطفال أطعمة غنية بالبوتاسيوم، مثل: الموز والتمر، إلى جانب التركيز على ابتداء وجبة الفطور بالشوربة والسلطة والحد من استهلاك المقليات، وتقديم الفاكهة للأطفال كوجبات خفيفة، مع الإكثار من شرب السوائل، وكذلك الحرص على عدم قيام الأطفال الصائمين بأيّ مجهود عضلي؛ لكي لا يشعروا بالتعب المفاجئ، إضافةً إلى عدم سهر الأطفال إلى ساعة متأخرة من الليل، حيث إنَّ ذلك يؤدِّي إلى عدم توازن إفراز الهرمونات في جسم الطفل.

وأكَّدت على أنَّ من فوائد الصوم للطفل، تعويده على التحكم بشهيته، إلى جانب مقاومة الإفراط في الطعام، وكذلك تشجيع الطفل على تناول الطعام الصحي، بحيث تشترك الأسرة جميعاً على طاولة الطعام، وهنا تلعب الأم دوراً كبيراً في استغلال هذه الفرصة لترسيخ العادات الغذائية الصحية عند أطفالها.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com