الدالوة الدم يسيل في عناقيد العنب


الدالوة الدم يسيل في عناقيد العنب


وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.ararnews.com/2611818.html

تأبى أيدي التطرف إلا أن تخلط الدم بأوراق العنب المتدلية في قرية الدالوة , القافزة في ذاكرة الألم والغدر بدون أدنى استئذان.

يد الإرهاب الموغلة في الإجرام لم تفرق بين الطفل ذي الثمان سنوات وبين الرجل الكبير , فكل ماتريده أن توغل في الدم وحسب .
طلاب في المرحلة المتوسطة والثانوية استبيحت دمائهم وقدموا قرابين بين قرني الشيطان بدلاً من العودة إلى مقاعدهم الدراسية .

قرية الدالوة كان مخططاً لها أن تكون بداية الفتنة وفاتحة الخراب ووقود الإرهاب والخطوة الأولى للفوضى , ولكن مشيئة الله ثم يقظة الأمن حولتها إلى حالة من الوطنية المشعة التي وصل إشعاعها الصغير قبل الكبير .
فمن سرعة القبض على المجرمين إلى بيانات الاستنكار والشجب الصادرة من العلماء والمسؤولين والمواطنين أدرك الجميع أن الوطن للجميع ليس عبارة تقال فقط بل تطبيق واقعي .

التحرك الأمني السريع والفعال كان طبيعياً تلقائياً وفي ذات اللحظة قطع الطريق على أي تدخلات كنا سنسمع نشاز أصواتها فيما لو حدث أي تراخي .

وليس دفاعاً عن المجرمين إذا قلت أن كل الاحتمالات ستظل مفتوحة , فالظاهر للعيان أن أفراداً من فئة ما قاموا بالعملية الإجرامية , ولكن من وراء كل ذلك ؟ ومن هو المخطط الرئيسي الذي لم ولن نتمكن من مشاهدته ؟
فقبل ردحاً من الزمن احتمى أفراد من القاعدة بإيران رغم أنهم يكفرونها , وقبل ذلك سمح بشار الأسد للمقاتلين السنة بالاندفاع إلى العراق لمحاربة أمريكا قبل سقوط صدام , وها نحن نرى تعاون الرئيس اليمني السابق مع الحوثيين بعد ست حروب دامية , وهكذا هي الصورة دائماً لا نشاهد إلا نزراُ بسيطاً منها وقد لا ندرك ماهيتها إلا بعد فوات الأوان .
قلت سابقاً أن مشكلة العالم الإسلامي تكمن في الجزء المتطرف من أفراده , سنة وشيعة وحتى غيرهم من العرقيات الأخرى الذين يعيشون داخل العالم الإسلامي , بينما تقف في الوسط الفئات الوسطية أو المعتدلة التي تبحث عن الحياة والعيش المشترك بسلام وتقع ضحية لمحاولات المتطرفين لجرها إلى الصراع الذي يعتقدون أنه حتمي وأنهم أخذوا وكالته من السماء فعينوا أنفسهم أوصياء على الدين والناس ورقاب الناس أيضاً .

وتُدخلنا حادثة الدالوة الإجرامية إلى سجال فكري عن أفضل أسس التعايش هل هي أسس دينية أم فكرية أم وطنية أم سياسية أم عرقية بحتة.

في ليبيا حيث المذهب الواحد في الدين الواحد حدثت المذابح والمآسي والكثير مما لا يمكن وصفه من قتل وانتقام وتدمير للبنى التحتية , في لبنان لم تمنع الدولة (الوطنية) التي أنشئت بعد خروج الاستعمار التفجيرات والاغتيالات والإرهاب من العبث بالوطن , في العراق فشلت العملية السياسية في حفظ تماسك أجزاء الوطن ووحدته بسبب التطرف المذهبي من القيادة نفسها .

وحتى الدول المتطرفة مثل إسرائيل وإيران وسوريا فهي تمارس أقصى مالديها من عنف وقوة وإمكانيات للحفاظ على وضعها الذي قد ينهار في أي لحظة .

التطرف بكتيريا مقيتة تُزرع في جسد الأمة الإسلامية تعمل على بث مشاعر الكراهية وعدم تقبل الأخر والتشكيك الدائم بخطر الأخر على وجودك في الحياة .

إن سلامة التعايش في الوطن الواحد مثل جسم الإنسان الذي يحتاج إلى خليط من الوصفات العلاجية ليبقى سليماً معافى , وكذلك العيش المشترك لا يمكن قصره على أساس واحد بل لابد من وصفة تشمل أسس دينية سياسية فكرية مغلفة برداء الوطنية .
حادثة الدالوة لها مابعدها , حيث أرسل الوطن رسالة لقوى التطرف أنه اختار منذ نشأته العيش بسلام للجميع وأن أي محاولات للتفرقة بين أبنائه هي محاولات فاشلة سلفاً .
ورغم تعالى الأصوات بوقف منهج المناصحة الفكرية بعد ثبوت تورط 13 شخصاً ممن أخرجوا سابقاً , إلا أنه يجب أن لا يلتفت لمثل هذه الأصوات , بل الأمثل أن تستمر المناصحة مع تعديل كبير في وسائلها وطريقتها وسبل المراقبة في حال خروج أي شخص منها .

لقد وفى الوطن بالتزاماته وبقى أن يلتزم الأبناء بحقوق وطنهم فتكون توجهاتهم وأفكارهم متناغمة مع داخل الوطن وليس مع خارجه .

وقد لمست توجهاً لدى البعض في تويتر يحاول فيه أن يستغل الحادثة الإجرامية لفرض مطالب أو إيهام العالم باضطهاد فئة معينة , وهذه محاولات متطرفة لن تقنع أحداً , فالجميع يرى ويشاهد المساواة بين أبناء الوطن الواحد بشكل جلي لا يقبل النقاش .

كما أن تصوير الصراع من أجل العقيدة الإسلامية هو عمل يهدف إلى تجميل قوى التطرف والإجرام , فعقيدتنا الدينية القائمة على مبادئ أهل السنة والجماعة تحتم علينا الالتزام بالقوانين والإجراءات التي تحفظ الأمن وتصون النفس والعرض .

نايف العميم


1 ping

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com