ليلة سقوط الأخضر


ليلة سقوط الأخضر


وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.ararnews.com/2614740.html

(١)
أحب الخليج العربي … غموض وسطوع وبهاء وهيبة … هو خليج العطاء … وأنا مع كل ما يزيد اللحمة والوحدة في الصف والهدف والراية والكلمة، وأعي تماما أن كأس الخليج لم تقم إلا لدعم فكرة الإخاء والوفاء، وضبط معادلة الجغرافيا، والتاريخ؛ لذا فإنها ليست -في علتها أو دافعها الأول- دليل منجز رياضي، وإن كانت تقبل أن تغدو صورة من صور القوة الرياضية، بمثل ما أخالها -بإذن الله- مشهد اكتمال البدر في ليلة قلق الخصوم، وحنقهم، ودلالة أكيدة على الانسجام من الناحيتين السياسية، والاجتماعية، ومع هذا؛ فقد بدت مع هؤلاء الأماجد الأشاوس -بوصفها منافسة كروية- أشبه بالمعجزة!

(٢)
إن خسارة لقب رياضي أو سبق كروي أمر معتاد، وهو أحد احتمالات تطبيق الخطة، ولا مفر من التسليم بأنه من غير الممكن ضمان نيل أو ربح الكل، مقابل أنه من المنهك المهلك أن تخسر كل شيء؛ فمثلا، قد تكون الصورة منطقية أكثر عندما تخسر نهائي كأس آسيا أو الأولمبياد، بشرط أن تكون مثل حال ذلك الطالب الذي لم يُجِدْ حسبة ناتج المسألة النهائي، لكنه اجتهد وأخلص وأبدع في محاولة الفهم الحسابي، وأدرك جل العناصر والعلاقات والمتعلقات والخطوات، وكان تنسيقه، وتدوينه دليل تمهل، وضبط، وإدراك؛ فلن يلومه معلمه أو والداه على هفوة في نفسه رغبة ملحة بتجاوزها، أما عندما تخسر نهائي كأس الخليج العربي على أرضك وبين جمهورك خسارة تجاوزت المعنى الكمي، إلى مرحلة جعلتنا نتهادى عبارات الحسرة، والذل، ونستشعر الحنين إلى أمس مضى متثاقل الخطوات؛ فعذرا يا صديقي !!

(٣)
في وطني … المملكة العربية السعودية … عشرون ألف ألف -ويزيد- ممن شغفتهم أرض الأمن والإيمان حبا !! وأولهم عبد الله بن عبد العزيز الذي ما فتئ يُعمِل الوعد، ويخفف من لهجة الوعيد؛ إمعانًا في أناةٍ، وحُلُمٍ، باقتدارٍ، وبرٍّ.
وكلنا نتمنى تمثيل المنتخب، حتى أنا صاحب المئة كيلو ونيف؛ ولكن صفوة الصفوة، والنخبة المجتباة صنعت القرحة في المعدة بدلاً من صنع الفرحة في القلوب !!!
أليس في أندية تجاوز عددها المئة والخمسين من هم أقدر من هؤلاء على فهم أن الغاية تشريف وطن بذل، وأخلص، واستحق الوفاء؟! ذلك التشريف الذي قد يراه بعضنا مجرد مشاركة حبية بينما هو نيل البطولة بجدارة في أدنى وأبسط معانيه !!!
أليس في هذا الجيل من يقتدي بماجد وبالثنيان وبجميل وبعبد الجواد وبأنور وغيرهم من القمم ذوي الهمم في وعي وفن وخلق ومسؤولية؟! أم غدت الوسيلة والغاية معًا الصور والمانشيتات الصحفية؟!
في بداية النهائي … تساءلت … أين تيسير الجاسم؟! أين يحيى الشهري؟! أين نايف هزازي؟! أين … وأين …
بل أين القائد المحنك وضابط الإيقاع ؟!
بل أين … ظلموك أيها الفتى الشمالي … يا فخر أمك عرعر … وأخشى أن نقول: “أضاعوك وأيُّ فتىً أضاعوا!!” !!!

(٤)
أحبتي للفكر سادته … وللحكمة رجالاتها … وللغباء أهله … وللتهور خاصته !!!
وأنا بوصفي أحد المشجعين الغيورين الملهمين ذوي العاطفة الجياشة والتخمة الشعورية والدهنية معًا … أود منكم أن تنسبوا سيد زمانه لوبيز إلى حزبه، ولكم بالمثل حق تصنيف غيره ممن هم معنيون بالحدث محل التفاوض والنقاش وأنا أولهم !!
لقد تمنى أحد معلقي المباراة أن تكون نهايتها آخر عهد لوبيز مع المنتخب السعودي والحق أن تكون فعلا آخر عهد له ولغيره مع منتخب عانى وعانى وسيبقى يعاني ما داموا موجودين !! ففي ثنايا الألم ثمة قناعة بفقد وعجز وفقر، ما يجعلنا في حاجة إلى خارطة طريق وبصيرة وحياد، وإلا ضاعت كرتنا، وكرامتنا الرياضية !!
وإن كنت ألمح في الأفق بين غصة وغصة يدًا تلوح بما قد يكون إشارة إلى تدخّلٍ في خطة الدرس قد يكون حينًا مستترًا وجوبًا، وحينًا منع من ظهوره الثقل، وأخشى أن يكون في زمنٍ ما سافرًا قبيحًا !!
نحن ننتهج إخضاع المنطق للفحص، ونُقِيْم العشوائية منحىً علميًّا؛ فلله درنا من قوم ذوي شأن في كل شيء، ومن ذلك عالم المستديرة !!
ولعل أسوأ ملامح المدرب ها هنا … أنه يصنع المشكلة … ثم يتذكر منقذه ودامح زلته !!! فتكون “الدخالة” !!! فشكرًا لك… وشكرا لمن أحضرك ودافع عنك … يا سيد لوبيز !!!!

(٥)
إنني قد لا أجد في الدول المجاورة من مظاهر طيش الإعلام الرياضي عندنا ربع ربع سوء الفهم والإدارة والتوظيف لمنابر إعلامية يُتوقع منها أن تكون جهة توعية ومصدر تبصرة ودلالة على مشاركة مجتمعية في الإحساس بالهم وسمو المقاصد … مصادر إعلام يمكن أن تكون محطات وقنوات دعم وتوجيه لجل فعاليات المشاهد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية … ويعجزها نفع الوسط الرياضي الذي هو شاغل عقول وأفئدة الناشئة الذين هم جل الشعب !!!
كل صحفي، وكل مذيع، وكل كاتب، هو صاحب ميول … لا شك في مثل هذا ولا شبهة ولا عيب … لكن أن تسيء للمنتخب عبر ميولك بتوظيفك مقدرات موهبتك ومنصبك وشهرتك لصالح إقناع غيرك بأن فريقك هو رافد المنتخب الحقيقي وأن نجوم ناديك المفضل هم العمدة والأساس والركيزة؛ فقف !!
ومن باب ضرب الأمثلة؛ لتقريب المعنى … أقول … في زمن ما … كان الرائع المبدع … تاج رأس ٩٠٪ من لاعبي هذا الزمان … شايع النفيسة … من سادات المشهد البطولي … لا مشهد الفلاشات … في زمن كان اللاعب يحتضن الطين … ويتحمل الإصابة … ويعي كرامة علم بلاده … علم التوحيد !!
هل تعرفون إلى أي الأندية ينتمي هذا اللاعب ؟!
مدخل للمساعدة … ليس من أندية الشهرة والمال والثرثرة والفلسفة … ولم يشجعه مدمنو تويتر والإنستغرام والفيسبوك !!

(٦)
كنّا في زمن مضى … في فرح، وحبور، وسعادة؛ فأضحينا محل تندر وشفقة ممن كانوا يوما ما لا شيء، لكنهم تميزوا عنا بأنهم عدّوا الصفر هدفًا فحققوه !! ثم تجاوزوه إلى أعلى الرتب، وبقينا نحن في درك !!!
أحبتي … كلنا سعوديون … ونحب وطننا … ولكن !!! ليس من الحق، وليس من العدل، وليس من الدراية والوعي بمكان أن نتوهم أن منتخبنا بطل على الدوام وأننا أسياد الخليج والعرب وآسيا … واسألوا أهل الإحصاء عن الفروق بين الثابت والمتغير لتدركوا بعض بعض ما أعنيه مما هو منافٍ لخيالنا، وكافٍ لاستنطاق حزننا الصادق !!

(٧)
أبارك لمنتخب قطر الشقيق … لا على البطولة؛ فهم أكبر منها ولكن التهنئة المخلصة بعض بعض ثناء على روح وحماسة وإصرار … وتحية ود إلى الدوحة … وإلى كل قطري.
وأقول أيضًا … أنعم وأكرم بالرقي في الفكر من حيث الدراية وقوة الإرادة وجودة الإدارة … وبالتشجيع الذي يبدأ باحترام المنافس وإدراك حقيقة الذات … وبالكاريزما الدالة على الفهم وضبط السلوك … مهما كانت جنسية المشجع أو الإعلامي أو اللاعب أو المسؤول !!

(٨)
عفوًا يا سادة !! لم انتهِ … سؤال أخير …
هل المنتخب السعودي منتخب فعلا؟!
من هم الذين لهم حق الانتخاب؟!
أنا … لم أختر، ولم أرفض، ولن أصمت!!
ولي الأمر لم يقصر، ولكن … لو صُرِفَ قليلٌ ممّا يُصْرَف عندنا على منتخبات معينة … لتجاوز واحدها كأس العالم، وحقق بطولة مجرة درب التبانة !!!
لنصلح أحوال متعلقات المشهد الرياضي من أندية واقتصاد وإعلام وفكر وتحكيم وتشجيع؛ فربما تتغير حال الأسى !!
لنحتسب ونجتهد ،،،
عجبي !!!

د. هلال بن مزعل


1 ping

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com