كاميرا المواطن “العين الخفية” على المسؤول


كاميرا المواطن “العين الخفية” على المسؤول



محليات - إخبارية عرعر:

لم يعد البعض يأمن من أن تكون جميع أموره المتعلقة بسلوكياته في محيط عمله أو تعليقاته العابرة أو مواقفه مع موظفيه أو مع المواطنين في مأمن من توثيقها في لقطة تصوير قد لا تستغرق أكثر من خمس دقائق، ولكنها كافية بأن تنهي ثقة الناس به وربما تدفع الجهات المعنية باتخاذ قرار بإيقافه، فالصورة أصبحت وثيقة قوية ضد أي رجل مسؤول، ولم تعد تلك الصورة حصرا على الإعلامي الذي كان يمثل السلطة الرابعة بل أصبح المواطنون جميعا الآن في موقف مكانة “شاهد العيان”، الذي سيوثق الموقف بالصوت والصورة ويبثها على قنوات التواصل الاجتماعي حتى تصبح دليلا قاطعا لا شك فيه.. يعلق عليه الجميع ويطالبون بمحاكمة ذلك المسؤول من قبل الجهة المسؤولة عنه، فيجد المسؤول نفسه بين “يوتيوب” التقط له دون أن يدري في وقت أصبح من الصعب جدا أن يرد عليه أو يبرر فالجميع أصبح في موقف الحكم والجلاد والجميع ينتقد ويطالب بالمحاسبة.

انتهاك لحقوق المسؤول

وعلى الرغم من أن الكثير من تلك الصور والفيديوهات وثقت أخطاء فادحة وقع فيها بعض المسؤولين، وساعدت على حفظ حقوق بعض المواطنين إلا أن بعض المختصين وجدوا بأن في ذلك التصوير انتهاكا لحقوق المسؤول أو أي مواطن عادي فالصورة لم تعد حصرا على المسؤول بل ان الجميع الآن أصبح معرضا لأن يلتقط له فيديو في موقف شخصي لا يحب أن يطلع عليه أحد، ويحدث ذلك دون وجه حق.

وطالب هؤلاء المختصون أن يكون هناك تصرف أكثر وعيا واحتراما من بث التصوير الخاص بأي مسؤول على مواقع التواصل الاجتماعي بحيث يكون هناك اجراءات تكفل الستر على الشخص وفي ذات الوقت محاسبته.

ويبقى السؤال موضع التأمل والطرح: هل تصوير المسؤول في محيط عمله وهو يؤدي واجبه الذي أوكل إليه حتى يكون أمينا عليه يدخل ضمن خصوصيته التي لا يجب أن تنتهك بتصوير كاميرا للمواطن؟ هل أصبح ما نشاهده من مقاطع عن بعض المسؤولين ظاهرة سلبية أم إيجابية؟

عمله لا يدخل ضمن الخصوصية

يرى د. صالح الشريدة – المحامي وعضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والاستشاري الحقوقي – بأن سياسة الدولة في ذلك واضحة فهي تقوم على سياسة الباب المفتوح وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – واضحة في ذلك حيث تقوم على أن يكون المسؤول دائما قريبا من المواطنين وأن يؤدي مهامه الوظيفية بأمانة عالية وأن لا يكون لديه في مجال عمله ما يخفيه أو يخشى منه، فالشفافية هي الأساس دوما وذلك هو المسار الواضح في سياسة المملكة، خاصة فيما يتعلق باستقبال المواطنين والإصغاء إليهم وفتح الباب لهم، ولنا فيما حصل مع بعض المسؤولين من إعفائهم بعد ساعات من بعض “الفيديوهات” التي نشرت عنهم عظة وحكمة، فالمسؤول يجب أن يمتلك الشفافية وأن يضع الوقت الكافي للإصغاء لهموم ومطالب المواطنين فهناك من يخصص ساعة في الأسبوع للإصغاء إليهم وذلك لا يكفي، بل لا بد أن تخصص أوقات كافية ومتعددة للإصغاء إليهم ومعرفة أهم الملاحظات والمشاكل التي يواجهونها في قطاع ذلك المسؤول.

وأكد بأن المسؤول حينما يكون مخلصا ومؤديا لعمله على أكمل وجه ويعرف حقوق هذا الوطن عليه ويراعي المواطن البسيط قبل أي شيء فأنه لا يخشى أبدا كاميرا المواطن التي سترصده، فهو إنما يتعامل من منطلق الأمانة الشخصية وحق الوطن عليه، لأنه يعمل وفق الأنظمة التي نص عليها نظام العمل التابع لدائرة العمل التي هو مسؤول بها.

وأوضح بأنه من الناحية القانونية وعن مدى قدرة المسؤول في محاكمة من قام بتصويره أو التسجيل عليه دون أن يعلم فإن ذلك يختلف باختلاف المواضع والحالات فإذا كان التصوير أخذ عليه في مكتبه الوظيفي “أي في محيط عمله” أو في مقابلة أخذت معه، فليس من حق المسؤول المقاضاة هنا لأن عمله لا يدخل ضمن خصوصيته فهو حق عام أوكلته الدولة له حتى يكون أمينا عليه، أما من يحاول أن يقدم النوايا السيئة والبحث عن الزلات من الأفراد فيتصيد أخطاء المسؤول ويقوم بتصوير ذلك كمستمسك عليه فإن للقضاء في ذلك حكما فيه إذا ما أثبت المسؤول سوء نوايا من قام بالتصوير.

لسنا قضاة

وأوضح د. سعود صالح كاتب – المختص بمهارات الاتصال وتكنولوجيا الاعلام بجامعة الملك عبدالعزيز وعضو الهيئة العامة للاعلام المرئي والمسموع – أن الرأي القانوني أجمع على عدم جواز تصوير أحد من أفراد المجتمع دون علمه ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي ليظهر في سلوك غير جيد، فذلك هو الرأي القانوني، إلا أنه في وجهة نظره الشخصية فإنه في بعض الحالات التي يقوم فيها المواطن بتصوير المسؤول فإنه ليس بالضرورة أن يبث ذلك التصوير عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأن يشهر به بل يمكن أن يبادر لإرسال ذلك المقطع إلى الجهة المسؤولة عنه لتقوم بمحاسبته، خاصة بأن هناك من استغل هذا الجانب وأصبح يلتقط الصور دون أن يظهر الموقف كاملا فيكون هناك لبس في المشهد الذي تم تصويره.

وأشار إلى أننا مهتمون بالإعلام الجديد وصحافة المواطن عالجت الكثير من الأخطاء ولكن يجب أن يحدث ذلك وفق القانون وليس وفق سوء النية والترصد ولذلك فمن الواجب على المواطن حينما يلاحظ تقصيرا من مسؤول أن يرسل للوزارة الذي يتبع إليها ذلك المسؤول وإلى الإدارة المعنية بالوزارة تلك المقاطع التي قام بتصويرها حتى يتخذ في حقه الاجراء المناسب بدل التشهير به على شبكات التواصل الاجتماعي، فالجهات التنظيمية والقانونية للوزارة هي من تتولى محاسبته وستأخذ ذلك على محمل الجدية العالية.

ويضيف ان من الخطأ أن نقوم بتصوير الشخص وأن ننشر ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي ليعلق عليه الجميع، فنحن دولة قانون ونظام وكل شخص يجب أن يذكر المعلومة بطريقة نظامية دون الإساءة لأحد، فلا يمكن أن نضع أنفسنا في موقف القضاة، وأن نقوم بالتشهير بذلك المسؤول لأننا في المقابل نرفض أن يقوم أحد بالتشهير بنا أو بأحد أقاربنا فهذه تدخل ضمن المبالغة المرفوضة وغير المقبولة.

تصيد الأخطاء

وأشار د. أبوبكر باقادر – أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة سابقا – بأن تقييم تصوير المواطن للمسؤول يختلف من حالة لأخرى إلا أننا يجب أن نتفق بأن المسؤول هنا شخصية عامة والخصوصية تحددها نوعية التصوير الذي أخذ عليه فإذا كان التصوير الذي أخذ عليه في محيط حياته الشخصية أو في موقف شخصي فإن ذلك يدخل ضمن انتهاك الخصوصية، أما إن رصدت الكاميرا المسؤول في محيط عمله فذلك لا يعد انتهاكا لخصوصيته، إلا أن تصيد الأخطاء والتركيز عليها فإن ذلك سلوك انتهازي غير مقبول، فيجب على المواطن أن يكون عادلا فيما يلتقطه على المسؤول وأن لا يكون متحيزا ضده.

ويضيف كما أن لتصوير المواطن للمسؤول جانبا سلبيا إلا أن مثل تلك الصور أصبحت محفزة أكثر على ضبط المسؤول في عمله، لذلك فيجب على كل مسؤول أن يكون أكثر تفانيا في التعامل مع المواطنين وأن يعلم بأنه ليس هناك من هو فوق النظام والقانون فهناك مسؤوليات يجب أن يؤديها المسؤول بصرف النظر عن الشخصية التي يؤديها له سواء كان مواطنا بسيطا أو شخصية تهمه فلا تدخل المحسوبيات والواسطة في ذلك التعامل.

وذكر بأن ما يحدث من قبل بعض الأفراد من محاولة توثيق أخطاء المسؤولين في تصوير جاء من خلفية خلل يصدر من بعض المسؤولين في محيط العمل الوظيفي، فالمواطن غير راض عن ادائه، ويقابل صعوبة في الحصول على الخدمة المطلوبة فيقوم بتوثيق ذلك من باب التدليل.

مشيرا إلى أن اقتراح عدم نشر ذلك الفيديو في مواقع التواصل الاجتماعي والاكتفاء بإرسالها للجهات المعنية والمسؤولة عن الموظف خطوة جيدة شريطة أن تأخذ الجهة المعنية ذلك التصوير محمل الجدية الكبيرة وأن تتعامل معها بمصداقية دقيقة في محاسبة المسؤول الذي هو في مكانة تتوجب عليه أن يكون ملتزما بأداء مهامه الوظيفية وأن يبذل جهده من أجل خدمة الناس والوطن ولا يضع نفسه في موقف التصوير أو المساءلة.

الوزارات استفادت من التصوير

ويقرأ د. مسعود الغامدي – المختص بالفتاوى الشرعية والسلوكية – الموضوع من عدة زوايا حيث يرى بأن الزاوية الأولى تتعلق بالمصور والزاوية الثانية تؤخذ من قبل الشخص الذي تم التقاط الصور له والزاوية الثالثة تتعلق بالمجتمع، فالمصور إذا كانت نيته التشهير والإيذاء فإن في ذلك إثما كبيرا أما إذا كان بقصد التوثيق لخطأ يصعب أن يدلل عليه إلا بالتصوير فإن في ذلك شيئا من الإيجابية خاصة حينما يكون الموضوع يستحق التنويه وضرورة استعمال الصورة في القضية المطروحة، وهناك من يقصد بذلك التصوير تنبيه المسؤول الأكبر من ذلك المسؤول الذي أخطأ حتى يحاسبه، أما من قصد التشهير والفضيحة فذلك لا يجوز على الإطلاق.

والزاوية الثانية تتعلق بمن تؤخذ له صورة فالمسؤول الذي يحب أن تلتقط له الصور في مواقف إيجابية له فتنشر وتبث على مواقع التواصل الاجتماعي فإن ذلك يسعده حتى إن كان مقصرا والموقف الذي تم التقاط الصورة له موقف بسيط فإن في ذلك أيضا خللا فحينما نرفض التشهير يجب أيضا أن نرفض النقيض، وهو أن نلمع صورة المسؤول بتصوير لا يظهره على حقيقته.

ويردف بقوله: أما من زاوية المجتمع فثقافة التصوير أصبحت ثقافة سائدة ومنتشرة في المجتمع يصعب جدا إيقافها ولا يملك أحد أن يغير من هذا الواقع الذي أصبح فيه المواطن مصورا يلتقط جميع المشاهد، لذلك لا بد أن يدرك المجتمع بأن التقاط الصور أو الفيديوهات أمر مهم جدا لا بد من اقتضاء الأمانة فيه خاصة حينما يكون بهدف الفضيحة وهي المشكلة التي أصبح يقع فيها المجتمع.

مؤكدا بأنه مهما كانت سلبيات التصوير فإن المجتمع أصبح يعيش المواقف طازجة ويقف على الأخطاء فحتى الوزارات استفادت من ذلك بتعديل الكثير من الخلل، ولكن بشكل عام يجب أن يكون هناك مرعاة لأسباب وظروف الصورة التي أخذت فيها وأن لا تؤخذ من باب التشهير.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com