رمضان … مصارحة النفس وتسامحها


رمضان … مصارحة النفس وتسامحها


وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.ararnews.com/2632917.html

سبحانَ مَنْ شرعَ المواسمَ، والقُرباتِ، والطَّاعاتِ، والحمدُ لمنْ لَهُ الأمرُ، والنَّهيُ، مَنْ يبتلي عبادَهُ بالأزماتِ، والكُرُباتِ، والفضلُ، والمِنَّةُ لمَنْ أقامَ للبَشرِ دساتيرَ الصَّلاحِ، والأمنِ، والمَحَبَّةِ فيه، المهيمنِ، العزيزِ، الغفورِ، الرَّحْمَنِ، الرَّحيمِ، ذي الجبروتِ، لَهُ خضعَتِ الأفئدةُ، وركعتِ المفاصِلُ، والأعضاءُ، وسجدتْ، والثَّناءُ علىَ المصوِّرِ، الجَبَّارِ، المتكبِّرِ، نسألُهُ عِزَّةَ الموحِّدين الحامدين، ونستلهمُ مِنْ توفيقِهِ الثَّباتَ، والعُلُوَّ، والظَّفر.

ها هو رمضان قد أتي ضيفًا كريمًا، له في النُّفوسِ المهابةُ، والإجلالُ، جَاءَ؛ لتكونَ الدُّروسُ الرَّبانيَّةُ، والمواعظُ السَّاميةُ، ولتكونَ معاودةُ البذلِ؛ لتهذيبٍ، وتربيةٍ، لهذه النّفوسِ اللَّوامةِ، الَّتي هي بين جزعٍ، ومنعٍ، وهلعٍ؛ لتكون النَّواتجُ المحمودةُ، بِإِذْنِ اللهِ، منعةً، ورفعةً، ونافعَ إرادةٍ، وإدارةٍ، للمنى، والغايات.

جاءُ رمضانُ، شهرُ الهديِ، والرحمةِ، والمغفرةِ، والعتقِ من النِّيرانِ، أحدَ الفرصِ العظيمةِ؛ لإعادةِ ضبطِ الصِّراع بين نقيضي نفسٍ سَوَّاهَا بارئها، وصوّرها، وألهمَها فجورَها، وتقواها، وهو مناسبةٌ؛ لقيادةِ العلاقةِ بين شهوةٍ، وغفلةٍ جارّتينِ إلى ندامةٍ وخسرانٍ، يقابلُهُما خيريَّةٌ، وانضباطٌ، مؤدِّيانِ، بتوفيقِ اللهِ، إلى تحسينِ الأخلاقِ، وتحصينِ الأعماقِ؛ لتكونُ السَّيطرةُ، والنَّهْيُ، والإغلاقُ لغاتِ حصانةٍ، وامتناعٍ إيجابيٍّ تجعل المرءَ أقدرَ على تنحيةِ وزرٍ، وزورٍ، وإعمال فضائلِ الخصائلِ، وكريمِ الشَّمائلِ.

ونحن أحبَّتِي، أجسادٌ منهكَةٌ، وعقولٌ حائرةٌ، ومشاعرُ مضطربةٌ، وآمالٌ، وآلامٌ، ما بين نعتٍ بالتَّضادِّ، ووصفٍ بالكسادِ، أو الفسادِ، وقد شغلتنا أهواءُ الدُّنيا الفانيةُ، بزيفٍ، ووهمٍ، وزخارفَ، وتعميةٍ، وألهتنا شهوةُ المرابحِ، ولذَّةُ المدائحِ، عن رفْع قيمِ أرصدةٍ هي سبيلُ النَّجاةِ، والنَّيلِ من الخيرِ، وكسبِ الرِّضوانِ، ودخولِ الجِنانِ، حتَّى صيَّرَنا حبُّ البقاءِ المقترنِ بالشَّقاء، المجافي معاني البصيرةِ، والفَهْمِ، والنَّقاءِ، أعجازَ نخلٍ خاويةٍ.

جَاءَ رمضانُ، شرفةً يطلُّ منها الضَّوءُ، وقد غزا اللَّيلُ البهيمُ بحالكِ سوادِهِ، ووحشةِ مدِّهِ، ومدادِهِ، وامتدادِهِ، بياضَ الصُّدُورِ، وصفاءَ الأفئدةِ، وطُهْرَ الخلجاتِ، وقد ألفينا الحياةَ دسائسَ، ووساوسَ، ونزواتٍ، نغترفُ من كدرِها، ونشربُ من آسنِها، ونتورَّعُ عن سالمِها، وطِيْبِ مغانِمِها، وجلُّ هذا، بل كُلُّهُ سيلُ ضلالاتٍ آثرْنا بإهمالِ غيرِها، إعمالَها.

جاءُ رمضانُ، بعونِ الهادي، زمنَ إدراكٍ، وقدرةٍ على مراجعةٍ دقيقةٍ، ومحاسبةٍ حانيةٍ، وكأنَّهُ صحوةُ من أطالَ السُّباتَ، وأبدعَ اللَّهْوَ، والسَّهْوَ، واستمطرَ الشَّاذَّ من الفكرةِ، والرَّأيِ؛ فاستنطقَ الفسوقَ، والعصيانَ، والفتنَ، حتَّى رانَ على قلوبِ العصاةِ ما كانوا يكسبون.

أحبتي، كم ْنحنُ في حاجةٍ إلى تجديدِ ثقتِنا الله، وتمتينِ موثقِنا مَعَهُ، وتقويةِ صلاتِنا، وروابطِنا بِهِ، وكمْ نَحْنُ منهكو الضَّمائرِ، خائرو القُوى، تمكَّنتْ منَّا عواطفُ الخوفِ، والقلقِ، والانهزامِ، والضَّعْفِ، واليأسِ، وكمْ نَحْنُ فقراءُ إلى ما عِنْدَ اللهِ من المغفرةِ، وتكفيرِ الذُّنوبِ، والرَّحمةِ، وسَتْرِ العيوبِ، والمثوبةِ، وإصلاحِ القلوبِ.
قِفُوا مع أنفسكم، وتأمَّلوا نعيمَ اللهِ العظيمِ المقيمِ؛ فهذا قلبٌ يخفقُ، وينبضُ، وتلكما عينانِ تريانِ، وأذنُكُ أيُّها العُبْدُ تسمعُ، ويداكَ تبطشانِ، وتطيشانِ، وغيرُ هذا مِنَ النَّعماءِ، والتَّوسعةِ، في جسدِكَ الطَرِيَّ المُنعَّمِ، وفي غيرِهِ كثيرٌ كثيرٌ، مع هدوءٍ، واستقرارٍ، وأمنٍ، واطمئنانٍ، وسلامةٍ في الأبدانِ، والأوطانِ؛فلك الحمْدُ ربِّي.

أحبَّةَ الحَقِّ، والخيرِ! لتكنِ الهِمَّةُ الوقَّادةُ، والعزيمةُ الصَّادقةُ عونًا مِنَ الباري على حمدِ اللهِ المعطي، المتفضِّلِ، المنَّانِ، وشُكْرِهِ، والثَّناءِ عَلَيْهِ، ومعاهدتِهِ على إخلاصِ العبادةِ؛ إسلامًا، وإيمانًا، وإحسانًا، في كلِّ جارحةٍ بها روحٌ، وفي كلِّ خاطرٍ يغدو، ويروحُ.

اقطعوا الخُصُوماتِ، وادحروا شياطينَ الإنسِ، والجِنِّ، متناسِيْنَ أسبابَ العداوةِ، والكراهيةِ، واعتبروا من نواتجِ الهجرِ، والمفارقةِ، والقطيعةِ؛ فالعدُوُّ، والسَّفِيْهُ، والحاقِدُ، والنَّاقمُ، والصَّغِيْرُ، والآفةُ، والأفَّاكُ، والتَّافِهُ، هم، ومعهم أعوانُهُمْ من جنودِ إبليسَ، من توقظُ آثارُ البغضاءِ، والشَّحناءِ مباهِجَهُمْ، وأساريرَهُمْ.
ابدؤوا بأمَّهاتِكم، ثمّ آبائِكم، ثمَّ أَهْلِ بيتِكم من زوجٍ، وذُرِيَّةٍ ترجون صلاحَها، مِنْ بنينَ، وبناتٍ، ثمَّ ليكُنْ من مساحاتِ تسامحِكم، وأمداءِ بِرِّكم، وفضاءاتِ إخائِكم نصيبٌ للأقاربِ، والأرحامِ، والأصحابِ، والأصدقاءِ، والجيرانِ، والزملاءِ، ولا تنسَوا خدمَكم؛ فليكُنْ لهم قسمةٌ من فضلٍ؛ اقتداءً بحبيبِنا، وقرَّةِ أعينِنا محمَّدٍ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وسلَّمَ.

انسلخوا ممَّا مَضَى مِنَ الهَمِّ، والتَّقتيرِ، والعطشِ، والذُّبولِ، بابتسامةٍ، وتحابٍّ في الله، وتقديرٍ، وألفةٍ، وتوقيرٍ، وثقوا باللهِ، وأحسنوا الظَّنَّ بالخالقِِ، العليمِ، الحكيمِ، وسلِّمُوا برحمتِهِ، ومغفرتِهِ، ونصرتِهِ، وجودِهِ، وتمكينِهِ، ومثوبتِهِ، والتمسوا عينَ اليقينِ رتبةً مهيبةً، ودرجةً عليا، من الإقرارِ المريحِ، الصريحِ، الفصيحِ بقدرتِهِ، ومُلْكِهِ، وجبروتِهِ، دون غيره تعالىّ، وجلّ، وتباركَ، وتقدَّسَ؛ فهو المالكُ المدبِّرُ أمْرَ ما أنتم خاضعونَ لإرادتِهِ فيهِ من مغانمَ، وهباتٍ، كانَ لها سعْيٌ، وبذْلٌ، وكدٌّ.
عفُّوا، وتعفََّفوا، وجِدُّوا، واجتهدوا، وألجموا الهوى، والشَّكَّ، والغيَّ بلجامِ المثابرةِ، وأطعموا الفقيرَ، والسَّائلَ، والمسكينَ، وهُبُّوا إلى مولاكم بالدُّعاءِ، وبالتَّضرُّعِ، وبالانكسارِ، وبالتَّذلُّلِ، وسلِّموا بإجابتِهِ؛ رحمةً، وكرمًا؛ فهو الأدرى بالنَّفْعِ، والضُّرِّ، ولتُرَبُّوا قلوبَكم، وعقولَكم، قَبْلَ أجسادِكم على الصَّبْرِ، والتَّحمُّلِ، وهجْرِ مغرياتِ الأمورِ، وسفاسفِها، وصغائرِها، قَبْلَ كبائرِها؛ تمحيصًا، وتحصينًا.

غفرَ الله لنا، ولكم كلَّ هفوةٍ، وكلَّ جفوةٍ، وجعلنا تبارك، وتعالى من أَهْلِ الحظوةِ، والتَّمكينِ، بهديٍ، وسؤددٍ، ومغفرةٍ، وفقهٍ، وسلطانٍ، وكتبَ لأمَّةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وسلَّمَ الزُّهْدَ في الملذَّةِ، والصَّبْرَ على الطَّاعةِ.


2 pings

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com