عرعر تفتقد أميرها


عرعر تفتقد أميرها


سعيد شهاب
سعيد شهاب

إقرأ المزيد
عرعر تفتقد أميرها
التفاصيل

وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.ararnews.com/2634382.html

ارتبط أهل منطقة الحدود الشمالية وأميرهم الراحل بعلاقة أعمق من مجرد علاقة الحاكم بالمحكوم تلك التي تحددها الأنظمة وترسم معالمها القوانين، تمتع عبد الله بن مساعد لدى أهل منطقته بمنزلة الأخ أو الوالد، ربما كان للعقود الطويلة التي قضاها بينهم أثرها في نسج تلك المودة وربما كان لحسن المعشر ومشاركة الأعباء أثرها كذلك فقد ظل مكتبه مشرعاً للمراجعين وطالبي الحاجات على الدوام ودون ضرورة للمرور بتعقيدات الروتين فلا يلزمك أن تكتب طلباً لمقابلته رحمه الله وما عليك سوى أن تنتظر بضع دقائق ليستقبلك بابتسامته اللطيفة فيزيل عنك الرهبة ويستمع إلى شكواك باهتمام فينصفك إن كنت محقاً أو يقنعك بما يحتمه النظام بلغة أبويه يعرفها من زار مكتبه وما أكثرهم!، أما مجلسه الليلي فعامر بالزوار من كل الطبقات وكل الفئات يسأل القادمين من القرى والهجر عن أحوالهم وعما ينقص مناطقهم التي ساهم في بناءها وواكب تنميتها منذ أن كانت هجراً صغيرة ومجموعات من القبائل الرحل حتى أصبحت مدناً عصرية جميلة تزخر بالحياة وتنعم بالأمن، يتفقد أحوال الناس فيعود المريض ويواسى المصاب ويجيب الداعي دون تكلف، ربما كان لنزاهته دور فيما بُذر له من المحبة فلم يعرف عنه وعلى مدى ستة عقود قضاها في المسؤولية سوى الاستقامة والصلاح، قد يبدو ما نرويه عن فقيدنا أشبه بالقصص التي يختلط فيها الواقع بالخيال لكنها الحقيقة التي يشهد بها الجميع هنا، كان نموذجاً يصعب تكراره صاغته كاريزما القيادة الفطرية والخبرة الممتدة والرصيد المتين من المبادئ الأصيلة، ربما يصعب تفسير أو تصور هذا في زمن الإدارة الحديثة والحسابات القانونية والمادية لكن ما الذي يتمناه المواطن سوى أن يجد المسئول عادلاً نظيف اليد والضمير وهكذا كان ابن مساعد لا يحابي ولا يتهاون فيما يخص الأمن أو العدل، يحترم كلمة القضاء فلا يتعداها ويقف عند حدود الشرع، أما في الجانب الاجتماعي فتجده دائب السعي في سد الحاجات وستر العورات وإصلاح ذات البين ليس بصفته المسئول بقدر ما صفته الوالد الذي تقدر كلمته ويوثق برأيه ورغم قيود الأمن في السنوات الأخيرة إلا أنه أصر على روتينه اليومي معتذراً للناصحين بأنه يتوكل دائماً على الله ولا يريد الابتعاد عن مخالطة الناس، يستقل سيارته من بعد صلاة العصر فيجول في أرجاء المدينة دون موكب أو حراسة يتحدث مع من يصادفه في الشوارع والمتنزهات ويتفقد أحوال الجميع، لذا تفتده عرعر وتشعر من بعده باليتم .

ألفنا في هذه الحياة أناساً لا يغني عنهم سواهم ولا يملأ الفراغ الذي يخلفونه بعد رحيلهم، ليس بالضرورة لأنهم الأفضل أو الأكمل إنما ببساطة لأنهم هم!

 

سعيد شهاب


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com