الفساد الإداري


الفساد الإداري



يعتبر الفساد آفة من الآفات المنتشرة في كثير من المجتمعات ، وهو داء متفشي للأسف في كثير من الدول والمجتمعات على اختلاف طبقاتها ، ويظهر هذا الداء ويتولد من رغبة الانسان في الحصول على مكاسب مادية أو معنوية دون مراعاة لسبب حصولها وهل يستحقها أم لا، لذا فهو يلجأ إلى أي وسيلة موصلة لهدفه ، ودون مراعاة لشرعية أو نظامية هذه الوسيلة .
والفساد الإداري هو استغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة ، لذلك المقصد العام من الفساد يتعلق غالباً بوجود خلل في أداء أعمال الوظيفة العامة واتباع الشهوات والسعي خلف المال ، وغالباً ما يرتبط الفساد بعدة جرائم جنائية أبرزها : الرشوة ، الاختلاس ، استغلال النفوذ الوظيفي .
والمملكة العربية السعودية كغيرها من الدول عانت حقبة من الزمن في انتشار الفساد رغم وجود
جهات مختصة لمحاربته مثل هيئة الرقابة والتحقيق وهيئة مكافحة الفساد ، ودائرة جرائم الوظيفة في النيابة العامة ، ووجود عدة تشريعات وتنظيمات مختصة تجرّم مثل هذه الافعال مثل نظام مكافحة الرشوة ، وكذلك المرسوم الملكي رقم 43 وتاريخ 29/11/1377هـ المحدد الجرائم الإدارية الذي يشمل تجريم لعدة افعال منها استغلال نفوذ الوظيفة لمصلحة شخصية ، سوء الاستعمال الإداري ، استغلال العقود لمصالح شخصية .

وقد يصعب في وقت سابق على الجهات المعنية اجتثاث هذا الفساد لاعتبارات منها أن أغلب مرتكبيه من الطبقات المخملية وأصحاب الحصانة القانونية أو الاجتماعية إلا أننا في عهد العزم والحزم ولن ينجو أحد تورط في قضية فساد كائناً من كان كما ذكر سمو ولي العهد ، وتطبيقاً لهذا النهج صدر الأمر الملكي الكريم رقم أ/38 وتاريخ 15-2-1439هـ ، المتضمن انشاء لجنة عليا لحصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام ، وتأتي هذه اللجنة بصلاحيات واسعة لا تملكها الجهات السابقة من حيث القبض والتحقيق والمنع من السفر والكشف عن الحسابات وتتبع الأموال ولها الحق في اتخاذ الاجراءات الاحترازية التي تراها فهي بذلك تتجاوز بعض القيود النظامية مثل القبض والتحقيق مع أصحاب الحصانة ، وجاء التأسيس والتشكيل النظامي لهذه اللجنة استناداً إلى عدة أنظمة منها النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الوزراء ونظام محاكمة الوزراء ونظام الاجراءات الجزائية ، وربما يستتبع هذا القرار قررات أخرى تتعلق في الجهات المختصة بمكافحة الفساد ، إما بإعادة هيكلة بعض الجهات أوالنظر في صلاحياتها واختصاصاتها لتفعيل دور هذه الجهات ولتتوافق مع عمل هذه اللجنة .

إن القرارات الحاسمة والصارمة التي اتخذتها حكومتنا الرشيدة مؤخراً في مواجهة الفساد وكونها بدأت من الأعلى وبدأت بشخصيات اجتماعية وقيادية بارزة فهي بذلك تعبّر عن الجديّة في اجتثاث الفساد من جذوره ، وتعقب ومحاسبة الفاسدين وكل من أضر بالمملكة ، وتفسح المجال لجهات الاختصاص لممارسة كافة صلاحياتها دون قيود ، وتشعر الجميع بأهمية دوره في هذا الأمر ورفع مستوى الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد وجعل محاربة الفساد نهجاً راسخا للجميع ليتوافق هذا النهج مع مستقبل الوطن والرؤية الوطنية 2030 .

وباستعراض الوسائل والحلول المناسبة لمكافحة الفساد يظهر جلياً أن السلطات التشريعية والتنفيذية هي صاحبة الدور الأبرز في مسؤولية كشف الفساد ومحاربة المفسدين ، ومع ذلك نقول أن هذا الأمر ليس مسؤولية جهات الاختصاص فقط ، بل هو واجب يجب أن تشترك فيه جميع مؤسسات الدولة ، ويشترك فيه المواطن والمقيم على حد سواء ، ويجيب أن تعيه الشركات والمؤسسات حتى نتمكن من مواجهة الفساد والقضاء عليه ، للحفاظ على مكتسباتنا وثرواتنا الوطنية من الهدر والضياع وتفعيلاً لقيمنا الدينية والاجتماعية .

وفي الختام يجيب أن نعي كمواطنين أهمية المراحل الانتقالية وأنها ستعود بالنفع العام اقتصادياً واجتماعياً للجميع بأذن الله ، وأن نستوعب ذلك ونستشعر الحس الوطني في كل تصرفاتنا نسأل الله أن يحفظ بلادنا من شر الفاسدين المفسدين وأن يكشف أمرهم ويحفظ بلادنا وولاة أمرنا من كل سوء ومكروه.

المحامي / ناصر بن طريّد العنزي
عضو اللجنة الوطنية للمحامين
عضو اتحاد المحامين العرب


5 pings

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com