السعودية ومصر.. تكاتف في مواجهة التحديات وشراكة في صنع المستقبل


"المؤسس" صاغ الرؤية الاستراتيجية للعلاقات.. وولي العهد أكد تجذرها وصلابتها

السعودية ومصر.. تكاتف في مواجهة التحديات وشراكة في صنع المستقبل



إخبارية عرعر - محليات :

تحظى العلاقات بين السعودية ومصر بمعالم مهمة كثيرة؛ أحدها أنها علاقات تاريخية رسمية وشعبية معاً، تستمد قوتها من النمو المطرد لمجالات التعاون والشراكة وأواصر الأخوة على هذين المسارين، وفي كل مراحلها تركّزت العلاقات على تحقيق مصالح البلدين، وسبل تطويرها إلى آفاق أرحب؛ مستفيدة من القناعات المشتركة لدى الطرفين بأهمية تنمية الروابط بينهما، وعدم الوقوف بها عند مستوى محدد.

وبرغم الاتصال الوثيق الذي تتمتع به العلاقة بين السعودية ومصر منذ بداية القرن العشرين مع بدايات تأسيس الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- الدولة السعودية الثالثة؛ فإن العلاقات بين البلدين شهدت محطات مهمة في مسار تشكلها؛ أولها توقيع معاهدة الصداقة بين البلدين عام 1926، وبعد هذه الانطلاقة وقّع الطرفان “اتفاق التعمير” في الرياض عام 1939، واضطلعت مصر بموجبه بتنفيذ بعض المشاريع العمرانية في السعودية.

تقارب وتعاون

واحتضنت السعودية أول قمة بين قيادتيْ الدولتين في يناير 1945، بجبل رضوى في ينبع شمالي غرب المملكة؛ حيث عقد الملك عبدالعزيز والملك فاروق ملك مصر، عدة لقاءات مهمة لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك؛ ومنها: إنشاء الجامعة العربية، وبعدها بعام وفي 7 يناير 1946 زار الملك عبدالعزيز مصر، واستُقبل فيها استقبالاً شعبياً واسعاً، وفي ختام الزيارة التي استمرت 12 يوماً بعث الملك عبدالعزيز رسالة إلى الملك فاروق قال فيها: “لقد تجلت مصر الكريمة المضيافة عظيمة بملكها وقادتها وشعبها، عزيزة بنهضتها، قوية بجيشها، وما جيش مصر إلا جيش العرب، وما كنا لننسى مصر الكريمة وصلاتها بشقيقتها العربية السعودية؛ فكان من حظ البلدين توثيق الروابط بينهما، وتوحيد جهودهما في سياستهما، وإقامة التعاون بينهما على أثبت الدعائم”.

واستمرت العلاقات في التطور، وشهدت مزيداً من التقارب؛ فوقّع البلدان اتفاقية للدفاع المشترك في 27 أكتوبر عام 1955، وعندما تعرضت مصر للعدوان الثلاثي أعلنت السعودية التعبئة العامة لجنودها لمواجهة العدوان الغاشم ضد مصر، وعلى إثره وصلت إلى مصر للخدمة في جيشها مجموعةٌ من الأمراء السعوديين منهم: الأمير فهد بن عبدالعزيز، والأمير سلمان بن عبدالعزيز، والأمير عبدالله الفيصل، والأمير سلطان بن عبدالعزيز، وسميت هذه المجموعة بفرقة المجاهدين السعوديين للدفاع عن الوطن العربي.

ترسيخ ومساندة

ويعود إلى الملك عبدالعزيز الفضلُ في صياغة الرؤية الاستراتيجية لأسس العلاقة بين السعودية ومصر وبقية الدول العربية أيضاً؛ وذلك في مقولته الخالدة: “لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب”؛ تلك الرؤية التي انطلق منها أبناؤه الملوك من بعده في ترسيخ العلاقة مع مصر والمحافظة عليها وتطويرها، والوقوف مع مصر ومساندتها في كل الأحداث التي واجهتها؛ لا سيما بعد نكسة عام 1967 وحرب عام 1973، التي حظرت فيها السعودية تصدير النفط إلى الدول المؤيدة لإسرائيل، إضافة إلى تحمّلها جزءاً من تكاليف السلاح الذي حارب به الجيش المصري.

وتشهد العلاقات السعودية المصرية تعاوناً في مجالات كثيرة ومنها الاقتصاد؛ إذ أعلن البنك المركزي المصري في شهر يونيو (حزيران) الماضي، ارتفاع حجم التبادل التجاري بين السعودية ومصر إلى 2.3 مليار دولار خلال النصف الأول من العام المالي الحالي 2017- 2018؛ موضحاً في الوقت نفسه أن حجم استثمارات السعودية في مصر بلغ 6.1 مليار دولار بنسبة 11% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية، و27% من إجمالي استثمارات الدول العربية في مصر، التي تبلغ 20 مليار دولار.

تبادل الخبرات

ويُعد المجال العسكري، أحدَ أهم مجالات التعاون بين البلدين؛ لا سيما بعد أن أقرّا خطة تدريبات مشتركة للقوات المسلحة المصرية والسعودية لنقل وتبادل الخبرات وتعزيز أوجه التعاون العسكري؛ كالتدريب البحرى المشترك “مرجان”، والتدريب الجوي المشترك “فيصل”، ومشاركة القوات السعودية والمصرية في تدريبات “رعد الشمال”، و”درع الخليج”، و”تحية النسر”، و”النجم الساطع”.

وتشكّل الزيارات المتبادلة بين قيادتيْ البلدين مساراً مهماً من مسارات تقوية وتعميق العلاقات بين مصر والسعودية، وفي السنوات الأخيرة زار الرئيس عبدالفتاح السيسي السعودية عدة مرات في فبراير 2015؛ حيث عقد مباحثات مهمة مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، كما زار الملك سلمان مصر في زيارة رسمية في أبريل عام 2016، بعد أن زارها قبل ذلك بعام في مارس 2015 لحضور القمة العربية في دورتها الـ26.

تنسيق مشترك

وزار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مصر عدة مرات، استهلها بزيارة في منتصف ديسمبر عام 2015 عندما كان ولياً لولي العهد؛ حيث استقبله خلالها الرئيس عبدالفتاح السيسي، وبحث لقاءهما مجلس التنسيق المصري السعودي المشترك، الذي يهدف إلى تعزيز أواصر التعاون والتبادل الاقتصادي بين الدولتين، كما زار الأمير محمد بن سلمان مصر عقب توليه منصب ولاية العهد في مارس 2018 لمدة ثلاثة أيام، وعقد مشاورات مهمة مع الرئيس السيسي.

ويزور ولي العهد، مصر خلال جولته الحالية التي تشمل: (الإمارات، والبحرين، ومصر، والأرجنتين، والجزائر، والأردن، وتونس، وموريتانيا)، وتحتل مصر مكانة مميزة لدى الأمير محمد بن سلمان؛ إذ أكد في لقاء تليفزيوني أن “العلاقة السعودية المصرية علاقة صلبة قوية في أعمق جذور العلاقات بين الدول، ولا تتأثر بأي شكل من الأشكال”، وفي مبادرة مستقبل الاستثمار الذي عُقد في الرياض في أكتوبر الماضي؛ أشاد ولي العهد بنجاحات الاقتصاد المصري؛ موضحاً أن معدل نموه زاد عن 5%، وهو رقم كبير، بجانب انخفاض معدلات البطالة والمشروعات القومية الكبيرة، وكمحصلة لكل ما سبق؛ فإن المتتبع للعلاقات السعودية المصرية يجد أنها اتسمت على الدوام بالتكاتف في مواجهة التحديات، وبالتوازي مع ذلك تأسيس شراكات متطورة لصنع مستقبل أفضل لصالح الشعبين الشقيقين.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com