احكام المظاهرات


احكام المظاهرات



إن مما هو مقرر في الشريعة الإسلامية الأمر باجتماع الكلمة وذم كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الاختلاف والفرقة وهو ما قررته آيات كثيرة ، فمن ذلك قوله تعالى : (( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً )) ، وقال ناهياً عن التنازع والاختلاف مخبراً أنه سبب للفشل وعدم النصر على الأعداء : (( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم )) ، وأن ذلك من صفات المنافقين حيث قال ذاماً لهم بسبب تباغضهم وتفرق قلوبهم : (( تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى )) ، وأخبر أن الائتلاف واجتماع الكلمة نعمة تستحق الشكر ولذلك امتن بها على عباده فقال :
(( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم )) ، ولهذا أمر سبحانه بالتعاون على البر والتقوى فقال : (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )) ، ومن أعظم البر السعي في جمع كلمة المسلمين واتفاقهم بكل طريق ، وأن السعي في تفريق كلمة المسلمين من أعظم التعاون على الإثم والعدوان .

وما ذلك إلا لأن مبنى الشريعة وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد ، فكل مسألة خرجت عن المصلحة إلى المفسدة ، وعن الحكمة إلى العبث ، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل .

وتقريراً على ما سبق أقول : إن كل ما يمكن أن يؤدي إلى اختلاف الكلمة وتفرق الصف ليس من الشريعة في شيء ، وإن زعم البعض أن فيه مصلحة ، لكن كل مصلحة مزعومة تهدر في سبيل الاجتماع والائتلاف ، ولهذا نجد النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخِر منهما كائناً من كان )) ، فمع حرمة دم المسلم عند الله عز وجل ، إلا أن قتله يغتفر ما دام أن في ذلك تحقيقاً لمبدأ اجتماع الكلمة واتحاد الصف .
ومما يظهر فيه التفرق والاختلاف والخروج عن هذا المبدأ العظيم ، ما شرعته القوانين الوضعية من جواز المظاهرات ، بدعوى أنها جزء من الحرية التي كفلتها الدساتير لشعوبها .

ولكن المتأمل لواقع هذه المظاهرات يجد أن مفاسدها أكثر مما قد يترتب عليها من مصالح ، ومن هذه المفاسد :

1ـ أنها سبيل لاختلاف القلوب وتصادم النفوس وهو ما يؤدي إلى ما حذرت منه الشريعة من التفرق والاختلاف .

2 ـ أنها سبب للخروج على الحاكم واستهانة بمكانته وزوال هيبته من نفوس الرعية ، ومعلوم أن الشريعة أمرت بطاعة الحاكم مالم يأمر بمعصية ، حتى وإن كان الحاكم ظالماً وفاسقاً وخارجاً عن طريق العدل إلى طريق الجور ، قال صلى الله عليه وسلم : (( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة )) .

3ـ أنها قد تؤدي إلى تصدر أراذل الناس وسقطهم بسبب خداع الجماهير المتظاهرة ببعض الوعود أو معسول القول ، ففي المسند أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( يوشك أن يغلب على الدنيا لكع بن لكع )) ، وفي لفظ : (( لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع )) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدّق فيها الكاذب ويُكذّب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة )) ، قيل : وما الرويبضة ؟ قال : (( الرجل التافه في أمر العامة )) وفي لفظ : (( السفيه يتكلم في أمر العامة )) .

4ـ أنها سبيل لإثارة الفوضى والعبث بممتلكات الناس وتعرضها للنهب والسلب .

5ـ أنها ذريعة لأهل البدع وأصحاب العقائد والأفكار المنحرفة للقيام بها بدعوى الحصول على حقوقهم وأن ذلك من حرية التعبير التي يجب أن تُقر وتحترم .

6ـ أنها سبيل لاختلال الأمن وفساد المعيشة ، وأي لذة في بقية النعم إذا فقد الأمن !

7 ـ ما قد يحصل فيها من قتل إما من طرف المتظاهرين أو من طرف رجال الأمن ، وكلا الطرفين مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن زوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم .

إلى غير ذلك من المفاسد التي يصعب حصرها ، ولذلك فقد ذهب أكابر علمائنا ومشايخنا إلى تحريمها ومنعها .

أسأل الله تعالى أن يحفظ على بلادنا وبلاد المسلمين الأمن واجتماع الكلمة ، إنه سميع مجيب .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

[COLOR=blue]كتبه
د. سعود بن ملوح العنزي[/COLOR]


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com