“كورونا صحافية” تُغلق مكاتب إقليمية سعودية.. وتهدد مؤسسات كبرى


وسائل الإعلام التقليدية الإخبارية تواجه خطر الموت:

“كورونا صحافية” تُغلق مكاتب إقليمية سعودية.. وتهدد مؤسسات كبرى



محليات - إخبارية عرعر:

لم تعد الصحف الورقية ممرًّا إجباريًّا للأنباء، ومقولة أنها “وثائق رسمية” لم تعد تجدي نفعًا للجيل الصاعد الجائع، والمتعطش لما هو غير موثّق!

العناوين الحمراء التي تطالعك بها الصحف الورقية صباح كل يوم، أصبحت مثارًا للسخرية، بعد أن تداولها الناس وأشبعوها نقاشًا منذ 24 ساعة مضت!

هذا يعني أن وسائل الإعلام التقليدية الإخبارية تواجه خطر الموت، بعد أن أصابتها عدوى “كورونا صحافية”، اجتاحت صحفًا دولية عملاقة؛ بسبب تكاثر حوامل ــ ليست وسائل إعلامية فحسب ــ وإنما خدماتية وترفيهية متجددة في آن.

 

إغلاق وتسريح موظفين

ماذا يعني أن تستعد مؤسسة صحافية سعودية لإغلاق مكتبها الإقليمي، وتنقل الطاقم التحريري إلى الرياض في أكتوبر المقبل؟! وتعترف أخرى في ذات المنطقة بأنها فشلت في المحافظة على ولاء قرائها رغم حملات التسويق، والصبر على الشركاء لتحصيل عوائد الإعلان؟!

صحيفة سعودية جديدة أيضًا لم يتسلم موظفوها رواتبهم منذ 3 أشهر، وأخرى تذرعت بأخطاء قيادييها فتنزع عنهم الصلاحيات “لتطفيشهم”، ومن ثم مغادرتهم؛ لأنها لا تستطيع دفع رواتبهم!

صحف في المنطقة الغربية والجنوبية والشرقية، استغنت عن عشرات الموظفين، فلم تعد تقوى على صرف رواتبهم.. وفي كل مرة يذهب محاموها لساحات القضاء بعد شكوى المفصولين، يبدؤون بالاعتذار بسبب اضطرارهم التخلص من “السنمّاريين” ومن سيلحقهم لظروف مالية!

صحف أخرى تجاوزت أعمارها 50 عامًا يتنازع العاملون فيها الصلاحيات منذ أشهر.

 

الوباء بدأ من أمريكا

حوادث الفصل هنا هي التي فجّرت هذا الوباء الذي أصاب الصحف السعودية بعد أن فتك بصحف دولية كانت توصف بأنها عملاقة.. فقد أعلنت مجموعة التايمز الأمريكية الاستغناء عن 600 وظيفة، وأعلنت “غانيت” أكبر ناشر للصحف الأمريكية إلغاء 3000 وظيفة، أي ما يعادل 10% من الموظفين.. ماذا أيضًا؟! نعم؛ صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” قلّصت قوام هيئة التحرير إلى نصف العدد الذي كانت عليه منذ 7 سنوات مضت! وإذا أردت أن تعرف أكثر فاقرأ كتاب الفرنسي “برنارد بوليه” بعنوان : نهاية الصحف ومستقبل الإعلام.

 

الاتجاه إلى الهاوية

اليوم، الصحافة المكتوبة في العالم كله تتتجه إلى الهاوية “كجلمود صخر حطّه السيل من عل”.. ففي بريطانيا، هبطت the sun التي يملكها روبيرت مردوخ وفقًا لهيئة الرقابة على توزيع الصحف 40% لتصل إلى عتبة 3 ملايين نسخة.. وثمة رمز آخر لانحدار الصحافة البريطانية، إذ هبطت صحيفة الديلي ميرور Daily Mirror إلى دون عتبة 1.5 مليون نسخة مباعة، أما صحيفة The News of the world التي تصدر كل يوم أحد فقد هبطت إلى ما دون مليوني نسخة، بعد أن كانت تبيع 8 ملايين نسخة، والصحف الإيطالية من أكثر الصحف حصولاً على المعونات الرسمية في العالم، حيث تشير الإحصاءات إلى أنها تتلقى 700 مليون يورو مساعدات مباشرة في العام، ومع هذا انحدرت. وذكر محللون إعلاميون أن هذه الصحف ستضطر بحكم تقلّص سوق الإعلانات إلى البحث عن خلاصهما في التوزيع المجاني، واستشهدوا بــ “لوموند” الفرسية على سبيل المثال التي كانت تعتمد على الإعلان بنسبة 40% بعد الحرب العالمية الثانية، ثم زاد إلى 60% في التسعينيات، انخفضت اليوم إلى 20% فقط ،هذا في الوقت الذي يعاني التوزيع من تآكله البطيء والأكيد.

 

الإعلان.. يعرف وجهته

يقول الباحث الإعلامي ” باسكال جوزيف ” إن عائدات الصحف المالية العالمية هبطت إلى 30% ثم إلى 15% مما يشكل بداهة.. وأشار إلى أن تكاثر الحوامل عقّد استراتيجية المعلنين بشكل متزايد، حتى وإن كان لا يزال بمقدور وسائل الإعلام الريادية التأكد من قوتها، إلا أن الاستثمارات الإعلانية تجزأت” .. “باسكال” يُلامس هنا نقطة حاسمة أخرى، فالمعلنون يشكون في فعالية الإعلان في وسائل الإعلام الورقية وحتى الإذاعات والتلفزيونات؛ لأنه على الرغم من دراسات مبنية على وثائق تقدمها شركات التسويق لم يعودوا يعرفون من يستقبل إعلاناتهم “ربات بيوت، فئات عمرية، مستوى التأثير، الثقافة، درجة الاهتمام والتفاعل..).

 

الصحافة: الموت، البعث!

لما كانت الصحف الورقية مكلفة في الصناعة، ولأنها توظّف صحافيين أكثر من وسائل الإعلام الرقمية فقد باتت الأكثر هشاشة.. صحيح أن طواقمها التحريرية وكفاءتها قد ترجّحان كفّتها ــ في حال المقارنة مع الرقمية ــ لبعض الوقت، لكن على الكفاءات الصحفية التي لا تزال متمسّكة بالورق، أن تعيد اختراع وإيجاد نموذج تجاري جديد مع تقليص تكاليف إنتاجهم صحفهم، وهذا يشبه وفق حسابات “هوارد وايفر” نائب رئيس مؤسسة مكلاتشي كومباني، وهي ثالث مجموعة صحافية أمريكية: “بمن يحاول تغيير زيت محرك سيارته دون أن يتوقف عن السير في الخط السريع!”

يذكر “دين سينغلتون” أنه لن يكون هناك سوى فئتين من الصحف الورقية :”الناجيات والميتات” فقد صارت تعاني من العجز ميزانيات 19 صحيفة ورقية من أصل أكبر 50 صحيفة في أمريكا، وما برح الرقم يتصاعد!. هذا القول من الرجل الذي أدار وعمره 52 عامًا رابع مجموعة للصحافة الإقليمية في الولايات المتحدة Media News والتي تمتلك 54 صحيفة يومية والعديد من الصحف الأسبوعية والإذاعات وقنوات التلفزيون المحلية.

 

نهاية محزنة لــ “حارس البوابة”

ولَى زمن سلطة وسائل الإعلام الورقية التي كانت تعتمد على ما يُسمى نظرية “حارس البوابة”؛ فهذه السلطة لم تفقد مصداقيتها فحسب، بل تبخّرت أيضًا بسبب المضمون المتحجر، الذي يعيد على استحياء شديد ما نشرته الوسائل الإلكترونية، ومقولة أن “من الصعب اليوم توقع ما سيكون عليه المستقبل” ليس هذا مكانها، بعد كل ما يجري أمامنا الذي يؤكد بوضوح أن “الورقية” ستكون رقمًا هامشيًّا وسط عالم رقمي مذهل.

 

القرار الشجاع

شهد يوم 28 أكتوبر 2008م حدثًا تاريخيًّا، عندما أعلنت الصحيفة الأمريكية المتميزة Christian Science Moniter في العام الذي تحتفل فيه بذكرى 100 عام على تأسيسها، أعلنت أنها ستتوقف عن إصدار نسختها الورقية، وهي أول صحيفة كبرى توقف مطابعها، بعد أن استخلصت نتائج الثورة الجارية في عالم الوسائل الإعلامية، وسجّل هذا القرار منعطفًا رمزيًّا في تاريخ الصحافة الورقية، وحذوت حذوها عشرات الصحف الأخرى.. خصوصًا أن القرار صادر من صحيفة هي الأشهر في التغطية الإخبارية، حيث حصل 15 مراسلاً منها على جوائز بوليتزر، وهو ما لم ينافسها عليه أحد حتى اليوم.

ترى؛ من أول صحيفة سعودية تبادر بشجاعة بالتحول الكامل إلى الإلكتروني؟! فبعد أن كان عدد صفحات بعضها 60 صفحة يومية، اليوم لا تتجاوز 32 في أفضل حالاتها.. وبعضها يقرر أن تستريح في إجازات الأعياد، فيما الخبر المجنون لا يهدأ أبدًا!

التمسك بالتقليدي لم يعد مجديًا، والإفلاس هو النتيجة المحتومة لا محالة، ذلك أن النظام الاقتصادي الإعلامي الجديد، يقوم على أساس تحويل الزوّار إلى “نقد”، وهذا ما لا تمتلكه ولا يتوفر للصحف الورقية.. الحكومات حول العالم توقفت عن الدعم المالي المباشر، والصحف الكبرى شاخت وماتت، وزبائن الصحف الورقية يهرمون ويختفون بسرعة، والإعلان يهاجر نحو حوامل أخرى وأسعاره تنخفض على إيقاع تجزؤ الوسائل، وانتقل المعلنون من اقتصاد “الندرة” إلى اقتصاد “الوفرة” الذي يسمح لهم باختيار حواملهم الإلكترونية “الرقمية” المتميزة.

إنها “كورونا” التي أحاطت “بالورق” أيضًا!


2 pings

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com