إجازة إجبارية للكرة الأرضية


إجازة إجبارية للكرة الأرضية



لو قيل لأكثر الناس تشاؤما أو تفاؤلًا في هذا العالم قبل عدة أشهر فقط أنه سيأتي يوم ستتوقف فيه الحياة على كوكبنا بطريقة شبه كاملة وبدون وجود كارثة طبيعية تقليدية كالزلازل، او العواصف الشمسية ،او التسونامي او الرياح لأ تهمك بالجنون او اعتقد انك متأثرا لحد كبير بأفلام الأكشن الأجنبية والمليئة بالمغامرات وبقصص الخيال العلمي .

فلم يخطر ببال احد من البشر ان يتوحد العالم ذات يوم من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه على قرار واحد لمواجهة فيروس لا يرى بالعين المجردة ويهدد بحصد ارواح ملايين البشر حول العالم .

لقد توحد العالم بالفعل لأول مرة في تاريخه امام فيروس لا يرى بالعين المجردة وقرر وقف الطائرات عن الهبوط والإقلاع ،وإخلاء الشوارع من البشر وزحام السيارات ،ووقف تشغيل الاف المصانع التي تبعث الأدخنة التي تلوث الأجواء ،وقرر ابقاء الناس في بيوتهم وعدم الخروج للشوارع، كما قرر منح اجازة اجبارية للملايين من البشر لوقف مشوار الركض اليومي بحثا عن لقمة العيش، ومع كل ذلك مازالت البشرية في صراع مع هذا الفيروس الذي يقاوم ويصيب الآلاف يوميا ويحصد الارواح حتى تتحد إرادة البشر في كل مكان لمواجهته وعدم السماح بانتشاره من خلال الالتزام بالتعليمات والأنظمة التي تكفل بحول الله وقف انتشاره .

وبالرغم من حدوث جائحة مشابهة قبل مائة عام وتحديدًا في عام ١٩١٨م وبعد انتهاء الحرب العالمية الاولى حيث اصابت نصف مليار من البشر وحصدت ارواح مابين خمسين ومائة مليون انسان بالعالم ، والتي عرفت حينها آنذاك باسم “الانفلونزا الاسبانية ” .بالرغم من براءة اسبانيا من تصدير هذا الوباء كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب ، حيث كان سبب التسمية هو انشغال واهتمام وسائل الإعلام الأسبانية بموضوع الوباء نتيجة لتحررها النسبي مقارنة بالدول المشاركة في الحرب العالمية الأولى، فأسبانيا لم تكن جزءً من الحرب العالمية الاولى ولم يتم تطبيق المراقبة على الإعلام الإسباني، وبالتالي كانت لها الفرصة بالإعلان عن هذا الوباء ، ومن الطرائف أن الأسبان أطلقوا على هذه العدوى آنذاك اسم الإنفلونزا الفرنسية ولكن مازالت تلك الجائحة تعرف حتى اليوم باسم ” الانفلونزا الإسبانية”

ولعل الفرق بين الجائحة التي حدثت قبل مائة عام و الجائحة الحالية هو ان الإمكانيات والاستعدادات والتجهيزات الطبية بالعالم والتقدم الطبي الذي حققته الإنسانية خلال مائة عام في اكتشاف اللقاحات والأدوية لا يقارن بتلك الفترة المظلمة من تاريخ العالم حيث كان البشر مازالوا يعانون من آثار حرب عالمية مدمرة ويعيشون بالمخيمات فكان من السهل انتشار المرض بينهم حتى عم كامل الكرة الأرضية .

وهنا لا يجب ان ننظر بتشاؤم وسلبية لما يحدث الان فهناك مئات الأمور الإيجابية التي نراها والتي قد نكتشفها لاحقًا وتحدث بسبب هذه الجائحة ومنها العودة للنفس ومحاسبتها على أي اخطاء ، والاهتمام بالابناء ومنحهم وقت اطول لمعرفة متطلباتهم، ومنح كوكبنا راحة وإجازة مؤقتة ليلتقط انفاسه بسبب عوامل التلوث البيئي الذي تسبب في تدمير الحياة الفطرية في البحار والمحيطات والغابات ،كما تسبب في حدوث الاحتباس الحراري الذي يهدد العالم بكوارث طبيعية ، فجاءت هذه الفرصة من اجل ان يرتاح كوكب الأرض من طمع الإنسان واستهلاكه الجائر للموارد الطبيعية بصفة دائمة ومستمرة، فمن يدري فقد نكتشف قريبا وبعد انتهاء هذه الأزمة ان الاحتباس الحراري وثقوب الأوزون قد اختفت للأبد وعاد كوكبنا سليمًا ومعافى كما كان بالسابق .

والمهم ان يستعد الجميع بطريقة هادئة ومتحضرة اثناء هذه الفترة ولما بعد جائحة كورونا ويتعاملون بهدؤ وعدم تضجر فهناك ايجابيات كثيرة و لله الحمد رافقت هذه الجائحة واهمها إثبات اننا أمة قوية وحضارية وراضية بقضاء الله وقدره و تستطيع التعامل بحكمة مع كل الجوائح والظروف والأزمات بعكس ما رأيناه يحدث حولنا في ما يسمى بالعالم المتحضر من هلع وهجوم وتكالب على محال بيع الأغذية، وباستثناء بعض التصرفات الصبيانية لمن فقدوا إيمانهم وعزيمتهم وعقولهم وتفرغوا لنشر الشائعات وتخويف الناس فإن الجميع ولله الحمد آمنون ومرتاحون في بيوتهم وليسوا مطرودين منها كحال من شردتهم الحروب والكوارث التي تحدث حولنا بالعالم ،كما ان الجهود الجبارة التي تقوم بها حكومتنا الرشيدة في خدمة المواطن والمقيم وتسهيل حصوله على كل احتياجاته وتأمين الحماية والأمن له هي مضرب المثل مما يستدعي ان يتعاون الجميع مع هذه الجهود وتنفيذ كافة التعليمات حتى نعبر قريبا بإذن الله لشاطئ الأمان من هذه الجائحة التي غزت العالم .

د. فهد سحلي الخناني


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com