أدب تولستوي.. السمو نحو الإنسانية


أدب تولستوي.. السمو نحو الإنسانية


وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.ararnews.com/2699518.html

تتراءى لنا في فضاءات تولستوي الفكرية مجموعة من عتبات مراقي سلمه الأدبي الذي صعد بواسطتها الى النجومية العالمية في الأدب والفكر، ومن أهم هذه السمات التي ميزت أدب تولستوي ورفعت من قدره ووسعت شعبيته داخل وخارج روسيا «الحب والحياة» هذا المفهوم هو صهوة حصان تولستوي الأدبي الذي يمتطيه عند تناوله أي عمل أدبي عن طريقه يسهل تواصله مع جماهيره المحبة له ولن يكون إلا صادقاً في لباس هذا الوشاح القيمي الذي جنى منه تولستوي تهذيب النفس وبريها في عاطفة الشفافية والالتصاق المشاعري مع الجمهور، الفكر الشعبي يجيء التركيب النفسي لشخصية تولستوي موافقاً للاتجاهات النفسية التي تشكل الطابع النفسي العام للجمهور، ونعرف ذلك من خلال طريقة تولستوي في انتخاب رواياته وشخصياته من وسط الميادين الشعبية المزدحمة ويبرع في توصيف الحياة البسيطة كما يراها في الأحياء الشعبية وفي طوابير الناس المتراصة أمام الخبازين وبائعي اللحوم المقددة ينقلها حية على الهواء بنكهاتها ورائحة عرق الفلاحين الى صور الاطفال الشاحبة من البرد الجليدي القارص وقطرات الدماء تسيل على أكفهم من جراء زعانف سمك النهر الحادة حين يتلقون الأوامر من آبائهم بحملها الى كوخ الأسرة الخشبي، وبهذه الأسلوبية الفنية تمكن تولستوي من التوصل الى حقيقة الحياة والانطباع الكامل عنها.

انتقاء المادة الفنية:
يجتهد تولستوي كثيراً في عملية اختيار المادة التي تشكل محوراً أساسياً لنتاجه الأدبي ويحرص على صياغة فكرة رئيسة تمثل العمود الفقري الذي تدور حوله أحداث الرواية وصراعاتها الفرعية.
الخلاصة:
تمثل هذه المرحلة النهائية في روايات تولستوي وحدة معقدة لأنها جاءت كاستجابة إدراكية للعالم عن طريق الأفكار الشاخصة وسبب تعقدها انها نتاج فكري متشابك من الرؤى والتحليلات الصعبة المستخلصة من تشابكات صور العلاقات الداخلية التي تكشف صور الحياة الناصعة بكل تفاصيلها وهي مرحلة لا محالة أنها صعبة ومعقدة تواجه الكاتب وتمثل تحدياً أدبياً يقف حجر عثرة في مسيرة موكب الأحداث والانفلات من هذه المرحلة تكمن في ظل براعة الكاتب على الالتقاط الحذر لصور الحياة الرائعة بكاميرا فوتوغرافية مطابقة للأصل الواقع المعاش ولن تتأتى هذه الخاصية لكل كاتب إلا لمن أجاد هذه المهارة وبإرسال ومضات عاجلة الى جهاز الذكاء لمساعدة إدراكه الشخصي على إيقاد مكامن الإبداع واقتناص اللوحات الشعبية الجميلة التي تجد القبول والتوافق في نفسيات الكاتب ومتلقيه، وتولستوي توفق في هذه العملية الفنية المعقدة ساعفته الموضوعية في السرد القصصي وتخيل الحياة الواقعية بصورتها الحقيقية.
التناسق الأدبي في المعني والمبنى:
برع الكثير من الأدباء في هذه الخاصية وهي إحدى سمات العمل الفني المتميز، ومن أشهر شعرائنا في هذا المجال الأسلوبي الشاعر ابراهيم ناجي، لكن تولستوي هنا يختلف فالتناسق الأدبي لديه بين الكلمة الواحدة ومعناها الخاص حيث يمتد هذا الاتساق ويتغلغل في جميع أجزاء النص الأدبي محدثاً برنامجاً معقداً من العلاقات الداخلية التي تشكل البناء الكلي للنص في أطره الداخلية لمضامينه وعلاقتها ببعضها علاقة معنوية قوية تفيض من احشائها قبسات مشرقة تميط العتمات أمام جماهيره فتلزمه على السفر الروائي عبر الطرق الشعبية التي تتلوى في أحشاء أزقة الأحياء الشعبية، كما أن هذا النسق يكفل قيام علاقة حميمة بين منظومة البناء الخارجي مع بعضه وتنظيم حركة الأنساق بين المضمون العام والمضمون الخاص، وبين السورات الخارجية للنص وبين المضامين الداخلية، وشدة الترابط الفني في نصوص تولستوي جعل من أدبه أدباً متناسقاً ومنتظماً ساع قارئه يستمتع في تتبع نصوصه دون كلل أو ملل.
وعى تولستوي هذه الخاصية الأسلوبية في بناء نصوصه وفي رسالة موجهة منه الى الأديب الفرنسي اوكتاف مير بور قوله:
اعتقد ان كل شعب يستخدم أساليب مختلفة للتعبير الفني عن مثل مشتركة» وقوله: «المثل المشتركة» القيم العالمية والتي توفق تولستوي في نقلها خارج حدوده الجغرافية وأشاد غوكوفسكي عن سلاسة التسلسل القصصي بدرجة عالية في روايته «الحرب والسلام» حيث تكون أجزاؤها مجموعة متناسقة وتحدث الكاتب عن روايته هذه موضحاً بعض أسرار نجاحه فيها «أنه أحب الفكر الشعبي وجعله مادة نتاجاته الأساسية».
والابتعاد عن إقحام المواد العلمية والقوانين العملية في رواياته وأعماله جنبت منتجاته الإصابة بأعراض جفاف النص وذبول عاطفته، وتتجلى لنا عبقرية هذا الروائي الروسي وعمق خبرته الأدبية والفكرية الأمر الذي يجعلنا نتفق مع دارسيه بأن تولستوي أستاذ ضليع في الإبداعات الروائية يعرف جيداً أسباب تميز العمل الأدبي وربما خفيت بعضها على غيره من رواد الأدب العالمي، توصل الى ان الأحداث والاتجاهات تحددها عوامل كثيرة في مقدمتها النفسية أما التاريخ فإنه نتاج التجارب الإنسانية ولهذا فهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمنظومة التعاقب البشري في العيش على كوكب الأرض.
لذلك تلمس في أدب تولستوي السمو نحو الإنسانية واحترام الناس، وهذا يطابق فلسفته الفكرية التي تعلي شأن الإنسان والتي طالما انتصر للقيم الإنسانية وجعلها محور نصه فما رواية الحرب والسلام إلا تجسيد لانتصار الخير على الشر، والذي تجلى عنده بالانتصار الشعبي الروسي على الفرنسيين بقيادة نابليون في معركة «بوردينو».

المراجع
فن الأدب الروائي عند تولستوي، ف. غ. ادينو كوف، ترجمة د. محمد يونس.
رواية الحرب والسلام تولستوي.
رواية أنا كارنينا تولستوي.
الكاتب / عياد مخلف العنزي (ابن الراعي)


1 ping

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com