فضيلة الدكتور سعود ملوح في “خطبة الجمعة” حادثة”الأحساء” نُفذت بأيدٍ غادرة آثمة


فضيلة الدكتور سعود ملوح في “خطبة الجمعة” حادثة”الأحساء” نُفذت بأيدٍ غادرة آثمة



محمد أحمد - إخبارية عرعر:

أشار عضو هيئة التدريس ورئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الحدود الشمالية فضيلة الدكتور سعود ملوح في خطبة الجمعة بجامع الربيش بعرعر إلى حرمة دم ، وأنها من أعظم الموبقات سواء كان المقتول مسلماً أو غير مسلم.

وأضاف؛ ولا يقتصر النهي على قتل المسلم، بل إن النفس المعصومة يحرم الاعتداء عليها حتى ولو كانت كافرة.

الخطبتين كاملة:

أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ت بفعل أوامره واجتناب نهيه، واعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.

أيها المؤمنون: لقد اتفقت الشرائع السماوية على تحريم قتل النفس بغير حق، واعتبرت شريعة الإسلام ذلك جريمة من أعظم الجرائم وموبقة من أعظم الموبقات، سواء كان المقتول مسلماً أو غير مسلم، ويعظم الإثم وتكبر الجريمة إن كان المقتول مسلماً، فقد توعد الله قاتله بالنكال والعذاب الأليم يوم القيامة، وقال عليه الصلاة والسلام: ‹‹اجتنبوا السبع الموبقات››، قالوا: وما هُنَّ يا رسولَ الله؟ قال: الشِّرْكُ بالله والسِّحْرُ وقتلُ النفسِ التي حَرَّمَ الله إلَّا بالحَقِّ وأكلُ الرِّبا وأكلُ مال اليتيم والتولِّي يومَ الزَّحْفِ وقَذْفُ المؤمناتِ الْمُحْصَنَاتِ الغافلات›› أخرجه البخاري ومسلم، فليس هناك ذنب بعد الشرك أعظم من قتل نفس مؤمنة: قال ﷺ: ‹‹أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وقتْلُ النفس، وعقوقُ الوالدين، وقولُ الزور›› أخرجه البخاري ومسلم، وقال ﷺ: ‹‹ إِنَّ مِنْ‏ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ›› أخرجه البخاري، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: ‹‹ لَا يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَاماً›› أخرجه البخاري، فدمُ المسلم عزيز عند الله تعالى، ولهذا حرّم سفكه بغير حق، فقال ﷺ: ‹‹ لَا يَحِلّ دَم اِمْرِئٍ مُسْلِم يَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنِّي رَسُول اللَّه إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث : الثَّيِّب الزَّانِي ، وَالنَّفْس بِالنَّفْسِ ، وَالتَّارِك لِدِينِهِ الْمُفَارِق لِلْجَمَاعَةِ ›› أخرجه البخاري ومسلم، ، وما ذلك ـ عباد الله ـ إلا لأن أمر الدماء عظيم في الإسلام، مهيب عند رب الأنام، ولهذا قال ﷺ: ‹‹ لزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ ›› أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن، ورواه البيهقي والأصبهاني وزاد فيه: ‹‹ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ ، وَأَهْلَ أَرْضِهِ ، اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لأَدْخَلَهُمُ اللَّهُ النَّارَ››، ولخطورة أمر الدماء، نهى النبي ﷺ عن الإشارة إلى المسلم بالسلاح ـ ولو كان حديدة لا تقتل ـ ولو على سبيل المزاح، فقال عليه الصلاة والسلام: ‹‹ مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ ، فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ ، وإِنْ كانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمهِ›› أخرجه مسلم.

ولعظم إثم القتل، أعلن النبي ﷺ حرمته في حجة الوداع، ليكون ذلك معلوماً لكل مسلم لا يُعذر أحد بجهله، فقال عليه الصلاة والسلام: ‹‹فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا .. اللهم هل بلغت، الله فاشهد›› متفق عليه.

ولا يقتصر النهي على قتل المسلم، بل إن النفس المعصومة يحرم الاعتداء عليها حتى ولو كانت كافرة، فها هو عليه الصلاة والسلام يقول إذا أرسل جيشاً لقتال الكفار: ‹‹ انْطَلِقُوا باسْمِ الله ، وَبالله وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله، وَلا تَقْتُلُوا شَيْخاً فَانِياً ، وَلاَ طِفْلاً وَلا صَغيراً ، وَلا امْرَأةً ، وَلا تَغُلُّوا ، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُم ، وَأصْلِحُوا وَأحْسِنُوا إنَّ الله يُحِبُّ المُحْسِنِينَ›› أخرجه أبو داود، فلا يقاتَل ولا يُقتل إلا من قاتل، وقد حرم الإسلام قتل المستأمن والذمي الذي له عهد في الإسلام ، فقد جاءت الشريعة بحفظ ماله ودمه وعرضه ، فدمُ المعاهَدِ الذي له عهدٌ مع المسلمين بعقدِ جزيةٍ ، أو هدنةٍ من سلطانٍ ، أو أمانٍ من مسلمٍ، محفوظٌ ، وقتله مرفوض؛ فعَنْ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏قَالَ : “‏ ‏مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَاماً›› أخرجه البخاري، فجرائم القتل من أسوأ المآثم ، وأشد المغارم ، سواء كانت في حقّ مسلمين أو غير مسلمين ، فهي من الفسادِ ، وإهلاك العباد ، وتعد لحدود الملك التواب.

الخطبة الثانية
أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق التقوى، وعليكم باتباع السنة، وإياكم ومزالق البدعة.
عباد الله: لقد النصوصَ الواضحة البينةَ الجليةَ التي أوردناها في الخطبة الأولى، التي تبين بجلاء لا شك فيه: عِظَم أمر الدماء عند الله تعالى، وأن من تساهل فيها، فقد أورد نفسه المهالك، وتعرض لسخط الله تعالى ومقته.
عباد الله: لقد آلمنا ما حصل من قتلٍ لمواطنين آمنين من أبناء هذه البلاد في محافظة الأحساء، نُفذت بأيدٍ غادرة آثمة، تريد شراً بالإسلام وأهله، وتهدف إلى تفريق كلمة أبناء هذه البلاد، وإذكاء فتنة طائفية؛ لا يقرها شرع ولا عقل، بل هي أمر محرّم، وفعلٌ مجرّم، وتصرف مرذول مقبوح، وعمل إجرامي مفضوح، ليس من شريعة الإسلام في شيء، وإنما يخدم أعداء هذه الأمة وهذه البلاد .

لقد أنكر النبي ﷺ على أسامة رضي الله عنه قتلَه لرجل كافر نطق بلا إله إلا الله حينما رفع أسامة السيفَ فوق رأسه، وحينما أُخبر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك غضب غضباً شديداً وقال قتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله؟! ” قال : يا رسول الله ، إنما قالها تقيَّةً أي : خوفًا من القتل ، قال : ‹‹أشققتَ عن قلبه؟ كيف تصنعُ يا أسامة بلا إله إلا الله إذا جاءت تحاجُّك يوم القيامة؟››، قال رضي الله عنه: فوددتُ أني لم أكن أسلمتُ إلا يومئذ .. الله أكبر ، هذه مكانة النفس في ميزان الإسلام وعلى لسان رسول رب العالمين، وهكذا هو فهمُ الصحابة الأبرارِ ، والسلفِ الأخيار ، لحرمةِ الدماء المعصومةِ ، وحصانةِ الأنفس البريئة، فكيف يفعل أولئك القتلة بدمِ من قتلوهم يوم القيامة ، قال ﷺ: ‹‹يجيء المقتول متعلقاً بالقاتل ، يقول : يا رب سل هذا فيم قتلني››.

عباد الله: إنكم ترون ما يحدث في كثير من البلاد العربية اليوم حين تمكن أعداء الإسلام من تفريق كلمة أبنائها تحت شعارات طائفية أو ذرائع اقتصادية ومعيشية وديموقراطية ، ونحو ذلك ، فدخلت تلك البلاد في أُتون فتن عمياء لا يعرف فيها المقتول لِمَ قتل، ولم يعد بإمكان العقلاء إطفاء نارها، ولا منجي منها إلا الله تعالى.

وإن هناك محاولاتٌ حثيثةٌ، وخططٌ خبيثةٌ، من قِبَل أعداء الداخل والخارج، لإدخال بلدنا السعوديةِ في نار الفتنة والفوضى التي تأكل الأخضر واليابس، ولهذا، فإن عليكم جميعاً المحافظة على أمن بلدكم، وأن تكونوا على يقظة مما يخطط له أعداؤكم تجاهها، ومن ذلك ما قام به مجموعة من المجرمين الذين أصبحوا أداة في أيدي أعداء الأمة، من محاولة إذكاء الفتنة الطائفية من خلال تلك الجريمة النكراء، ولكن بفضل الله تعالى ثم بوعي ويقظة أبناء هذه البلاد سينقلب هؤلاء وأسيادهم خائبين خاسرين منكسرين، وسيبقى ـ بإذن الله تعالى ـ أبناء هذه البلاد متلاحمين متآلفين متعايشين مهما اختلفت مذاهبهم وتنوعت أفكارهم.

إن هذا الحادث الإجرامي إفساد في الأرض، واعتداء آثم، وجريمة بشعة، وبثٌّ للفرقة، وزعزعة للأمن، يستحق مرتكبوه الأشرار أقسى العقوبات الشرعية، لما انطوى عليه من هتك للحرمات المعلومة بالضرورة من هذا الدين؛ ففيه هتكٌ لحرمة النفس المعصومة، وهتكٌ لحرماتِ الأمنِ والاستقرارِ وحياةِ المواطنين الآمنين المطمئنين، وهتكٌ للمصالح العامة، وخروجٌ على ولي الأمر، وما أبشع وأعظمَ جريمةَ من تجرأ على حرماتِ الله وظلمِ عبادهِ وإخافةِ المسلمين، فويل له من عذاب الله ونقمته ومن دعوة تحيط به.

أسأل الله تعالى أن يحفظ لهذه البلاد أمنها واستقرارها، وأن يرد كيد أعدائها، كما أسأله تعالى أن يرحم رجال أمننا الذين قتلوا في مواجهاتهم مع هؤلاء المجرمين، اللهم تقبلهم في الشهداء، واكتبهم مرابطين في سبيلك، ونذكِّر أهلهم بقوله عليه الصلاة والسلام: ‹‹كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلاَّ الَّذِى مَاتَ مُرَابِطًا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْر›› أخرجه الترمذي وصححه الألباني، وقال ﷺ: ‹‹مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللهِ أَجْرَى عَلَيْهِ أَجْرَ عَمَلِهِ الصَّالِحِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ، وَأَجْرَى عَلَيْهِ رِزْقَهُ، وَأَمِنَ مِنَ الْفَتَّانِ، وَبَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آمِنًا مِنَ الْفَزَعِ›› أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني.


1 ping

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com