قراءة في الفكر الإستراتيجي للأمير محمد بن سلمان: تفكيك التوحش والفناء الحضاري أنموذجاً


قراءة في الفكر الإستراتيجي للأمير محمد بن سلمان: تفكيك التوحش والفناء الحضاري أنموذجاً


وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.ararnews.com/2681677.html

حينما قال الأحنف بن قيس: «السؤدد في الشباب» كان يعلم جيداً أبعاد هذه الحكمة في مجالات الحياة كلها، وكانت العرب تدرك تطبيقاتها ونماذجها لتمنحها الخلود في الذاكرة الجمعية لشعوب بأكملها، وربما تبرز أبعادها في المجال السياسي وقيادة المجتمعات وذلك بما تحمله مرحلة الشباب من صفات فسيولوجية تتمثَّل في الشجاعة والصبر والتحدي والقدرة على التغيير، وكان الأمير محمد بن سلمان من خلال فكره الإستراتيجي الساعي إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة وإبداع في رسم خارطة طريق الوطن وبخاصة إذا كان العالم دونما استثناء يمر باضطرابات سياسية واقتصادية واجتماعية ومعرفية على السواء…
محمد بن سلمان الأمير الشاب الذي كسر البيت الأبيض بروتوكولات الرئيس ترامب من أجله على غير العادة انطلاقاً من مكانته ومكانة بلاده في استقرار العالم، وقالت عنه الإندبندنت إنه أخطر رجل في العالم ووصفته الصحف الأمريكية بالرجل القوي الذي يقود برنامج إصلاح اقتصادي وسياسي طموح، لم يتجاوز الثالثة والثلاثين من عمره الذي قضاه جله تلميذاً في المدرسة الأخلاقية الكبرى والمنظومة الإدارية العظمى والصرح الثقافي العملاق الملك سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله…
لم يبالغ العلماء حينما أطلقوا عبارتهم المأثورة على التاريخ والقانون «أبو العلوم»، وتمثّلت تطبيقات هذه العبارة في طموح الأمير الشاب الذي يكتب للتاريخ بلغة القانون الحديثة ويرسم حقائقه كحقائق الجيولوجيا كما قال بيوري، وحتماً سيقف أمام هذه الشخصية الطموحة كما وقف عند القيادات الاستثنائية في التاريخ الإنساني وسيختاره كما اختار شخصياته الخالدة بعناية وبأسرار ليست مفهومة للبشر، ويكمن سر الحقيقة التاريخية في الحكم على فكره الإستراتيجي بالطمأنينة والثقة والارتياح لتدرك من خلالها الأجيال أن هذا الشاب الطموح الذي أذهل العالم في هذه السنوات القليلة كان صواباً وربما كان ضرورة وليس ترفاً، ذلك السر الذي يستحضر جوابه بكل أريحية على السؤال الاستثنائي فيما بعد:
لماذا فعلتم كذا أيها السعوديون؟
ولذلك صدق قول من قال إن التاريخ الذي يفهمه العظماء وصنّاع التاريخ لا يتأتى إلا لمن يستحضر مسؤولياته قبل صلاحياته، يستحضر أمته قبل نفسه، يستحضر القلم والفكر قبل السيف والسطوة، يستحضر الإستراتيجية والموضوعية قبل العجلة والعاطفة، يستحضر أن الحياة فن ذو مرونة قبل أن تكون علماً مُعَلّبا، يستحضر بناء الجامعات ومراكز البحوث قبل بناء السجون والمعتقلات، يستحضر أن الإنسانية بحاجة إلى صناعة حلول قبل حاجتها إلى خلق مآزق مستعصية، يستحضر مفهوم الدولة قبل حقيقة السلطة…
وعوداً على عبارة الأحنف بن قيس: «السؤدد في السواد» فإن تطبيقاتها على فكر الأمير الشاب محمد بن سلمان أحدث دوياً سمعه كل من في الأرض من خلال جولاته ولقاءاته وتصريحاته وزياراته وقراراته ولن نكون مبالغين إذا قلنا إن هذا النتيجة الحتمية لطرفي معادلة بين السؤدد والسواد وكان في أرقى إثباتاتها وأصدق نتائجها هو هذا الأمير محمد بن سلمان…
معادلة نادرة في سفر التاريخ، يرويها المؤرِّخون من رحم التاريخ الإسلامي ليضموا الأمير الشاب محمد بن سلمان (ثلاث وثلاثون سنة) مع القيادات الشابة التي غيّرت ملامح التاريخ الإيجابي وصاغت المشروع الإنساني على أكمل وجه وتولّت صنع التاريخ ورسم ملامح عصرهم على لوحة الخلود الإنساني بألوان الطيف المبهجة، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يختار أسامة بن زيد وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، إذ ورد في السنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم جهّز جيشاً كبيراً كان من ضمنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وغيره من كبار الصحابة رضي الله عنهم، وأمَّر عليهم أسامة بن زيد رضي الله عنه، وكان عمره حينها لم يتجاوز الثامنة عشرة، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين، وحقق الأهداف حتى قال المسلمون:» ما رأينا جيشاً أسلم من جيش أسامة..»، وهذا القائد محمد بن القاسم فاتح بلاد السند والهند وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، ولقد سحر الهنود بشجاعته وفروسيته وسماحته وعدالته حتى شغفوا به شغفاً شديداً، وهذا عبد الرحمن الناصر أعظم الخلفاء الأمويين في الأندلس تولّى إمارة الأندلس وهو لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره، ورسالته التي تركها بعد وفاته بخط يده تبيّن جهده وجهاده فقال: «حكمت الأندلس خمسين عاماً لم أعرف الراحة خلالها إلا أربعة عشر يوماً وسائر الأيام قضيتها في الجهاد والعمل لبناء الدولة والجيش»، وهذا قائد الفاتحين محمد الفاتح الذي فتح القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية والتي استعصت على كبار القادة في وقتها وكان في الثانية والعشرين من عمره، وكذلك فعل قتيبة بن مسلم فاتح الصين وكان في السادسة والثلاثين من عمره ، ولا ينسى التاريخ الملك عبد العزيز الذي فتح الرياض وأعاد ملك أجداده وهو لم يتجاوز السادسة والعشرين ليثبت الحفيد الأمير محمد بن سلمان أن الولد سر آبائه ومن شابه أباه وأجداده فما ظلم كما قالت العرب…
أمير لم تبهره الأضواء كما هي عادة الشباب، ولم تشغله الملهيات عن مسؤولياته، يظهر في أبسط صورة وأمام كاميرات التلفزة حاسر الرأس دونما تكلّف، بسمات تحكي تدينه وعزوفه عن المظاهر البرّاقة وصفوف المصفقين وهتافات المنتفعين ليعطي درساً للشباب عن قيمة العمل في الميادين وللكهول عن روح الشباب المتوثبة التي لا تقف عند سياج وحدود ولا يحدها طموح في صورة تؤكد ما يتمناه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان للمملكة العربية السعودية في رؤية 2030 التي قال في ديباجتها: «هدفي الأول أن تكون بلادنا نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على كافة الأصعدة…» وترجمتها محاور الرؤية التي صاغها الفكر الإستراتيجي للأمير محمد بن سلمان «مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطن طموح»…
أمير استثنائي طموح تابعت لقاءاته في الصحف العالمية وأحاديثه لنخب المراسلين وتصريحاته لجهابذة الصحافة والإعلام والسياسة والاقتصاد خلال الفترة الماضية وكانت مثيرة للطموحين ومرعبة للأعداء ومعزّزة للأصدقاء ومطمئنة للشرفاء في هذا العالم، ولا بد لكل منصف أن يقف أمام ثلاثة لقاءات مهمة لسموه: اللقاء الذي أعلن فيه سموه عن التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، واللقاء الذي طرح فيه الرؤية 2030، والمقابلة الأخيرة التي سلط فيها الضوء على الشأن الداخلي والخارجي وتناول بعض القضايا المهمة ليكشف عنها بشفافيته المعهودة وجرأته المرعبة، ونلاحظ أن اللقاء الأول كان محدداً والثاني كان أوسع وأشمل قليلاً والثالث كان شاملاً للقضايا بعامة ليكشف سموه عن فكر إستراتيجي يرسم ملامح حقبة قادمة للوطن والمواطن، وربما الذي سأركّز عليه هو فكر الأمير محمد بن سلمان في جهوده في تفكيك التوحش والفناء الحضاري التي طرحها مفكرو تنظيم القاعدة في إستراتيجية القاعدة كتاب إدارة التوحش «أبو بكر ناجي»…
صدقاً، لا ينكر العقلاء أن أخطر أزمتين مرَّ بهما العالم في الآونة الأخيرة هما أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما يسمى بالربيع العربي، وكان للتيارات الحركية اليد الطولى في تأزيم العالم وتفتيت الشعور الأممي للإنسانية جمعاء بفرض مزيد من الإرهاب وبناء حواجز حصينة بين الشعوب والسعي للفناء الحضاري وتدمير الحضارات الإنسانية وهدم المتاحف والمكتبات وسرقة الآثار وترويع الآمنين واستباحة سيادة الدول، وكانت التنظيمات قد برمجت الشعوب من خلال خطاب إسلاموي مرعب يقوم على ركيزتين:
أحدهما: التركيز على نصوص النار وجهنم والقبر وصور العذاب وتغييب أحاديث الرحمة والتسامح والجنة والنعيم ليسهل عن طريق التخويف من المآل ولقاء الله جلَّ وعلا لهم استقطاب الشباب بالخلاص والموت والشهادة التي تفتقد لشروطها المعتبرة عند العلماء لمشروعهم الحركي الذي انفجر في وجه العالم فجأة.
والأخرى: تحريم وسائل الترفيه المباح لاستغلال التوتر والتوحش والاضطراب النفسي الذي يعصر الإنسان في برمجته لذلك المشروع، ويلحظ الهجوم الممنهج لكل وسيلة مباحة تدخل السرور على الناس…
ومن ينعم في فكر الأمير محمد الإستراتيجي يجده يفكك هذه الإستراتيجية الحركية بذكاء وطريقة ممنهجة من خلال حشد شرفاء العالم لتجفيف منابع الإرهاب من خلال تحالف إسلامي ابتداءً، ثم تعزيز تلك الطريقة بعلاج صادق لتلك الظاهرة (التوحش) بطرح رؤية 2030 الإستراتيجية فيما بعد، إذ تكاملت فيها الأسس والركائز من حفاظ على الهوية الإسلامية والتاريخ الإسلامي واللغة العربية وإحلال للمنهج الوسطي المتسامح في الخطاب الإسلامي وطرح ما يعزِّز ريادة الإنسان في نصيبه من الحياة الدنيا اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وسلوكاً ومعايشة، ولن ينجح مثل هذا المشروع في إعادة الأنسنة إلا بوضع الحلال والحرام في موضعهما الصراح دون اجتهادات شخصية ووصايات فردية على مجتمع بكامله وإسقاطات غير موضوعية تماماً وتوسع في قواعد معتبرة عند الفقهاء كسد الذرائع ودرء المفسدة مقدَّم على جلب المصلحة وغيرها مما يحتاج إلى ضبط وفهم، وختمها بلقائه الأخير والذي بيَّن أن سموه متحدث بارع وسياسي ناجح واقتصادي مذهل ومفكر إسلامي وخصوصاً أن حديثه قد تهيأت له النفوس بالقبول والاطمئنان بعد تعزيز الرفاهية للمواطن بعودة البدلات وتأكيد الثقة بمشروعنا الوطني لاقتصاد ما بعد النفط والنهضة المستدامة والاستثمار بالإنسان بالاعتماد على الأخلاق والمعرفة والابتكار ونجح سموه في تعزيز إيمان المواطن بجدية الحكومة بتحسين حياته وتوفير احتياجاته ودعم فئات المجتمع المحتاجة بحساب المواطن ومبادرات وزارة الشؤون الاجتماعية ومقررات الضمان الاجتماعي ومشروعات الإسكان والتعليم وغير ذلك من الخدمات التي أثقلت كاهل المواطن السعودي وتحتاج إلى حلول عاجلة…
إن أهم تحد للأمير في هذا الفكر الإستراتيجي هو القدرة على تفكيك التوحش والفناء الحضاري وصياغة خطاب إسلامي معتدل متسامح متعايش دون التفريط بثوابت الوطن والإنسان السعودي والإسراع في علاج يأس الإنسان من الحياة والقنوط من العيش، والقضاء المبرم على الفساد الذي أثقل الاقتصاد بميزانيات مهدرة للموارد البشرية والإنتاجية الاقتصادية وتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين من خلال طرح مشروع موضوعي يتجاوز الشكاوى الكيدية وقضايا الصراع الأيديولوجي التي فتكت بنسيج المجتمع…
إن ما يدل على أن الفكر الإستراتيجي للأمير محمد بن سلمان قابل للتطبيق في مجتمع متجانس تركيزه على ثوابت بلادنا التي قامت على الكتاب والسنة وميزتها تلك الثوابت ولله الحمد بمقومات الريادة وقيادة العالم الإسلامي بما تملكه الدولة من معالم الدين الإسلامي وكانت قيمة عليها منذ نشأتها وكانت محل اهتمام ولاة أمرها منذ التأسيس وجعلتها تلك المكتسبات صامدة أمام المتغيّرات الدولية والإقليمية والتحولات العربية بما لها من بعد روحي عند المسلمين وما لها من بعد إنساني عند العالم، وهذا الشعور القومي كما بيَّن سموه لدى القيادة السعودية جعل المملكة مع قوات التحالف المدعوم بقرارات مجلس الأمن الدولي تلبي نداء الأشقاء في اليمن لنصرة المظلوم والشرعية والأخذ على يد الظالم والدفاع عن النفس وعن المبغي عليه والوقوف بحزم أمام مليشيات الحوثيين الإرهابيين وتهديدهم لحدود بلادنا وللأمن القومي العربي والأمان العالمي، ولم يجامل سموه مشروع ملالي إيران، وانتقد صراحة الدستور الإيراني الذي يستبيح التدخل في الشؤون الداخلية للدول ويقوم بتصدير الثورة وتفكيك النسيج الوطني للدول بطريقة تهدد السلم والسلام في العالم، وكشف عن مخططات الملالي في تخريب العالم العربي عن طريق الدعوة للأيديولوجيا والغيبيات في السراديب ونص على أن أكبر مهدد للأمن القومي العربي أن الملالي في إيران نقلوا معاركهم وعبث وإرهاب ميلشياتهم الحزبية على الأراضي العربية، وكل ذلك يستحضره الفكر الإستراتيجي للأمير محمد بن سلمان وفي الوقت نفسه يستحضر ردع الحوثيين ولكن بأقل الخسائر فبيّن أنه قادر على اجتياح اليمن برياً في أيام ولكن ذلك سيؤدي إلى ضحايا من الأبرياء فاكتفى بما عليه الواقع حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا…
عرضها سموه في صورة لا تقل عن خطورة اختطاف الإسلام من قبل بعض الجماعات المسيسة والمحسوبة على الإسلام ونص على (الإخونجية) الذين هم أصل الإرهاب والجماعات الحزبية المتطرفة التي تسعى لمشروعات تدميرية لاستقرار الشعوب وتفتيت المنطقة والتخابر مع الأشرار في العالم، فالبيعة للولي الفقيه في إيران لا تختلف عن البيعة للمرشد الأعلى في جماعة الإخوان التي عكرت من صفاء العلاقات بين السعودية ومصر في بثها إشاعات وأكاذيب لإفساد تلك العلاقة الأخوية في صورة تؤكد ما يعنيه سموه من خلال التصريح وليس التلميح سعياً للقضاء على مصادر التوحش في المجتمعات وتفكيك نظرية الفناء الحضاري التي قامت عليها إستراتيجية تنظيم القاعدة وما أفرزه التنظيم من أجنحة كداعش وغيرها من جهة ومليشيات الطائفية التي أفرزها نظام الملالي في إيران على السواء…
إن من منحه الله هذه القدرة على صياغة مثل هذا الفكر الإستراتيجي بهذه العبقرية العجيبة قادر أيضاً على علاج كثير من الملفات التي لن تستعصي على سموه وفيها خير كثير لمواطنينا في هذه الدولة المباركة وخصوصاً أن سموه الكريم تحت ظل خادم الحرمين الشريفين الملك العادل سلمان وبالقرب من ولي العهد الإنسان محمد بن نايف -حفظهما الله وحفظ الله سموه- فهما خير معين له على الإنجاز والخلود.. وفق الله سموه وكان في عونه والله من وراء القصد.


2 pings

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com