الصحوة من “الصحوة “


 الصحوة من “الصحوة “


وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.ararnews.com/2698216.html

تحدث الكثيرون في الآونة الأخيرة من محللين سياسيين و كتاب عن أفول نجم “الصحوة” و أنها ذهبت دون رجعة بل منهم من احتفل بإعلان نهايتها، قياساً على ما شهدته المنطقة مؤخراً من ثورات الربيع العربي و ما تلاه من تبعات استدعت تغييرات عاجلة لوقف ما أفرزته هذه الصحوة من أفكار متطرفة جرت الويلات و الدمار على المنطقة و شعوبها، لتؤكد لهم إن “الصحوة “و التي سارت المنطقة والسعودية على وجه الخصوص عبر نفقها المظلم بأنها انهارت و سقطت.

” فالصحوة ” أو ما أفضل أن أسميها “الغفلة ” لم تنتهِ مثل ما توقع الكثيرون، بل تراجعت .. و لكنها لازالت موجودة ،فهي تغلغلت في وجدان المجتمع السعودي لعقود مضت .. وكان من أسباب ترسخها هو طبيعة المجتمع المحافظ المتدين؛ فنحن لازلنا في الأغلب نميل مع كل ما منبعه من الدين ولا زال كل من يتناول الشأن الديني يأسر قلوبنا ..!

فكان ذلك بمثابة أرض خصبة لقادة و رموز “الصحوة ” أن يزرعوا بذرتهم في تلك الحقبة من خلال اختطاف المجتمع السعودي فكرياً، و كذلك تفوقهم في صناعة الجهل الديني الذي أرادوا أن يعم بين أفراد المجتمع ليتمكنوا من جني ثمار ما زرعوه بتأصيل فكر و منهج الصحوة، و الذي أهملوا فيه الثقافة الدينية التي تخص شتى مجالات الحياة و التي تدعو إلى التسامح و التعايش مع العالم بسلام و ركزوا فيه على توجيه المجتمع إلى أربعة محاور دينية من أهمها: عزل المجتمع السعودي عن المحيط الخارجي دينياً و محاربة كل ما هو جديد مما أسهم في تعطيل التنمية في هذه البلاد من باب حفظ المجتمع من ” التغريب ” إضافة إلى التشدد و التطرّف الذي كان له إفرازات: منها نشؤ بعض الجماعات المتطرفة التي لم يسلم من إرهابها و تدميرها هذا الوطن و أفراده، و أيضاً التبعية العاطفية و القدسية التي رسخ لها قادة ” الصحوة “عند من يتبعون لهم في هذا المنهج و التي جعلتهم يَرَوْن قادة “الصحوة” بمثابة رموز دينية من التاريخ الإسلامي.

إلا أن المحور الرئيس و الأهم في منهج الصحويين ألا وهو المرأة و ما أحاط بها من تشدد و حرمانها الكثير من حقوقها الاجتماعية و الثقافية، و تصويرها و كأنها عورة و عزلها اجتماعياً بدون مبرر شرعي، و السبب يعود في توجه قادة الصحوة في ذلك إلى انعكاسات عاشها غالب قادتها في مراحل سابقة تسببت في عُقَدٍ نفسية لديهم تجاه المرأة.

و لكي يعود المجتمع السعودي إلى طبيعته يحتاج إلى عمل جاد و دؤوب في إصلاح كل ما من شأنه أن يسهم في تطهير المجتمع السعودي من الآثار التي ترسبت في أذهان و عقول أفراده عبر ثلاثة عقود مضت، في كلٍ من مجال التعليم و الثقافة و الإعلام و كافة المجالات ذات العلاقة و هو ما تتضح معالمه في توجه الدولة الحالي.

حيث جاء تصريح الأمير محمد بن سلمان التاريخي ليؤكد لنا ذلك، و الذي أعلن فيه عن بداية حقبة جديدة تمثل الصحوة الحقيقية، بالعودة إلى الإسلام الوسطي المعتدل، و الذي يتخذ من التسامح و السلام و التعايش مع العالم الخارجي منهجاً له و ينبذ التبعية و القدسية و التشدد و العزلة التي رسخ لها قادة “الصحوة ” لتحقيق أجندة سياسية و لمصالح دنيوية. معداً بذلك العدة لمستقبل مشرق ينير ظلام عجاف سنوات الجهل، و لينذر «صحويو الغفلة» قائلاً: «لن نضيع القادم من الأيام في التعامل مع أية أفكار متطرفة، سندمرها من الآن، نريد أن نعيش ونتعايش مع العالم بسلام»

و في الختام عوداً على ما بدأت به من أن “الصحوة “موجودة لم تنتهِ ، إلا أنها تلقت صدمة كبيرة بعد موجة الرفض العارمة من غالبية الشعب السعودي أدخلتها في حالة غيبوبة، و هو ما ينذرنا بأننا لم نتعدَ مرحلة الخطر ، لأنها قد تصحو من غيبوبتها يوماً ما و تعود مرة أخرى، لذلك ففي المرحلة القادمة نحن بحاجة إلى توعية و تحصين المجتمع فكرياً و ثقافياً و علمياً ليتمكن من العيش و التعايش مع العالم بسلام بوسطية و اعتدال الإسلام الحقيقي.


1 ping

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com