كورونا البغض


كورونا البغض



وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.ararnews.com/2747994.html

مما يدعو للحيرة والعجب التغييرات الكبيرة والمتلاحقة في العالم هذه الأيام وعلى الرغم من قوة اجتياح هذا الفيروس المرعب لم تتطهر قلوب بعض البشر المثخنة بالحقد والكره المزمن الذي سرى في عروقهم وعكر مشاعرهم ولون تصرفاتهم بالسواد الذي لم تمحه السنين ولم تزلزله النوائب فتأبى نفسه التي توشحت بالبغض والكبرياء أن تخط أنامله كلمة أو رسالة لتشاركك فرحك فأحلامهم القاصرة وشيطانهم المتربص زين لهم بأن تجاهل القريب قوة وانتصار وأن الإحجام عن التعاطف مع أحزانه صفعة مرتدة طال انتظارها غافلين عن دور الزمان في تصفية الحسابات فالصرخات الكثيرة التي تصلني كمستشارة أسرية تكشف القناع عن هشاشة العلاقات بين الأقارب.
” ففي مجتمعنا لا يهم أن نكره بعضنا أو نتقاطع فالمهم والأهم ان لا يعرف الناس ذلك”فالبعض تنامى الحقد في داخله لدرجة التشفي والسرور بما يصيبك من ألم لا لشيء يحسب عليك سوى إنك لم تروق لذائقته فالضغينة التي يحملها داخله نحوك ليس لها تبرير مشرع فيبدأ بعكس انطباعاته الشخصية عنك لابنائه وتضخيم مواقفك والنبش في إرشيف الماضي فترسم أدخنة الحقد المتصاعدة صورتك بأنك الشخص الأسوأ ومن هنا تبدأ سلسلة توارث الخصام والبغضاء وإيصاله إلى الأبناء فلو سألت أحد الأبناء عن سبب كرهه أو بغضه لفلان من البشر لن تجد إلا إجابة واحدة ” ما وجدنا عليه آباءنا ” فالأصل أن الإنسان يولد على الفطرة فالأسرة المحضن الأقوى للطفل لذلك تشربوا الكره مع حليب أمهاتهم فكبروا وقد نمت في داخلهم بذرة الكره للقريب كما نمت بعض القيم وانغرست دون تعليم.
فكمية الكراهية الموروثة شوهت الصورة الحقيقة ولطخت النوايا والمقاصد بناء على خبرات سابقة وانطباعات شخصية تبناها الأبناء مسمومة من الكبار بأحداث وقصص وتصرفات مفسرة على نوايا لا يعلمها إلا الله فحجم الأحقاد المتعمقة في النفوس والبغض الدفين المختزن بالعقول أعمى البصيرة فساءت العلاقات بين الأقارب ودمر التواصل والتعايش السلمي مع العائلة الكبيرة واتسعت دائرة الخلاف في نفوس الجيل الناشئ وكبر الأبناء وبداخلهم ” تنين صيني ” عقدة القريب ” ملأت صدورهم بمواقف سلبية لم يروها ولم يتأكدوا من صحتها فاستحوذت على عواطفهم وشحنتهم بالتحامل وعدم التقبل وعدم التسامح فهم كالبركان يتحينون الفرصة ليأخذوا بثأر سومري بالي ’ فكم من “خالة كرهت وكم من عمة أبغضت وكم من جدة هجرت وكم من زوجة ابن رفضت وكم وكم .. بسبب عبودية فكرية قبل بها البعض لعدم نضجه وقلة وعيه فكم من فكرة جيدة رفضت رفضا لقائلها وكم من فكرة حمقاء سكنت الرؤوس ودعمت حبا في صاحبها فالشخص السوي يترفع عن تخزين الموروث النتن من الأحقاد والخلافات حتى لو كانت أسباب الخلافات حقيقة فلا يدع الجانب المظلم الشرير يسيطر عليه ويتحكم في انفعالاته وفي تقبله للآخرين فالقران يقول ” ولا تزر وازرة وزر أخرى ”
فاستقرار البغضاء في النفوس نار مهلكة تحرق صاحبها قبل غيره فأكبر معركة يجب أن يخوضها الإنسان هي التسامح والترفع عن الشحناء وتربية النفس على نسيان الإساءة ولا نعني بذلك تقبل الإهانة بل السمو فلا تداس ولا تدوس فالشاعر يقول :
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعا ؛؛؛ يرمى بصخر فيلقي أطيب الثمر
فالأحقاد لا تنقى بالماء ولا يغسلها إلا النضج والوعي واحتساب ما عند الله فالحياة قصيرة لاتستحق الجفاء والتشاحن والعلاقات المشحونة بالمقت تسرق السعادة والتصالح مع الذات ومع الاخرين وتثمر عقليات مريضة تغذت بالأكاذيب والافتراءات وسوء الظن فتحرير عقول الأبناء وتحييدهم عن المشاكل وتعويدهم على الاحترام والتواصل مع الأقارب وعدم السماح للبنات خاصة بزعزعة علاقة الأم بأخواتها فكم من علاقة قطعت وجسور هدمت عندما كبرت البنات فالنار تبدأ بمستصغر الشرر فلا تنتقد إخوتك أمام أبنائك حتى لا يتجرؤون على الإساءة لهم أو تشحن صدورهم أو صدرك عليهم وتذكر قوله تعالى “فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ”


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com