“السياسة أكبر منك”..!


“السياسة أكبر منك”..!



تحقيقات - إخبارية عرعر:

ألقت الأحداث السياسية المضطربة التي تمر بها العديد من دول العالم العربي بظلالها على حديث العديد من أفراد المجتمع داخل المجالس العامة والخاصة، وفتحت هذه الأحداث المتلاحقة الباب على مصراعيه لظهور من يحاولون الظهور بمظهر المحللين السياسيين، حيث أباح هؤلاء لأنفسهم تحليل العديد من المشاهد والأحداث بشكلٍ يوحي أنَّهم في قلب هذه الأحداث، إلى جانب ظهور من يحاولون الحديث عن بعض الأمور التي تتعلَّق بأمور الدولة، ممَّا جعل السياسة لعبة في أيدي العامة، و”علكاً” تلوكه أفواههم، كما أنَّ هذه الأحداث أفرزت لنا كماً كبيراً من هؤلاء على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع والمنتديات على شبكة “الانترنت”.

وأكَّد مختصون على أنَّ هؤلاء يخوضون في أمور لا علم لهم بها ويثيرون البلبلة ومخالفة الرأي العام وشق عصا الصف، مُشيرين إلى أنَّهم أصحاب عقول خاوية أو مأجورة يجب إيقافها ومحاسبتها، ناصحين من يتحدثون في السياسة بغير علم إلى مراجعة موقفهم، وأن يعلموا أنَّه ليس من المعقول أنَّ كل ما تفعله الدولة لابُدَّ أن يكون بين أيدي الناس؛ ﻷنَّ هناك أمورا تتعامل معها الدولة قد يكون ظاهرها غير صحيح أو غير منطقي للبسطاء من الناس، أو أنَّه ربّما لا يوافق أهواءهم، لكنَّه عند العارفين بالأسباب والنتائج يكون صحيحاً.

عقول خاوية

وأوضح “عبدالرحمن القراش” -عضو برنامج الأمان الأسري الوطني- أنَّه ليس من المعقول أن تكون السياسة “علكاً” تلوكه الأفواه، أو قلماً يخط بيد العامة، أو رأياً تحت طوع كل إنسان، مُضيفاً أنَّها لو كانت كذلك لكان لزاماً على كل واحد من الناس أن يكون أميراً على نفسه وعلى غيره أيضاً، مُشيراً إلى أنَّه من المعلوم منذ زمن النبوة والسياسة وتدبير أمور الأمة لها أناس متخصصون في هذا الجانب، مُبيِّناً أنَّ الخلفاء كانوا يختارون مستشاريهم من أصحاب الرأي، لافتاً إلى أنَّ السياسة لا تُلقى في الأسواق ومجامع العامة.

وبيَّن أنَّ الذين يتخبطون في هذه الأمور ويثيرون البلبلة ومخالفة الرأي العام وشق عصا الصف هم أصحاب عقول خاوية أو مأجورة يجب إيقافها ومحاسبتها، مُشيراً إلى أنَّه من غير اللائق أن يكون لصغار البيت رأي يزعزع كيان الأسرة أو يفشي أسرارها، حيث أنَّه يمكن في هذه الحالة أن يطلع الناس على ما في البيت، لافتاً إلى أنَّ الحكومة لا تُطلع الناس على كل ما تفعل أو تخبرهم بكل ما تريد، كما أنَّ أمور السياسة يجب ألاَّ تكون بأيدي العامة ولا على ألسنتهم.

وحدة الصف

وأضاف “القراش” أنَّ من رام ذلك فقد رام أمراً لا يمكن لأيّ عاقل أن يقوله إطلاقاً، مُتسائلاً : “هل يمكن أن نُطلع العاميّ على أسرار الدولة وملفاتها؟”، ناصحاً من يتحدثون في السياسة بغير علم أن يراجعوا أنفسهم ويعلموا أنَّه ليس من المعقول أنَّ كل ما تفعله الدولة لابُدَّ أن يكون بين أيدي الناس؛ ﻷنَّ هناك أمورا تتعامل معها الدولة قد يكون ظاهرها غير صحيح أو غير منطقي للبسطاء من الناس، أو أنَّه ربّما لا يوافق أهواءهم، لكنَّه عند العارفين بالأسباب والنتائج يكون صحيحاً.

وأكَّد على أنَّ مثل هذه الأمور أمور خاصة بأناس معينين، وليست لكل أحد، وبالتالي فإنَّه من البديهي أن يحترم الناس رأي الدولة في إخفاء بعض الأمور وعدم الخوض فيما لا يعنيهم حفاظاً على وحدة الصف.

فوضى سياسية

وقال “سعود البلوي” –كاتب- : “يمكن القول أنَّ السياسة كالهواء الذي يتنفسه الإنسان وكرغيف الخبز اليومي للمجتمعات، خاصة مجتمعاتنا العربية التي تعج أغلبها بفوضى سياسية وصراعات كبيرة، إلى جانب العديد من قضايا المجتمعات الأساسية ومنها التطرف والإرهاب”، مُضيفاً أنَّ هذا الأمر جعل السياسة محوراً مهماً للمتلقي العربي، مُشيراً إلى أنَّه بعد أن كان هذا المتلقي مجرد متلقٍ أصبح اليوم مشاركاً فيها، بل يمكن وصف الفرد العربي أنه في قلب العاصفة.

وأشار إلى أنَّ ذلك خلق تباينات في الرأي واختلافات وصراعات جديدة قسّمت المجتمعات إلى تكوينات صغيرة لها توجهاتها وانتماءاتها السياسية، موضحاً أنَّ هذا الأمر يقودنا إلى نتيجة مفادها أنَّ السياسة لم تعد أكبر من الجميع، إذ يعيش الجميع في داخلها بشكل يومي؛ وذلك نتيجة التقدم التقني الهائل في مجال وسائل الإعلام والاتصال، مُبيِّناً أنَّ نسبة تأسيس القنوات الفضائية الإخبارية ازدادت مع بدايات العقد الماضي إلى أن أضحت تجارة رائدة.

وأضاف أنَّ الحاجة لوجود محلل سياسي يعلّق ويقرأ الأحداث بشكلٍ مباشر ازدادت بشكلٍ كبير نتيجة وجود هذا الكم الهائل من القنوات التي تغطي مختلف الأحداث في العالم، لافتاً إلى أنَّ هذه الحالة –للأسف- أفرزت وجود من نستطيع تسميتهم أشباه الخبراء السياسيين، موضحاً أنَّه لا يمكن أن نجد في ما يقوله العديد من هؤلاء قراءات متعمقة في السياسة -بغض النظر عن مسألة الاختصاص الأكاديمي-، ومع ذلك نجدهم يُقدمون على أنَّهم خبراء سياسيون.

محلل سياسي

ولفت “البلوي” إلى أنَّ هذا الأمر لا ينفي حق كل متابع ومهتم بالسياسة في أن يبدي رأيه -كرأي-، سواءً من خلال تحقيق صحفي أو مقالة أو وسيلة إعلامية، بيد أنَّ ذلك يجب أن يكون من دون وصف “خبير” أو “محلل”، موضحاً أنَّ بعض من سوقوا لأنفسهم بهذه الطريقة في السنوات الماضية عبر الوسائل الإعلامية العربية لم يكونوا “خبراء” فعلاً، إذ لم يُقدموا شيئاً ذا قيمة، وبالتالي أصبح الأمر لدى المتلقي مملاً وممجوجاً، مؤكِّداً على أنَّ ذلك هو عكس ما يحدث في وسائل الإعلام الغربية التي تحرص على وجود القارئ العميق للحدث بدون تضخيم أو “بهرجة” في الألقاب.

وأوضح أنَّ انتشار وسائل التواصل الاجتماعي منح كل مستخدم القدرة على أن يقرأ الحدث ويعلق عليه دون أن ألقاب وتفخيم، الأمر الذي يجعل السياسة في متناول الجميع من جهة كقراءة للحدث، ولكن من جهة أخرى يجعل دهاليز هذه السياسة وأسرارها غير معروفة سوى للدول القوية وأجهزتها الاستخباراتية، بدليل أنَّ معظم التحليلات السياسية التي كنا نتابعها منذ سنوات ذهبت أدراج الرياح في ظل عالم عاصف بالأحدث والمتغيرات المتسارعة.

متابعة متعمقة

وبيَّن “دحَّام العنزي” -محلل سياسي، وكاتب صحفي- أنَّ التحليل السياسي علم مستقل بحد ذاته، مُشيراً إلى أنََّ المحلل الحقيقي يستطيع استقراء المشهد لفترات طويلة من الزمن بحسب دراسته لمعطياته، موضحاً أنَّ ذلك يتطلب متابعة دقيقة ومتعمقة للمشهد السياسي، وأحيانا علاقات شخصية بالفاعلين في المشهد السياسي وصناع القرار ومعرفة كيف يفكرون، إلى جانب الإلمام بالعلاقات المعقدة بين دول العالم والمصالح التي بناء عليها يتخذ السياسي قراره.

وأشار إلى أنَّ العديد من القنوات التلفزيونية لا تحترم عقل المشاهد في بعض الأحيان، مُضيفاً أنَّ هناك فوضى في المشهد، لكن هذه الفوضى مقصوده ومدروسة من كثير من هذه القنوات نتيجة الرغبة في التسويق لأفكار معينة تخالف الواقع ولا تمت للحقيقة بصلة، مُبيِّناً أنَّ هؤلاء يسبحون في هذه الحالة عكس التيار لأهداف معينة، ولهذا يكون المشهد أشبه بالفوضى؛ لأنَّ كل تقرير أو تحليل سياسي أو لقاء أو برنامج يهدف لمقاصد معينة.

وأكَّد على أنَّ الرهان الحقيقي هو على عقلية المشاهد، موضحاً أنَّ تلك الفوضى لن تستطيع صرف ذهن المشاهد اليقظ الواعي عن واقع الحال، مُشيراً إلى أنَّ هناك دولا متقدمة جداً من الناحيتين التقنية والعسكرية وتدير كثيراً من الشأن العالمي، ومع ذلك فهي تمارس تسطيح العقول على شعوبها، مُستشهداً في هذا الشأن بالولايات المتحدة الأمريكية، لافتاً إلى أنَّ المواطن الأمريكي العادي أو غالبية الشعب لا يرون العالم إلاَّ من خلال ما تقدمه قناة “سي إن إن” أو قناة “فوكس نيوز”.

وأضاف أنَّ الحال نفسه ينطبق أيضاً على المواطن الإنجليزي، مُضيفاً أنَّ العديد من هؤلاء لا يُفرقون كثيراً بين “دبي” ودولة “الكويت” –مثلاً-، كما أنَّهم يعتقد أنَّ مدينة “الدوحة” جزء من “المملكة العربية السعودية”، مُشيراً إلى أنَّ استطلاعاً مرئياً تمَّ بثّه في أحد البرامج التلفزيونية عن الوعي في أمريكا بيَّن أنَّ (80%) ممَّن شملهم الاستطلاع لا يعلمون أين تقع مدينة “اسطنبول”، كما أنَّ غالبيتهم أشاروا إلى أنَّ جمهورية “تونس” تقع بجوار جمهورية “إيران”.

قنوات فضائية

وأوضح “العنزي” أنَّ من الممكن أن يتمّ الحصول على المعلومة المطلوبة من خلال بعض المواقع أو القنوات الفضائية التي اشتهرت بالموضوعية والدقة والمصداقية، مُشيراً إلى أنَّه لا يمكن حصر الحديث في الشأن السياسي على شخصيات معينة، كما أنَّ الحكومات لا تستطيع فرض ذلك على وسائل الإعلام، مُبيِّناً أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي لوحدها تموج ببحر هائج يتعرض للمشهد السياسي بشكل يومي على مدار الساعة.

ولفت إلى أنَّه لا يمكن القول إنَّ هناك صحيفة أو قناة تلفزيونية في العالم تكون محايدة بشكلٍ كامل، كما أنَّه لا يوجد هناك إعلام في أيّ بقعة جغرافية من هذا العالم يتعامل بحيادية تامة مع المشهد السياسي، مؤكداً على أنَّ المشهد هنا مليء بكثير من الفوضى والكذب في كثير من الأحيان، مشيراً إلى أنَّ المجال السياسي الحقيقي يستطيع أن يصنع حرباً حقيقية أو سلاماً حقيقياً في حال امتلاكه الذكاء الكافي والأدوات والرغبة والوقت.

وأكًَّد على أنَّ المشهد المحلي يحتاج إلى مزيد من المحللين السياسيين، موضحاً أنَّ المملكة تحديداً تعاني نقصاً كبيراً في هذا المجال، مُشدداً على أهمية ترشيد المشهد السياسي الحالي وتشجيع الرؤية الوطنية التي تخدم الأهداف العليا للوطن، مُبيِّناً أنَّ ذلك لن يتحقق عبر تقديم المشهد وتحليله بعيون غير سعودية.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com