فأضحى قزمًا


فأضحى قزمًا


وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.ararnews.com/2650869.html

كان كمعظم الناس في بيئته ، يعيش حياةً طبيعية جدًّا من حيث السكن، والمعيشة ، فحالته المادية تبعًا للحالة المادية لوالده، وأسرته ؛ في حدودها الدنيا، بالكاد تكفي لسد الحاجة وسير الحياة في أضيق الحدود ، وأعني بذلك المتطلبات الأساسية للعيش، أمّا الكماليات فذاك ضربٌ من الخيال، وأمرٌ بعيد المنال.
في حينها في ذلك الوقت كانت الأمور الحياتية للمجتمع بعمومه في حد الكفاف ، وثَمَّ من حالتهم الماديّة أفضل وفق نسب متفاوته .
كان شابًّا متوقد الطموح ، ذا خلقٍ عال، وشمائل كريمة، ترتسم الإبتسامة على محيّاه في كل الأحوال، فنادرًا ماتجده متجهِّمًا ، أو عبوسًا ، يعيش حياته بطبيعتها ، وصعوباتها، وأحلامها، برضا، وقناعة ، علاقاته الإجتماعية ، وصداقاته رائعة جدًّا ، له حضورٌ وألق في محيطه ، وبين زملائه، وأصدقائه.

مثله مثل الكثير من جيله ، عمل على بذل الأسباب في الدراسة ، والتعليم ، إضافةً إلى بعض الأعمال الأخرى التي ترفد ، وتضيف إلى دخل العائلة مايسدُّ رتقًا ، أو يحسّن حالًا ، فالتكاتف والتعاون ، كان من الواجبات والمهام التي تميّز المجتمع في تلك الأعوام العابقة مروءةً ، وصفاءً ، ونقاءً ، ووفاءً.

مرّت السنون ، وتبدّلت الأحوال، وتطوّرت الأمور، وتغيّرت الأفكار فأضحت الحياة المعيشية مريحة جدًّا ، بدءًا من السكن وفق التصميمات الهندسية العصرية ، مروراً بالمتطلبات الحياتية الأخرى ،حتى توفير أفضل الكماليات ، وهذا كله بفضل من الله.
جميلٌ أن يُظهرَ الإنسانُ أثرَ نعم الله عليه، وأن يتمتع بما منَّ الله عليه ، وفق ضوابط لسنا في وارد الإشارة إليها.

إذًا تبدّلت أحواله المادية ، والمعيشية ، والتعليمية، والحياتية بعمومها ، وهذا أمر طبيعي ، وبديهي ، وتغيّرت حاله إلى حال أفضل من حيث الماديّات ، والجمادات ، والمركوبات، والملبوسات ، والمأكولات ، والمشروبات، إلى ماهنالك من الضروريات، والكماليات.

وكل ذلك شيءٌ طبيعيٌّ، وجميل ، ولاغرابة فيه ، بل الغريب أن يقصّر الإنسان على نفسه، وعلى أهله ، وبخاصة في المتطلبات الهامّة ، والضرورية .

الأمر غير الطبيعي ، هو الإنسلاخ التام من حياته السابقة ، وعلاقاته وصداقاته القديمة ، إلاَّ ماكان يتناغم مع مصالحه الشخصية .

لبس رداءً آخرًا ، وقناعًا ممسوخًا ، يتطابق بحسب تفكيره ، وقناعاته مع المستوى الذي وصل إليه ، فغدى إنتقائيًّا في علاقاته ، وظهر الأصل الحقيقي لسلوكه ، وطبيعته ، والذي أضحى صدئًا نتيجةً للعوامل التي طرأت عليه ، وأظهرت أصل معدنه.

فالتحوّل الكبير الذي طرأ على حياته ، أحدث صعقًا كبيرًا في حياته العملية ، والحياتية ، والنفسية ، نتج عنه تحوّلاً كبيرًا لم يستوعبه ، ولم يصدّقه .

إنسلخ بالكلية ، ليس في علاقاته ، وصداقاته فحسب ، ولكن حتى في لغته، ولهجته ، وحتى مشيته ، وطريقة حديثه أختلفت . أصبح إنسانًا غريبًا تبدّل كلّ شيءٍ فيه ، لم يبقَ إلاَّ اسمه فقط، أجاد لبس الأقنعة ، يتذكًر كلَّ شيءٍ إلاَّ ماضيه المتّشح بالفقر ، والعَوز.
يمثّل له ماضيه عيبًا كبيرًا لايحبذ الوقوف عليه .

قابلت كثيرًا ممّن ولد وفي فيه ملعقة من ذهب ، مَنْ كانت حياتهم مقارنةً بحياتنا، كحياة الملوك ، والأثرياء ، تبدّلت أحوالهم الماديّة ، والعمليّة إلى الأفضل ، وغدوا من المُترفين ، والنُّخب ، ولم يخلق ذلك في نفوسهم كِبْرًا ، أو غرورًا ، بل أضحوا أرقَّ ، وألطفَ ، وأكرمَ ، من ذي قبل ، جبلَّة ، وخُلقٌ أصيل ، لمّا يتبدّل بتبدّل الأحوال. هم كالذهب لايصدأ مهما تغيرت الظروف.

بقلم / نصار بن حجي العنزي


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com