بل نحن عنصريون !


بل نحن عنصريون !


وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.ararnews.com/2640901.html

نقرأ في القران المجيد ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم ” وفي الحديث الشريف ” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ” الصحابي بلال الحبشي رضي الله عنه زوجوه الصحابية هالة بنت عوف أخت الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف وهو من سادة قريش، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم نفسه تزوج أمرأة مولاه زيد بن حارثة بعد أن طلقها، أدلة ووقائع شرعية بائنة وواضحة كالشمس، ليس بها لبس أو أدنى شائبة، نتناولها في محاضراتنا ومجالسنا ومنتدياتنا وحواراتنا وندرسها لأطفالنا في المدارس، وشبابنا في الجامعات، كتنظير كلامي فقط، مثل بائع الوهم، وممارس التخيل والنرجسية، بعيداً عن الفعل الحقيقي وممارسته على أرض الواقع، بفعل الأفكار المعلبة التي ترسخت في أذهاننا والتي نامت وشاخت، بفضل الشحن اليومي، وعوامل التوريث والتلقين والتوصية، حتى صار ذلك ما يشبه الحقيقة والواقع المعاش الذي لا مفر منه، والغير قابل للنقاش والحوار، كان الأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام يستنكرون على أقوامهم عبادات مخالفة للفطرة، وعادات بائدة، وممارسات خاطئة، وأساليب شائنة، وكان ردهم الوحيد “ إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون “، أن العنصرية الفجة التي يمارسها البعض في بعض جوانب حياتنا الإجتماعية، عن سبق وقصد وعنوة لا يقرها دين، ولا فطرة، ولا عقل، ولا منطق، فبعض الأعراف والعادات والتقاليد البائدة، تمارس وفق قناعات غير مقبولة، ولا مهضومة، ولا يجب أن تكون، بل هي فلسفات تسويغية لا دليل ولا برهان شرعي ولا ناصية للحقيقة لها، المنظرون والمأطرون والمأصلون للعنصرية والطبقية وحدهم وضعوها كنص ملزم لا يمكن تركة أو نفضة أو التخلص منه، هؤلاء الجامدون يشعرون بأمتلاكهم للحقيقة مع أنها زائفة وغير حقيقية ولا صحة لها، حتى إذا ما تجرأ أحداَ محاولاَ الخروج من هذه الدائرة السميكة، ومن هذا النص البائد، يوسم بأقذع التهم والصفات والألقاب، وقد يدفع ثمناَ باهظاً لهذه المحاولة والجرأة الزائدة، لأن حركة الفهم والفكر والعقل والعلم عندهم لا تنشط البتة إلا لمثل هذه الأشياء التصنيفية الدونية الزائفة، أن منهج معتنقي العنصرية والفرز الإجتماعي لا يستوعبون المنهج الشرعي والعقلاني وإثبات الذات، بل يتبعون منهج الأبائية والخلود إلى الماضي وأن كان أسوداً أو ذا ألوان رمادية مقززة، أن المنطق المتحجر لا يتيح للعقل حرية التفكير، بل يؤسس لفكر مزدوج وبه خلل وعوج وإنكسار،أن العنصرية الإجتماعية الفجة التي تمارس وفق إشكال مختلفة، تصنف الناس على أساس سمات ما أنزل الله بها من سلطان بين، وفق مفاهيم خاطئة لقمع التحرر الفكري، والتعايش الإجتماعي المشترك الإنساني العادل والسليم، أن العنصرية الإجتماعية تظهر بين فينة وأخرى، وفق عملية التضاد والهيمنة، مبنية على دلالات وركائز وفلسفة ورواسب زمنية، أسها التخلف والظلم والجور والرجعية، ولها فصول مليئة بالقصص التي تظهر مدى التوحش، وإدعاء التفوق والعلو والعرقية الباهتة الواهمة واللامنطقية، أن المؤطرين للعنصرية وفق خطاباتهم الإنشائية وأناشيدهم ورأيهم المسبق، يزعمون أن بني الإنسان يمكن تصنيفة إلى مجموعات على أساس سمات يرونها هم دون غيرهم زوراً وظلماَ وبهتاناَ، فالعنصرية والطبقية عندهم رافداً من روافدهم الثقافية البائسة، وذهنيتهم المتعالية الشحيحة، والغريب أن هؤلاء المؤطرون للعنصرية والطبقية لم يقدموا للإنسانية شيئاً يجعلهم يتصدون للآخرين، سوى الغلو والتزيف والتزوير ومجافاة الحقيقة، نتيجة شعورهم المتزايد بالهزيمة النفسية والإنكسار الروحي، أن النفي البيولوجي والأنكار على الإنسان الآخر، يعد إيحاء ناقص، لا يستقيم الفهم عنده، وتبريراته غير منطقية ولها إعوجاج، أن بعض الفئات من مجتمعنا تتعرض لهجمة عنصرية وطبقية فجة لما يشبه الزلزال، نتيجة الخطاب العنصري البائد المستعر، وتفسخ المفاهيم، وإنهيار القيم، الذي أدى بدور إلى طفح زائد لهذه النغمة النشاز، بينما جعل هؤلاء المؤطرين للعنصرية البشعة والعاملين عليها وضاربي دفها وموقدي نارها – البعارين والتيوس والماعز والطيور – أصناف حيوانية فاخرة أغلى قيمة ومعنى وحضور وأنقى سلالة ووجود من الإنسان الذي يشاركهم نفس الجسد والروح والعطاء والعبادات ويحمل نفس الأمانة والتكريم بل ربما يتفوق عليهم بالعقل والمنطق والتفكير وبعد الرؤية وتمام الحكمة وعلو المعرفة، يجب أن نعترف بهذه المعضلة الحقيقية ونقر، ولا ندس رؤوسنا في الرمل كما يفعل النعام، فالأحداث الإجتماعية المعاشة التي ينقلها الإعلام بكل تنوعاته تثبت ذلك، أن التناقض في الأقوال والأفعال، والإزدواجية في العلاقات الإنسانية والإجتماعية والمعايير، يظهر مدى تحولنا إلى ما يشبه الآلة الجامدة التي تعمل دون توقف لخدمة الإنسان، لكنها لا تملك التمييز والمشاعر والأحاسيس، أن الحوادث الإجتماعية الأخيرة وما قبلها وما سيلها، ذات الدلالات والحجم والأهمية لم تكن لتظهر بهذه القوة، لو لم يكن هناك مناخ سيء وجاف في واقعنا الإجتماعي، بات يسمح للبعض أن يجاهر بالنزوع العنصري الفج دون أن تخالجة مشاعر الحرج أو الخوف أو القلق، ودون أن يشعر بأن من أبسط شروط الدين الإسلامي هو شرط نبذ العنصرية والطبقية والحب والألفة والتسامح والرحابة واللاتفرقة بلا إستثناء، بعيداَ عن الطبقية والتفرد والتميز الباهت، أن مما يثير العجب والقلق بأن هذه السلوكيات والأعمال والتنظيرات والأطروحات باتت تصدر من بعض أوساط الفكر والثقافة بشكل فج، وهذا يشكل تهديداَ مباشراَ لطرق التفكير الحرة والمفتوحة، ويعمل على عطب الهيكل الإجتماعي الكامل، ويسوقه نحو الحضيض، ويعرضه للنكوص والتلف، والذي يدفعه في النتيجة والمحصلة النهائية للجهل المركب الكامل، والعودة للمربع البائد القديم، أننا لا نريد لمجتمعنا المتعلم والمنفتح والمدرك الواعي هذه العودة، ولا نريد أن تكون المفاهيم والقيم عندنا معكوسة ومتناقضة وليس لها حس إنساني وبها فجاجة، لكننا نريد إستحقاق أن نعيش في إنتظار القرن القادم، بعيداَ عن هذه الممارسات العنصرية البشعة والمخالفة للدين والأخلاق والقيم الإنسانية، ولكي نطبق فعلاً عملاً وقولاً تعاليم ديننا الذي قدم التضحيات من أجل التقدم والعدل والمساواة والحرية والحب والألفة والجمال، فلنوحد جميعنا نضالنا الأبيض ضد العنصرية والتصنيف والطبقية والتجهيل، لكي نحيا حياة إنسانية عادلة سوية كما أرادها الله عز وجل لنا، وكما أرادها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، لا كما أرادها أدعياء العنصرية والطبقية والآبائية والتصنيف والتفرقة البشرية، أن الدين الإسلامي الحنيف يؤطر للإنضباط الفكري الحر، ويشيد بعمل الفرد أياَ كان هذا الفرد وبإبداعة وخدمته للأرض والبشرية والحياة، ويغلق كل مداخيل التجهيل السوداء، والبطولات الحرام الزائفة، بل انه يجعل من تقديس المجاميع والأفراد فارغاً من مضامينة، ومن ثَمَّ فإن الانغلاق على مواريث بالية لا يقرها الشرع لابد أن يعقبه انفلات غير متزن يطيح بصالح الموروث وطالحه، أن العنصرية والآبائية المقيتة والغير مقننة هي أخطر مشكلة تواجه المجتمعات وتغيق تقدمها وتطورها، أن حملة الآبائية وناشطي العنصرية ومثقفيها يصطدمون صداماً مباشراً مع تعاليم الشرع والمنهج الرباني، حيث يرى هؤلاء أن الآبائية هي مالكهم والفاصل والقاضي والمبتدأ والمؤخر، أن الإرتهان للماضي وتركيبته المبنية على منهج منفصل عن الشرع، يعني وجود خلل في التركيبة الذهنية الفردية والجمعية يجب تصحيحها، وفق حملة وطنية تنويرية إيضاحية يغلب عليها سلطان العقل والمنطق والنقل بعيداً عن عاطفة العقل والفعل والمقال، انه كلما خمدت حركة الفقة في الدين أو حتى تراخت، زحفت العادات والتقاليد والبدع الزائفة لتحل بين الناس وتسير حياتهم، ويكون الدين عندهم مجرد عنصر من عناصر ثقافتهم بدلاً أن يكون الموجه الرئيسي لتلك الثقافة والحاكم عليها، سيما حين تكون هناك بعض الملابسات بين العادات وحقائق الدين في الكُنْهِ أو المظهر، وقد ذكر ابن الجوزي – رحمه الله – ” أن من الناس من لو جلدته حتى يصلي ما فعل ، ولو جلدته حتى يفطر رمضان ما فعل ! ” مع أن أهمية الصلاة أعظم من صوم رمضان وكلاهما عظيم، إننا إذا لم نتمكن من نبذ الآبائية والأنانية العنصرية الفجة وفرز المجتمع على أساس طبقي صرف، فسنعرِّض أنفسنا إلى تيه مجتمعي وغرق تخلفي وانحباسٍ داخلي يعقبه أنفجار لا ينفع معه الترقيع! وحتى لا نقعَ ضحيةً للغرق في مراحل التيه والتدهور من خلال هذه الممارسات البليدة الزائفة التي لا تستند لأدلة شرعية مطلقاً، علينا البدء الفوري في تغيير أفكارنا المعلبة التي جاءتنا من القرون الجاهلة المتأخرة وإستبدالها بأفكار من واقع الرسالة المحمدية الوضاءة، وعلى الله قصد السبيل.
رمضان جريدي العنزي
ramadanalanezi@hotmail.com
@ramadanjready


5 pings

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com