(بضاعة مزجاة)


(بضاعة مزجاة)



يُعد التدريب استثمارا إيجابيا فعالا ينمي مهارات الأفراد والجماعات ويساعد في تطوير قدرات العاملين ومهاراتهم المختلفة ويسهم في تغيير السلوك والاتجاهات في مجال علاقات العمل إذا وجه توجيها إيجابيا سليما يحقق الأهداف المرسومة له .
ولستُ هنا  لذكر إيجابيات التدريب وفوائده العديدة فهي واضحة جلية لا تحتاج إلى إيضاح وما دعاني لأخط حرفي هذا  الإقبال الكبير والمتزايد على التدريب مدربين وليس متدربين حمى التدريب التي أضحت تستشري بشكل مبالغ يدعو للريبة فالجميع الآن يسمى نفسه مدربا فالحصول على شهادة المدرب المعتمد أصبحت وسيلة سهلة المنال وقريبة من متناول الجميع خاصة مع التوسع في التقنية بالتدريب فشهادات اعتماد المدربين للأسف أغلبها “شهادات بلا مدربين ” فهل :حضور برنامج إعداد المدرب يعتبر مؤهلا كافيا للانضمام لكوكبة المدربين !
صدقا إنني لا أشك لحظة واحدة بالقدرات والإمكانات والمهارات التدريبية الرائعة التي يمتلكها العديد من المدربين والمدربات بوطننا الغالي ورسالتهم السامية التي يحملونها ولكن ما تناولهم قلمي هم أشباه المدربين والمدربات الذين زجوا بأنفسهم لقاعات التدريب باعتبارها من وجهة نظرهم استثمارا وثراءا سريعا بجهد يسير.
فالأغلبية اليوم يتسابقون  للانتساب لهذه المهنة يحلقون إلى عالم الوجاهة والظهور ؛ يغريهم التطبيل والثناء الغير صادق لأنهم لا يحسنون تقدير ذاتهم وتقييمها ,والبعض منهم توجهت بوصلته للتدريب تقليدا وحبا في الشهرة وآخرين ظهروا لضعف المدربين الموجودين على الساحة وقلة تأهيلهم فشعر أنه يستطيع أن يقف كما يقفون  فأصبح التدريب مشوها بسبب هذه الفئة التي لا تعرف أساسيات التدريب ومهاراته فبدأوا بكل واد يهيمون فتجده اليوم ببرنامج عن الأسرة وغدا عن التخطيط وبعده عن الاقتصاد والميزانية أو عن مهارات التدريس  وهو لا ينتسب إلى مهنة التعليم ولم يمارسها ’ فهل إلمامه بمهارات التدريب يُمكنه من سبر أغوار المحتوى بكل المجالات  ! ولأن الباب مفتوح على مصراعيه دون ضبط وقيود  طغى على السطح الغث والسمين ,والمدعي والمبدع ,وظهرت مسميات ضخمة وعملاقة لمدربين مغمورين نحو (خبير التدريب وشيخ المدربين والمدرب الدولي والمدرب العالمي و ……) فمن أين اكتسبوا تلك المسميات ؟
وهل لهذه المسميات ضوابط ومعايير دولية معترف بها ؟
عجيب أمر التهاون  بالتدريب رغم  أن الاستثمار بالإنسان أمانة وما يقدم من فكر ومعلومات بقاعة التدريب نُسأل عنه أمام المولى سبحانه وتعالى لأنه قد يرسخ بالذهن ويؤثر على الفكر فما يقدم للمتدرب من معلومات تم توثيق مصادرها أهم كثير من “كاريزما المدرب” التي يحرص عليها البعض فالمعلومة المكتسبة بالتدريب عامة وفي التربية والإرشاد الأسري خاصة قد تغير توجه وقد تبني قيم أو تهدمها فإسناد البرامج للشخص الغير مؤهل أخطر من عدم تنفيذ البرنامج للجهة المطالبة بتنفيذه !
والمضحك بالأمر السيرة الذاتية لبعض المدربين من كل بستان زهرة تحليل شخصية, وقراءة خط ,و وبرمجة عصبية يفاخر بها وهو لا يملك ضبط نفسه عند أقل نقاش ولا يملك مقومات الحوار والتواصل الناجح رغم كونه مدربا معتمدا للحوار فأي أثر نرتجيه منه ’ففاقد الشيء لا يعطيه .
ودورات اقتحمت عالمنا تنفذ عن طريق الواتس اب وقنوات التلجرام عن طريق النسخ والصق ،فالبرامج التدريبية اليوم تلبس عباءة المحاضرة وتعتمد في معلوماتها  على مصادر غير موثقة ومتفرقة من الانترنت يجمعهاو  يحفظها ويرددها على مسامع المتدربين والتلميع بإعلانات البرامج وكأنها وصفة سحرية تغري البسطاء وتعرضهم للاستغلال المادي والنفسي فيخرج بعد البرنامج خالي الوفاض نادما على الوقت والجهد والمال الذي تكلفه فما  القيمة المضافة التي خرج بها بعد البرنامج !! فيفقد الثقة بالمدرب وينكشف الزيف المفتعل فالقاعدة الثابتة (البقاء للأفضل ) فحدث ولا حرج عن برامج تطوير الذات التي تشدق بها الجميع وتهافت عليها الجميع وكأننا نشكي من ذات مهشمة مرددين على مسامع الحاضرين بإصرار (أنت من يحدد مستقبلك ,أنت من يحقق ,وأنت من ) وتخرج المتدربة المسكينة محبطة تجر أذيال الخيبة لأنها لن تكون من ( أنت من يستطيع ) فالاعتماد على الذات جيد ولكن لانهمش العوامل الخارجية المؤثرة ولانقلل من شأنها حتى لا يحبط المتلقي فتعزيز النفس وحده لن يؤتي نفعا بدون التقوي بالله سبحانه وطلب العون منه فالله سبحانه وتعالى يقول { يَا أَيّهَا النَّاس أَنْتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّه وَاللَّه هُوَ الْغَنِيّ الْحَمِيد } ودورات علم الطاقة التي تدافع عليها الكثير وُدفع عليها الكثير :فأي طاقة تمدنا بالقوة والسعادة سوى قوة إيماننا ,وصفحة من قرآننا ,وتلذذ بأذكارنا ! نحتاج لوقفة حتى لا يغرق المركب فنبتعد عن الهدف الأساسي للتدريب نحتاج أن يقنن التدريب تحت مظلة وطنية قوية ذات معايير واضحة ولا يكتفى بالشهادة دون اختبار حقيقي  يخضع له المدرب.
نطمح أن يكون للمدربين جمعية تجمعهم لتبادل الخبرات وأن يُحد من الإعلانات البراقة الخادعة للمدرب ولأثر البرنامج المتوقع منه وأن يوقف قراصنة التدريب المتاجرين الذي يضعون الطعم بالسنارة فالعبارات التي نقرأها كثيرا (البرنامج يؤهلك للوظيفة ويعدك لدخول ….ويصنع منك …..) ولا يجد منه جدوى سوى أنه شهادة تضاف إلى أوراقه في ملف الانتظار نريد صدقا ووضوحا نريد احترافا بالتدريب ومدرب متمكن مطلع يجتهد على نفسه بالقراءة وتثقيف نفسه بمجال عمله بالحضور المتكرر للبرامج المعتمدة من المراكز ذات الجهود البارزة في مجال اهتمامه نريد مدربا يسعى للتخصص يحمل رسالة واضحه هدفه نفع الآخرين لا سرقة جيوبهم مدربا يقف متفاعلا مع حضوره مؤثرا بهم فالأمل أن تشرق شمس الغد ويخبو الاندفاع اللاهث نحو اعتلاء منصة التدريب وأن يكون التنافس للتعمق والتمكن من صقل مهارات القائمين على التدريب فإصلاح واقع التدريب مطلب ملح في ضوء الاحتياجات التدريبية التي يفرضها علينا المجتمع الوظيفي واحتياجات الأفراد لنرقى بمخرجات التدريب ونحقق ثماره المرجوه .

سهام الرميح  

كاتبة سعودية/ عرعر


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com