“الوكالة الشرعية” التساهل في الصلاحيات يضيّع الحقوق!


“الوكالة الشرعية” التساهل في الصلاحيات يضيّع الحقوق!



محليات - إخبارية عرعر:

تُعد الوكالة الشرعية من أبرز الوسائل التي تيسر على كثير من الناس الكثير من تعاملاتهم اليومية وقضاياهم المتنوعة، وهي عقد جائز فيما يصح التصرف فيه، يقتضي الإذن بالتصرف وفق شروط محددة، وأداة تسهل عليهم أمور حياتهم عن طريق تمكينهم من إجراء تعاملات يتعذر عليهم في بعض الأحيان إجراؤها بأنفسهم؛ نظراً لقلة خبرتهم أو لغيابهم أو لكثرة مشاغلهم.

ولا يُدرك البعض ممن يقوم بالتوكيل أبعاد الوكالة الشرعية، وماذا يحدث وراء تلك الوكالات؟ وكيف يتم حماية الموكلين من استغلال بعض الوكلاء؟ ولماذا صارت بعض تلك الوكالات الشرعية جداراً محطماً قد ينفذ منه بعض الوكلاء ليلتهموا «كعكة» وكلائهم؟ حيث أصبحت تستغل من قبل بعض أصحاب النفوس الضعيفة في الاستيلاء على حقوق موكليهم، وهناك الكثير من الموكلين من نساء وأرامل وقصر وأيتام وغيرهم من قد ضاعت حقوقهم من إرث وغيره لتوكيلهم بعض الأشخاص ممن افتقدوا الأمانة ولم يكونوا أهلاً للمسؤولية التي تحملوها.

ويبقى من المهم تفعيل مهام كتّاب العدل، وأن لا يقتصر دورهم على كتابة الوكالة فقط، على أن يتعداه إلى تنبيه الموكل الجاهل في أمور الوكالة إلى بعض المخاطر، مثل حق الوكيل في توكيل الآخرين وغير ذلك؛ مما يغيب عن الموكل أو يتوقع حدوثه، كذلك لا بد من الموكل أن لا يوكل إلاّ في شيء محدد، والذي يحقق غرضه من التوكيل حتى لا يؤخذ على حين غرة نتيجة لجهله بأنواع الوكالات.

وكالات الأيتام

«ظلم وجشع وسرقة واستغلال وضعف نفوس، ولكن الله يمهل ولا يهمل، ولا يكاد يمر يوم واحد دون أن أقول: حسبي الله ونعم الوكيل» بهذه العبارات استهلت والدة أيتام حديثها، قائلةً: «توفي والدنا وترك أموالا وعقارات وغيرها، وقام ابنه الأكبر بطلب وكالات شرعية منا على أساس المراجعة نيابة عنا في أمور الإرث المتعلقة بوالدنا، وتفاجأنا بعد سنوات عديدة بأنه كان يخطط لسرقة نصيبنا وحرماننا من حقوقنا، وقد باع لنفسه نصيبنا من ذلك الإرث بثمن بخس، واستولى عليه وتصرف تصرفات ناقلة للملكية وبطرق ملتوية وبدون إذن القاضي؛ لكي يخرجنا من دائرة الإرث، بل وبدون الرجوع إلينا لإجراء توزيع التركة وقسمة الميراث قسمة شرعية»!

نصب واحتيال على النساء

واعتبرت إحدى سيدات الأعمال أنّ المرأة هنا أصبحت منجم ذهب للوكيل، مضيفةً: «لحاجتي الماسة إلى وكيل يدير أعمالي المتباعدة في مدن بعيدة عني، فقد أقمت وكيلاً وأعطيته وكالة لإدارة أعمالي رغم علمي بمخاطر الوكالة إلاّ أنني لجأت إلى ذلك رغماً عني بسبب حاجتي إلى من ينوب عني في مراجعة الدوائر الحكومية وأمور البيع والشراء والتعاملات التجارية المختلفة، إلاّ أنّ هذا الوكيل تمكن بموجب الوكالة التي أعطيتها له من التصرف عبر هذه الوكالة بتصرفات وصلت إلى حد البيع والتنازل عن أملاكي دون علمي، لأكتشف مع مرور الأيام أنّ أموالي وأملاكي لم تعد ملكاً لي ولم أعلم إلاّ بعد انتقال أملاكي للغير، وعندها بدأت معاناتي في مراجعات عديدة وتوكيلات جديدة مع الدوائر الشرعية والمحاكم لإثبات بطلان تلك الإجراءات التي أجراها وكيلي ولعلي أستعيد شيئاً منها».

وأشارت إلى أنّه يجب على موثق الوكالة في كتابات العدل أن يبيّن أبعاد الوكالة، خصوصاً لغير الممارس لهذه الوكالات كصغار السن أو النساء الجاهلات لحقوقهن ولمثل أبعاد هذه الوكالات، مضيفةً: «عند عمل وكالة فإنها في كثير من الأحيان تكون جاهزة لدى بعض موظفي الإحالات في كتابات العدل، ويدخل فقط الأسماء الجديدة وأرقام السجلات المدنية، ويدخل في الوكالة أموراً لا يرغب الموكل في التوكيل عليها، وذلك قد يكون كسلاً من الموظف أو لعدم رغبته في كتابة وكالة لكل مراجع على حدة، فيقوم بكتابتها مرة واحدة ويعطيها لكل مراجع يراجعه!»

ربط إلكتروني

وكشفت أنّ هناك مقترحاً أو فكرة لتطوير الوكالة الشرعية تتمثل في تغيير الصكوك الورقية للوكالات الشرعية وإصدار تلك الوكالات على شكل بطاقات شبيهة ببطاقات الأحوال المدنية أو رخص السير، وتكون ممغنطة وتعطى للموكل حينما يأتي إلى كتابة العدل لاستخراج الوكالة، ويعطى رقماً سرياً خاصاً، ويعطى كذلك رقماً عاماً يسمى رقم الوكالات الشامل، وفيه جميع وكالاته التي يصدرها ورقماً آخر خاصاً بكل وكالة يصدرها، وتحتوي تلك البطاقة على اسم الموكل ورقم سجله المدني واسم الوكيل ورقم سجله المدني وتاريخ الإصدار للوكالة، ومكان إصدارها وتاريخ انتهائها، ويقوم الموكل بإعطائها للوكيل بعد تفعيلها من كتابة العدل واعتمادها إلكترونياً، وعند مراجعة الوكيل في أي معاملة تخص موكله فإنه يتم في تلك الدوائر الحكومية الاطلاع على الوكالة إلكترونياً، من خلال الربط الإلكتروني المباشر بين كتابات العدل وجميع الدوائر الحكومية من خلال إدخال الرقم الخاص بالوكالة الموجود في تلك البطاقة الممغنطة، التي تم إصدارها وتفعيلها مسبقاً، ويستطيع الموكل من خلال رقمه السري أن يطلع على جميع التعاملات التي قام بها موكله.

إجراءات مشددة

وبيّن ناصر بن عبدالعزيز الثويني – مستشار قانوني – أنّ هناك أموراً تفرزها الاستخدامات العملية للوكالة تبين مدى خطورتها، ومنها امتداد تاريخ صلاحية الوكالة، أو كونها مفتوحة المدة، فلو كانت محدودة المدة ولفترة قصيرة جداً من شهر إلى ثلاثة أشهر مع إمكانية تجديدها إلكترونياً من قبل الموكل بإجراءات مشددة لا تقل عن إجراءات العمليات البنكية، وبذلك يتم الحد من تصرفات الوكيل سيئ النية، موضحاً أنّه من المهم التحفظ في مضمون الوكالة على عدم منح الوكيل استلام أي مبالغ مالية على وجه العموم أو إيداعها حسابه وذلك بسبب وجود مبالغ مالية تظهر من حين لآخر لا يعلم عنها الموكل خصوصاً الورثة بالذات.

وأضاف أنّ أخطر الوكالات هي التي تكون بين الأزواج، فالزوجة غالباً تقع ضحية استغلال الزوج غير الأمين؛ لأنّ الزوج كثيراً ما يعتقد وهماً أنّه له الحق في التصرف بمال زوجته بأي شكل من الأشكال، وبالتالي تصبح الزوجة بين أمرين أحلاهما مر، إمّا التسليم للأمر الواقع والتنازل عن كل شيء أو التضحية وهدم كيان الأسرة، لافتاً إلى أنّ من أخطر الأمور المصاحبة للوكالة إصدار وكالة عامة وعدم تعيين التصرفات المطلوب من الوكيل القيام بها على سبيل التحديد، وأيضاً التوقيع المطلق نيابة عن الوكيل، وكذلك السحب من رصيد الموكل بالبنك، وأيضاً أخذ قروض من البنوك وغيرها كاستخراج بطاقات ائتمانية، مؤكّداً أنّه من الضروري تفعيل مهام كتّاب العدل، وأن لا يقتصر دورهم على كتابة الوكالة فقط، ولكن يجب أن يتعداه إلى تنبيه الموكل الجاهل في أمور الوكالة إلى بعض المخاطر، مثل حق الوكيل في توكيل الغير، وغير ذلك؛ مما يغيب عن الموكل أو يتوقع حدوثه.

ضوابط الوكالة

وأوضح محمد بن هاشم بن جارالله الزهراني – مستشار شرعي ومدير الإدارة بكتابة العدل الثانية بالطائف الأسبق – أنّ المقصود بالوكالة هو إنابة شخص أو عدة أشخاص لإنجاز مصلحة ما، مبيّناً أنّ من ضوابط الوكالة أنّ تكون من شخص بالغ عاقل، فالقاصر لا يوكل إلاّ إذا أُقيم عليه ولي يقوم بإنجاز مصالحه ومعاملاته، وأن يكون هذا الولي يخاف الله، ويحرص على كل ما فيه الغبطة والمصلحة للقاصر أو المريض عقلياً، لافتاً إلى أنّ الوكالة لا تتم إلاّ بالهوية الوطنية أو الإقامة بالنسبة للمقيمين، ولا يشترط الآن الشاهد للمرأة بعد تطبيق نظام البصمة وهذا من التيسير على المرأة، ناصحاً الموكل أن لا يوكل إلاّ في شيء محدد، والذي يحقق غرضه من التوكيل حتى لا يؤخذ على حين غرة نتيجة لجهله بأنواع الوكالات، مطالباً الوكلاء بتقوى الله وأن يغلب مصلحة الموكل على مصالحه الذاتية؛ لأنّ الموكل قد يكون رجلاً عاجزاً أو مريضاً وهو في أمس الحاجة لإنجاز معاملاتهم في أسرع وقت ممكن.

أخطر العقود

ولفت سلمان بن ساكر العنزي – محام ومستشار قانوني – إلى أنّه مع تطور الحياة ونموها يتجه بعض أصحاب المصالح إلى توكيل أشخاص يساندونهم ويخففون جزءا من الأعباء لتيسير أمورهم، وتسند إلى ذلك الوكيل صلاحيات يتصرف من خلالها وقد تكون محدودة أو مطلقة، فالوكالة تعتبر من أخطر العقود، موضحاً أنّ اللجوء إلى الوكالة قد يكون برضا الموكل وقد يكون عن طريق إلزامه من قبل إحدى الجهات الحكومية، لذلك نجد أن الأنظمة والقوانين لم تهمل هذا الجانب وإنما قامت بتنظيم هذه المسألة وجعلتها بصفة استثنائية تقديراً منها لظروف الموكلين، منوهاً بأنّه لا يمكن على الإطلاق أن يكون الوكيل هو المتهم الأول والأخير في استغلال الوكالة، بل يقع اللوم أحياناً على الموكل الذي يثق بأشخاص غير مؤهلين هدفهم الحصول على المادة وبشتى الطرق ولا يحفظون الأمانة، موضحاً أنّ النزاعات القائمة في موضوع الوكالات قد يكون دافعها الاستغلال.

وقال: إنّ من النقاط التي يجب أن يؤخذ بها في الحسبان معرفة نوع الوكالة، ولمن ستمنح، وهل هي بين أشخاص عاديين أم بين شخص ومحام؟ إذ هناك فرق بين الحالتين، فعندما يقوم شخص ما بعمل وكالة للمحامي تخوله الترافع في قضية تخصه، وحضور الجلسات وتسهيل أي إجراء قانوني في حدود القضية، ويكون مسؤولاً مسؤولية كاملة، فلا يجوز له أن يتنازل عن القضية بشطبها أو اتخاذ أي إجراء قاطع إلاّ بالعودة إلى الموكل؛ لأنّ الوكالة هي عقد من عقود الأمانة، مضيفاً أنه قد يكون من بين الصلاحيات استلام المحامي مبالغ مالية عن الموكل، مبيناً أنه قد يخطر بالذهن أنّه بإمكان المحامي الاستيلاء على أمواله، لكن هذا غير صحيح؛ لأنّ النظام يحمي الموكل أياً كان، والمحامي يعمل على تحقيق مصلحته طبقاً لقواعد المهنة.

إخطار رسمي

وأوضح العنزي أنه في حالة إساءة الوكالة، فالمحكمة هي التي تنظر في الموضوع، وهي الجهة المختصة بمحاسبة الفاعل، وتحقق في تصرفات الوكيل إذا كان تصرفه ينم عن حسن نية أو سوء نية، مؤكّداً أنّ أغلب المشكلات والخلافات التي تكون حول الوكالة منتشرة بين الوريث والوصي والأزواج، لافتاً إلى أنّه من أجل تجنب الوقوع في مشكلات تأتي على الموكل بالخسارة المادية والمعنوية لا بد من متابعة الوكيل والتحقق من خطواته في العمل المراد إنجازه، وفي حال خرقه الشروط المذكورة في الوكالة يجب إلغاؤها فوراً عند كاتب العدل، وإرسال إخطار رسمي إلى الوكيل يعلمه بإلغاء الوكالة، مُشدداً على ضرورة إعلامه ولو حتى برسالة عن طريق الفاكس أو البريد الإلكتروني.

وأشار إلى أنّه تم الاطلاع عن قرب على بعض الشواهد والحالات المنظورة أمام المحاكم، منها أنّ إحدى السيدات كان لديها شركة كبيرة متعددة الأنشطة والفروع، ورأت لكبر سنها ومرضها أن تقوم بتوكيل ابنها على الشركة، وما لبثت فترة قصيرة حتى توفيت، فقام ذلك الابن باستغلال الوكالة وحرمان الورثة تحت ذريعة الديون والخسائر، وهناك سيدة أعطت الثقة لأحد الوكلاء لتسيير بعض الأعمال التجارية الخاصة بشركتها، فاكتشفت بعد فترة من الزمن أنّه قام باستغلال الوكالة وباع عقاراً دون علمها! وإحدى الزوجات أخرج زوجها الذي يعمل موظفاً حكومياً سجلاً تجارياً باسمها وقام بمباشرة التجارة، وعندما حدث سوء فهم بينهما قام بإقحامها بالديون والقروض البنكية!


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com