الواسطة آلية فساد ينتقدها ويمارسها الكثير


الواسطة آلية فساد ينتقدها ويمارسها الكثير


تحاول نورة، التي تخرجت منذ سنوات من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العثور على وظيفة معلمة، ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل، لدرجة قررت أن تنسى هذا الحلم الذي تعبت من أجله سنوات. تقول: “يعلم الله وحده ماذا تعني لي هذه الوظيفة. سترفع من مستوى دخل عائلتي المتدني بسبب الاعتماد على مرتب زوجي القليل. ولكن للأسف كل تعبي ذهب سدى”.

يبدو أن نورة تستحق فعلاً الوظيفة، ولكنها تعاني من مشكلة واحدة، هي انتماؤها لطبقة اجتماعية غير نافذة، جعل فرص توظيفها تقل إلى درجة الصفر، في الوقت الذي توجد زميلة لها تخرجت في ذات العام، والتحقت بوظيفتها على الفور، وفي مدرسة تقع مباشرة أمام بيتها. تقول نورة: “صديقتي التحقت بالوظيفة على الفور، وقد كانت في البداية بعيدةً عن منزلها بالرياض. ولكن عمها القاضي المعروف استطاع أن ينقلها لمدرسة تقع بالضبط أمام منزلها، وتحتاج فقط لخطوات للوصول إليها”. وتضيف: “لا يوجد أحد في عائلتي بمنصب قاضٍ يساعدني حتى في مدرسة تبعد مئات الكيلومترات”.

في الواقع إن نورة، وعلى الرغم من كون الواسطة تسببت بحرمانها من الوظيفة، إلا أنها سعت مع زوجها للوصول إلى واسطة تساعدها أيضاً في تحقيق هدفها. فقد كلّمت الأصدقاء والمعارف من أجل التوسط لها عند شخص نافذ، ولكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، فعلى الرغم من كثرة الوعود، إلا أن أياً منها لم تتحقق. ومارست نورة أيضاً الفساد المالي والإداري بشكل صريح، عندما سمعت عن شخص نافذ في وزارة التربية والتعليم يوفّر لها وظيفة مقابل مبلغ من المال. تشرح نورة: “بالفعل سمعت أن هناك من يضمن حصولي على الوظيفة مقابل ستة آلاف ريال. وقد سمعت أنه نجح في توفير وظائف لغيري. توكلت على الله. وقابله زوجي وأعطاه المال. ولكن بعد ذلك دخلنا في سلسلة طويلة من الوعود التي اكتشفنا بالنهاية أنها بلا آخر. اتضح أنه نصاب استغل ضعفنا، ولم نكن قادرين على مقاضاته، لأننا مشتركون بالفساد معه”.

الآن قررت نورة أن تتفرغ لتربية أولادها الخمسة، بعدما يئست تقريباً من الحصول على هذه الوظيفة التي، بحسب ما تقول، كرهتها لكثرة انتظارها لها. ولكن في الواقع، قصة نورة ليست الوحيدة في السعودية، فهناك الكثير من الخريجات السعوديات العالقات في بيوتهن بدون وظائف، بسبب عدم قدرتهن على اختراق الحواجز الإدارية بواسطة قوية، كما تفعل غيرهن. ففي مناطق مختلفة من السعودية تكررت قصص مشابهة لقصة نورة التي تعكس الأوضاع المتردية..

عالم وظائف النساء الذي انحصر في قطاعات محددة جداً ولا تستطيع أن تحصل عليها إلا من كان “لها ظهر”، كما يقال في السعودية إشارة إلى وجود دعم قوي.

مثل هذا الوضع يخلق حالة من التأزم الحاد، وغياب الإحساس بالعدالة الاجتماعية، الأمر الذي يخلق شعوراً مريراً بالغبن والغضب، في قلب نورة وزميلاتها، على هذه الأوضاع غير المنصفة. تقول نورة: “أي إحساس بالعدالة والأمان يتلاشى مع رؤية ميزان العدالة المقلوب على هذا الشكل. تخيّل أن من يتخرج بعدك يحصل على وظائف في الوقت الذي لا تجدها أنت رغم أحقيتك”.

عالم الواسطة في السعودية بدا في الصعود، لدرجة تحوَّل إلى حقائق ثابتة على أرض الواقع، يعترف بها الجميع، ويمارسها الجميع أيضاً. يقول أحد الكتاب
“الواسطة ليست مشكلة السعودية فقط، ولكن مشكلة كل دول العالم الثالث المصابة بأمراض الفساد المالي والإداري، التي يصعب اقتلاعها. صحيح أن السعودية تعتبر جديدة في هذا المجال، ربما بسبب صغر عمر المجتمع السعودي وحداثته تقريباً، ولكن بمجرد ما قفز عدد السكان وتضخم البلد وتزايدت الاحتياجات بدأ الفساد يضرب أطنابه بشكل واضح”.

ويضيف شارحاً الأسباب: “المجتمعات التي تقوى فيها الروابط الاجتماعية يكثر فيها الفساد. لأن الأخ يريد الوظيفة لأخيه، حتى لو لم يكن مؤهلاً لها، ويحرم منها المستحق. وكذلك الأب يريد ابنته أن تكون المديرة لو استطاع. هذا المنطق هو الذي يجعل الواسطة قويةً ومتغلغلةً وستقوى أكثر، لأن مساعدة أولاد العم، أو الأخوة، هي في السعودية واجب وشرف، حتى لو كان ذلك فساداً علنياً ومدمِّراً”.

ويضيف: “المشكلة أن حتى الذين ينتقدون الفساد يمارسونه. دعني أكون صريحاً معك وأعترف أنني مارسته على مستويات معينة. أحياناً لا تستطيع أن تعيش بدون أن تمارسه قليلاً أو كثيراً”.

في انتظار أن تنتهي هذه المشاكل، يبدو أن نورة ستنتظر طويلاً دورها، أو كما تقول “ربما تجد أحد القضاة أو الوزراء يتوسط لها”.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com