معايده بحروف الواتساب


معايده بحروف الواتساب


وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.ararnews.com/2660521.html

منذ منتصف شهر رمضان المبارك وقبله بقليل وهاجس التجهيز للعيد يؤرق بال كل أم وأنثى فبين عشرات الزيارات للتسوق ومئات المرات للتبديل والتغيير حتى آخر ليلة من ليالي الشهر الفضيل تكون حواء مع مرافقها في لهاث وتسابق مع الوقت في زحمة الشوارع وضوضاء الأسواق .
فبين زحام وضجيج وبريق أضواء السلع تثبت المرأة قوة خارقة في التحمل في سبيل الفوز بما تريده, فهي تتحمل وهن الحمل وألم المخاض وتكرره ربما سنويا بسعادة لتثبت للآخرين أنوثتها وترضي فطرة الأمومة داخلها ففي رمضان تنام بعدطلوع الشمس، وتقضي وقتاً شاقا في إعداد وجبة الإفطار والسحور وتتعبد وتتابع شؤون البيت والأطفال وما تعرضه وسائل الإعلام وما يصلها من خلال وسائل التواصل؛ثم تنطلق بعد ذلك لتلف ردهات السوق دون كلل أو ملل تنوي الذهاب لمحل تجاري واحد بغرض شراء غرض محدد فتأخذ جولة كاملة على جميع المحلات وكأنها تبحث عن ضآلة لها .
وقبيل فجر العيدالسعيد بساعات يقفز إلى ذهنها عشرات الأشياء التي تنقصها فتفسد فرحتها وتنغص سعادة يومها وتبدأ بإعداد العدة لكسب جولة إقناع الزوج المغلوب على أمره في إيصالها إلى السوق لتكمل التسوق فنشوتها كبيرة بالحصول على الموافقة الميمونة لتشق الصفوف متحدية الزحام متحملة الجوع والعطش والحر متناسية الوقت وألم قدميها فسعادة التسوق لديهاتنسيها الألم. لتتبقى سويعات قليلة ويعلن العيد قدومه ويبدأ ضجيج البحث عن المفقودات داخل المنزل فالبعض يبحث عن فردات حذائه والآخر عن شماغه الذي نسي أنه لازال في المغسلة , والأم كعقارب الساعة لا تكف عن الدوران وينتهي مهرجان الملابس وتنظر الأم إلى صغيرتها بأبهى حلة وتتنهد قائلة بحسرة :ليتني اخترت اللون الآخر بدلا من هذا اللون يا صغيرتي والطفلة تتسأل ببراءة متى العيد ؟هل هذا العيد ؟
ويدخل الأب من صلاة العيد شاحب الوجه من أثر السهر وتركض طفلته الصغيرة نحوه لاحتضانه ويقبلها بعد أن تفحص يديها الصغيرة خشية على ثوبه الأبيض من الاتساخ بعدها يتوافد الأبناء لمعايدة الأب وتهنئته والفوز بالعيدية التي غالبا ما تتوافق مع الحالة المزاجية والمادية للأب.
فتحية وسلام الأبناء على والديهم تحمل من الاحترام الكثير ولكنهافاترة تخلو أحيانا من مشاعر العيد التي كنا نعايشها سابقا . حيث أصبحت في معظم حالاتها صورة عن سلام الموظف الصغير على مديره بالعمل سبب ذلك زيادة نسبة الانشغال الذهني بمشاغل الحياة ووسائل التواصل الاجتماعي التي احدثت فجوة بين أفراد الأسرة ٠يجلس الأب مع أسرته يتنقل ببصره بين زوايا المنزل الذي تجمل بالأثاث والكماليات الجديدة وتعبقت أرجاؤه بروائح العود والبخور على أمل بزائرقادم للمعايدة, لتمر ساعات انتظار المهنئين بطيئة وممللة إلا من عدد قليل .
ثم يخرج الأب مع صغاره لساعات قليلة لتقديم التهنئة لأهله وأقاربه ويعود والإرهاق والنعاس قد أخذ منه ومن أفراد أسرته نصيبه وتغلب الجميع غفوة السهر وارهاق ليالي مضت ،فغفت الأجفان وبين الرمش والهدب سؤالا يتردد باحثا عن جواب:
لماذا لم نحاول الخروج بأعيادنا من النمطية القاتلة؟
لماذا تم اغتيال عيدنا بالنوم والتضجر و الملل ؟
لماذا أصبح أولادنا في العيد بمشاعر غير العيد وكأنه يوم عادي بل يوم روتيني؟
لقد جٌمدت عواطفنا بسحر التقنية الحديثة ووسائلها الغير مكلفة؛ فتهاني العيد أصبحت جماعية بضغطة زر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي سطرت فيها عبارات منسوخة ومسجوعة مكررة لا طعم لها ولا روح فيهاوربماوصلتنا باسم غير مرسلها بسبب النسخ واللصق السريع فمعظمنا يقوم بالحذف قبل القراءة .
هذه الرسائل لم تدخل الفرح إلى قلوبنا بل خدرت مشاعرنا وبلدت تفاعلنا ؛قطعت تواصلنا الفعلي بالاتصالات الصوتية على الأقل وبالتزاور مع الأقارب والجيران والأصدقاء اكتفينا بتهنئة لم نصغها لتنقل شعورنا للطرف الأخرففترت علاقاتنا وتكاسلت خطانا عن لقاء من نحب فقدنا تواصلنا وتفككت روابطنا وهجرت مجالسنا وانغمست أناملنا بهواتفنا تنسخ وترسل مما ساهم في تباعد الأرواح وجفاف العلاقات ؛جعلنا من المعايدة واجب اجتماعي ثقيل وتناسينا أن نجعله يوم فرح وأنس وسعادة مع من نحب انشغلنا عن احتواء اطفالنا بدفء مشاعرنا وعن بر والدينا والاستماع لهم والتحدث إليهم فهم اليوم معنا وغدا قد يرحلوا عن أعيننااسعدوهم بحنانكم وارسموا صورة واقعية لأبنائكم عن البر تغرس في أذهانهم قدموا لهم الأشياء التي تدخل البهجة إلى قلوبهم افرحواأطفالكم بالألعاب والدمى فالطفل الصغير لا يدرك قيمة النقود وقديحتفظ بالهدية ذكرى عزيزة , شاركوا عمالتكم فرحة العيد حتى لو كانوا غير مسلمين.
لا تبحثوا عن السعادة بالمهرجانات خارج المنازل فلتكن السعادة والفرحة الحقيقية نابعة من داخلكم أحيوا الفرح بصدوركم واصنعوا السعادة بأيديكم وبحرارة قلوبكم؛لتجعلوا من يوم العيد ذكرى جميلة بحرصكم على التواصل الفعلي فزيارة الأقارب والأحبة هي الوسيلة الأقوى للتواصل الإنساني فلغة الجسد لها تعبيرها الخاص وسحرها الرباني الذي لم تصل له عبقرية مكتشفي برامج الأجهزة الذكية ؛فالعيد يدعوكم للتسامح والتصافي وأن تصموا اسماعكم عن شياطين الأنس الذين يسعون لقطع صلة الأرحام بدافع الكبرياء والكرامة والحقوق والواجبات بادروا وتنازلوا من أجل رب رحيم ففي الحديث القدسي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ لَهَا لِسَانٌ طَلْقٌ ذَلِقٌ ، تَقُولُ : مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ” *
بقلم / سهام الرميح
كاتبة سعودية


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com