“وسائل التواصل الاجتماعي”.. علاقاتنا الأُسرية في خطر!


“وسائل التواصل الاجتماعي”.. علاقاتنا الأُسرية في خطر!



تحقيقات - إخبارية عرعر:

أكَّد مختصون أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي أثَّرت بشكلٍ سلبي في التواصل الأسري والاجتماعي وعلى العلاقات الإنسانية، إلى جانب تأثيرها في مهارات التواصل الاجتماعي المباشر لدى كثير من أفراد المجتمع، موضحين أنَّ بعض الدراسات أشارت إلى أنَّ الاستغراق في استخدام هذه الوسائل يُضعف العلاقات الاجتماعية ويُقلل من التفاعل الاجتماعي في محيط الأسرة، وذلك من خلال قلة الزيارات واللقاءات العائلية، مُشيرين إلى أنَّها تزيد أيضاً من الاغتراب النفسي بين الشباب ومجتمعهم، إلى جانب تأثيرها سلباً في مهارات التواصل الاجتماعي، ما قد يُسبّب عزله اجتماعية، وكذلك سماحها باستيراد نماذج من السلوك لا تتفق مع ثقافة المجتمع الدينية والاجتماعية، حيث فسحت المجال لبناء علاقات بين الجنسين بما يتعارض مع قيم المجتمع ومعاييره.

تطوّر محايد

وقال د. عادل المكينزي أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود: “إنَّ وسائل التواصل الاجتماعي مؤشر للتطورات الطبيعية للواقع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي”، مُضيفاً أنَّ المشكلة لا تنحصر في التطور الحاصل في هذه الوسائل أينما كانت، وذلك عندما ظهرت “السينما” والتلفزيون والإذاعة واختتمت بثورة “الإنترنت” وما احدثته، إلى جانب تطور تطبيقات التواصل الاجتماعي، مُبيّناً أنَّ هذا يُعدّ تطورا تقنيا محايدا.

وأضاف أنَّ المشكلة تكمن في كيفية تعامل الأفراد مع هذه التقنيات المتوافرة، موضحاً أنَّ البشر ليسوا سواء في الإدراك والمستويات الاجتماعية والثقافية، مُشيراً إلى أنَّ هناك ما يسمى بالفروق الاجتماعية والفردية، مُبيِّناً أنَّ هذه الفروقات ذات تأثير في الإعلام الاجتماعي، لذلك توجد السلبيات والايجابيات في هذا المجال، لافتاً إلى أنَّ الإدمان على هذه البرامج والوسائل من أهم السلبيات، مؤكّداً أنَّ الوقت الذي وفرته التقنية لنا كان من المفترض أن يستثمر في مزيد من الاستثمار في العلاقات الاجتماعية.

حارس البوابة

وأشار د. المكينزي إلى أنَّ التقنية الحديثة اختطفت هذا الوقت من واقعنا الأسري والاجتماعي والعلاقات الإنسانية من أجل أن يذهب إلى هذه الوسائل، وبالتالي ضعفت العلاقات الاجتماعية والأسرية بشكل عام، كما ضعفت معها مهارات التواصل الاجتماعي المباشر عند كثير من الناس نتيجة للإشباعات التى تحققها هذه الوسائل، موضحاً أنَّ هذه هي إحدى الإشكالات التى تواجه المجتمعات بشكل عام في التعاطي، مُبيِّناً أنَّ هذه الوسائل أسقطت نظرية حارس البوابة.

وبيَّن أنَّ وسائل الإعلام التقليدية في السابق كانت تسمح بمرور أو منع المعلومات التى قد تؤدي للعنف أو الجريمة المنافية للأخلاق، إلى جانب وجود نوع من الرقابة والتحكم إلى حدٍ ما، وهذا أمر إيجابي، أمَّا الآن فقد انفتحت وسائل التواصل الاجتماعي وأصبحت بلا رقيب، مُشيراً إلى أنَّه ربَّما كان مع الفروق الفردية استدراج للعنف والجوانب غير الأخلاقية بفعل طبيعة المرحلة العمرية التي يكثر فيها القبول وعدم الوعي الكافي بمخاطرها.

تفكك أسري

وأوضح أنَّ هذه هي إحدى المنافذ والثغرات التى قد تؤدي بها وسائل التواصل المختلفة، لافتاً إلى أنَّ علماء الاجتماع ومن خلال بعض الوقائع أثبتوا حالات حدوث تفكك أسري وبعض حالات الطلاق بفعل انفتاح هذه الوسائل وعدم نضج بعض المتعاملين معها أو عدم وجود توازن أو غياب ضمير وعدم وجود الرقيب، وبالتالي أصبحت هذه الوسائل منفذاً للمجرمين والإرهابيين وتسمح باستدراج بعض أفراد المجتمع.

وأكَّد أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي تُعدُّ من أبرز الوسائل التي يستخدمها المجرمون في هذا المجال، مُضيفاً أنَّنا لا نستطيع أن نصدر حكما واحدا على أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي جيدة أو غير جيدة، حيث الأمر يختلف من مجتمع إلى آخر، وبالتالي فإنَّنا نحكم من خلال طريقة تعامل أفراد المجتمعات، داعياً مؤسسات المجتمع المدني إلى أن يكون لها دور في التوازن في هذا الجانب، إلى جانب قراءة هذا الواقع وإعطاء التنبيهات المطلوبة.

ولفت إلى أنَّه لابُدَّ من الأخذ في الحسبان أنَّنا لا نريد أن نمنع هذه الحرية، وهي حرية الإنسان أمام فضاء منفتح، بيد أنَّ المشكلة تكمن في أنَّ هذه الوسائل مفتوحة على مصارعيها ولا أحد يريد العنف والانحلال الأخلاقي، مُشدّداً على أهمية تعامل كل مجتمع مع هذه الوسائل تبعاً لغاياته وأهدافه؛ لكي يستطيع أن يُكيّف هذه الوسائل تبعاً لأهدافه.

تبادل الخبرات

وأوضح د. عبدالله الشعلان أستاذ علم الاجتماع والجريمة المساعد، ورئيس قسم العلوم الاجتماعية بكلية الملك فهد الأمنية أنَّ التكنولوجيا الرقمية تسلَّلت إلى نسق التفاعل الاجتماعي مفسحةً المجال إلى ظهور أنماط جديدة من العلاقات الاجتماعية تتسم بالتلقائية والسطحية والاتساع والتنوع، مُضيفاً أنَّه اصطلح على تسمية هذا الاندماج بين التكنولوجيا والعلاقات الاجتماعية بوسائل التواصل الاجتماعي.

وأشار إلى أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت التواصل بين الأفراد لتشكيل العلاقات وتبادل الخبرات والاهتمامات، وذلك من خلال الرسائل والملفات والصور في بيئة افتراضية، مُضيفاً أنَّ هذه الوسائل أصبحت جزءًا من حياتنا الاجتماعية، حيث تغلغلت في نسيجنا الاجتماعي وبتنا نعتمد عليها في جميع أوجه أنشطتنا الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية، إلاَّ أنَّها تركت آثاراً سلبية في العلاقات الاجتماعية ومستوى التفاعل الاجتماعي.

عزلة اجتماعية

وبيَّن د. الشعلان أنَّ بعض الدراسات أشارت إلى أنَّ الاستغراق في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يُضعف العلاقات الاجتماعية ويُقلل من التفاعل الاجتماعي في محيط الأسرة، وذلك من خلال قلة الزيارات واللقاءات العائلية، موضحاً أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي تزيد أيضاً من الاغتراب النفسي بين الشباب ومجتمعهم، مُشيراً إلى أنَّ بعض الدراسات أشارت أيضاً إلى أنَّ الإدمان على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يُضعف مهارات التواصل الاجتماعي، ما قد يُسبّب عزله اجتماعية.

وأكَّد أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي سمحت باستيراد نماذج من السلوك لا تتفق مع ثقافة المجتمع الدينية والاجتماعية، حيث فسحت المجال لبناء علاقات بين الجنسين بما يتعارض مع قيم ومعايير المجتمع، مُضيفاً أنَّ إحدى الدراسات الخليجية أشارت إلى أنَّ حوالي (39%) من عينة الدراسة تحدوا آليات الضبط الاجتماعي الأسري وعقدوا لقاءات مباشرة مع من تعرفوا إليهم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، غير مبالين بالعواقب المترتبة على مثل هذه اللقاءات المحظورة اجتماعياً.

أُطر مرجعية

ولفت إلى أنَّ من أبرز الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي، ما أنتجته هذه الوسائل من تعددية في الأطر المرجعية للسلوك، هذه الأطر التي يحكم بها الفرد على سلوكه بالقبول أو ضده، فمن أحادية الإطار – الأسرة والمجتمع المحلي – إلى تعددية الأطر – العالمية – ونتيجة لذلك لم يعد معيار القبول والرفض والخطأ والصح للسلوك واضح لدى الشباب، حيث قد يقوم شاب بسلوك يستهجن من قبل مجتمعه المحلي، إلاَّ أنَّه يلقى له صدى وقبولا وتأييدا لدى أطر أو مرجعية أخرى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

وتساءل: “أيّ إطار أو مرجعية للسلوك سيتخذه الشاب هنا؟”، موضحاً أنَّ هذا يُفسر لنا جزئياً أسباب خروج بعض الأفراد على القيم ومعايير المجتمع، مُضيفاً أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي فتحت نوافذ كثيرة على المجتمعات والثقافات المختلفة نتج عنها آثار ايجابية، ومنها الانفتاح الفكري والثقافي، وتطوير المعرفة والبحث العلمي، كما أنَّها تحقق احتياجات متعددة لمستخدميها من الناحية الوجدانية والمعرفية والتكامل النفسي والاجتماعي.

أمن فكري

وأضاف د. الشعلان أنَّه يمكن أن يستفاد من وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز الأمن الفكري للمجتمع، وذلك من خلال ما تتميز به هذه الوسائل من خصائص، ومنها: التفاعلية والتزامن والانتقائية والانفتاحية، مُضيفاً: “من خلال ما تتمتع به هذه الوسائل يمكن تشكيل أفكار وقواعد ومبادئ وقيم معتدلة تساعد على تقوية الأمن الفكري وتعزيزه لدى الشباب”، مُشيراً إلى أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تساعد على ضبط الظواهر السلبية في المجتمع، إلى جانب تصحيح المفاهيم الخاطئة، وكذلك التصدي للفكر المتطرف، وذلك إذا استخدمت بالشكل الصحيح.

قوانين إلكترونية

وأكَّد د. ناصر العريفي رئيس الدراسات الأكاديمية بكلية الملك فهد الأمنية أنَّ من المستجدات في مجتمعنا الحديث ظهور وسائل التواصل الاجتماعي ووجودها من خلال الشبكة العنكبوتية، مُضيفاً أنَّ لها كثيرا من الايجابيات، كما أنَّها تتعدى قدراتنا على فهم هذه الوسائل ومدى قدرتها على التواصل مع الآخرين، مُشيراً إلى أنَّ من أبرز سلبياتها أنَّ تواصلنا مع الأهل والأصدقاء والأقارب أصبح عن طريقها من دون الرجوع للتواصل المباشر الذي اعتدنا عليه.

وأشار إلى أنَّ هذه السلبيات تبقى بسيطة بالمقارنة مع سلبيات أخرى تحدث في مجتمعنا، ومن ذلك: نشر الشائعات الكاذبة أو الهجوم على الآخرين أو نشر الصور واستخدامها في الابتزاز، وبالتالي ظهرت القوانين الإلكترونية التى تُجرِّم هذا النوع من الجرائم، إلى جانب الحد منها، موضحاً أنَّ هناك عقوبات متعددة تُطبَّق بحق المتجاوزين، مُبيّناً أنَّ “هيئة الاتصالات” تعمل على توضيح هذه العقوبات عن طريق إرسال الرسائل النصية للمواطنين. وأضاف أنَّ “هيئة الاتصالات” تسعى من وراء هذا الاجراء إلى التعريف بهذه الجرائم التى حددها نظام الإجراءات الجزائية في “وزارة العدل” وجاري العمل بها، موضحاً أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي فتحت لنا آفاقا إيجابية وقدرات كبيرة للتعامل مع الشعوب الأخرى، حيث هناك من تشبَّع من ثقافة بعض المجتمعات نتيجة هذا النوع من التواصل في حياتنا اليومية، مُشيراً إلى أنَّه أصبح لدى أطفالنا وعي فكري عال في استخدام التقنية الحديثة، حيث إنَّنا قد نجهل بعض هذه الاستخدامات.

وشدَّد على أهمية توعية الأطفال في هذا الجانب فيما يتعلَّق بكيفية استخدام هذه الوسائل، إلى جانب تحذيرهم بسلبياتها؛ لكي لا يقع شبابنا وفتياتنا ضحيةً لهذه الوسائل، وذلك عن طريق التشهير والابتزاز، مؤكداً أنَّنا فقدنا الخصوصية في هذا الجانب، إلى جانب وجود من أصبح يعيش حالة من التوتر نتيجة غياب هذه الخصوصية.


1 ping

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com