نحتاج إلى سرعة إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد والموافقة على نظام «الاعتداء على المال العام»


نحتاج إلى سرعة إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد والموافقة على نظام «الاعتداء على المال العام»



إخبارية عرعر"متابعات"تحقيق- أحمد الجميعة

أسس خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- في قرار لجنة أحداث كارثة السيول في جدة منهجاً إدارياً حازماً في الحكم.. ووطنياً مسؤولاً في مكافحة الفساد وحماية النزاهة..ومنهجاً اجتماعياً في الوقوف مع المكلومين من ذوي الشهداء الغرقى..

لم يكن القرار مجرد امتصاص لردود الفعل من الحادثة وما نتج عنها من خسائر في الأرواح والممتلكات، أو المزايدة عليها من طرف واحد "المسؤول" وتجاهل الآخر "المواطن البسيط"..لا.. كل هذا لم يحدث ولن يحدث في عهد "الملك العادل" الذي وقف شجاعاً مع عظم الموقف وقال معترفاً "هناك أخطاء أو تقصير من بعض الجهات، ولدينا الشجاعة الكافية للإفصاح عن ذلك والتصدي له بكل حزم"،..وقف متألماً مع أسر الشهداء وواساهم بمبلغ مليون ريال..وقف حاكماً وأعلن أمام جميع المسؤولين "سنحاسب كل مقصر ومن يثبت إخلاله بالأمانة"..وقف أمام الحدث بحلول عملية عاجلة ممثلة في تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في أسباب الفاجعة..

لم تكن عبارة "محاسبة كائناً من كان" تمر على أي مواطن وهو يسمع قرارات الملك عبدالله دون أن تعني له شيئا.. بل كل شيء..كانت عبارة مثقلة بقيم العدل والمساواة..وعميقة في دلالات المسؤولية ومواجهة الفساد والتصدي للمقصرين..

هذا هو الملك عبدالله يخرج علينا من عمق الأزمات والأحداث ليمنحنا وقوداً مع الإخلاص للدين، وحب الوطن، والصبر على تجاوز العقبات، والعمل لمستقبل أفضل لأجيالنا.. هذا هو القائد الذي علمنا كيف نكون أوفياء لمسؤولياتنا، وأمناء على وطننا..هذا هو "أبونا كلنا" الذي علمنا كيف نكون صادقين مع أنفسنا.. وملتزمين بأخلاقنا.. كيف نكون متفاعلين ومتحاورين ومتسابقين على حب هذا الوطن..

وفي مقابل كل ذلك، سيبقى الحديث مع هذه الكارثة متجدداً كل يوم من خلال البحث والتقصي للأسباب، وحصر الأضرار، وهو ما سيتحقق قريباً، ولكن السؤال كيف نبقي على توجيهات الملك عبدالله حاضرة ومستمرة في نفوسنا كمواطنين ومسؤولين دون الحاجة إلى كوارث تكشف لنا مظاهرالفساد، أو التقصير، أو التعويض؟

هذا السؤال لم أجد الإجابة عليه سوى في سرعة إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد، والموافقة على مشروع نظام الاعتداء على المال العام وإساءة استعمال السلطة.. الذي تم اقتراحه من هيئة الرقابة والتحقيق وتمت دراسته في هيئة الخبراء، ثم أحيل الى مجلس الشورى، وأعيد إلى مجلس الوزراء ولا يزال منذ سنتين، إلى جانب دعم الجهات الرقابية فنياً وتقنياً وبشرياً، واعتماد "رقابة الأداء" كبديل عن "رقابة الالتزام" التي أبقتنا سنوات طويلة في رحم البيروقراطية والروتين الممل، وفي الوقت نفسه لم تحد من الفساد.

هيئة حماية النزاهة ومكافحة الفساد

وهي الهيئة التي دعت إليها الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد التي سبق الموافقة عليها بقرار من مجلس الوزراء رقم (٤٣) وتاريخ ١/٢/١٤٢٨ه، حيث تنطلق هذه الهيئة من الدين الإسلامي عقيدة وشريعة ومنهج حياة، وتعزز التعاون بين الأجهزة الحكومية، إلى جانب محاربة الجريمة المنظمة بكافة أشكالها عبر الحدود الوطنية، كذلك تتبع مفاهيم وصور الفساد الحديثة والحد من انتشارها، وتعزيز تعاون المملكة مع الدول انطلاقاً من مبادئ القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية.

وتهدف الاستراتيجية إلى حماية النزاهة ومكافحة الفساد بشتى صوره ومظاهره، وتحصين المجتمع السعودي ضد الفساد بالقيم الدينية والأخلاقية والتربوية، إلى جانب توجيه المواطن والمقيم نحو التحلي بالسلوك السليم واحترام النصوص الشرعية والنظامية، كذلك توفير المناخ الملائم لنجاح خطط التنمية، وتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع.

ولتحقيق هذه الأهداف كشفت الاستراتيجية ضرورة اتخاذ الهيئة جملة من الوسائل، أهمها:

١- تشخيص مشكلة الفساد في المملكة عن طريق:

– تنظيم قاعدة معلومات وطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد تشمل جمع الوثائق، ورصد المعلومات والبيانات والاحصاءات الدقيقة عن حجم المشكلة وتصنيفها وأسبابها وأنواعها وآثارها وأولوياتها ومدى انتشارها زمنياً ومكانياً واجتماعياً.

– رصد ما ينشر في وسائل الاعلام عن موضوع حماية النزاهة ومكافحة الفساد.

– اتاحة المعلومات المتوافرة للراغبين في البحث والدراسة.

2- قيام الأجهزة الحكومية المعنية بممارسة اختصاصاتها لحماية النزاهة ومكافحة الفساد عن طريق:

– تزويد الأجهزة الضبطية والرقابية والتحقيقية والقضائية بكافة المعلومات التي تعينها على أداء مهامها.

– تعويض المتضررين ومنح وسائل الاعلام حرية النقد.

– تمكين الأجهزة المختصة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد من الاستقلال الإداري والمالي.

– تقليص الاجراءات وتسهيلها والتوعية بها ووضعها في أماكن بارزة حتى لا تؤدي إلى الاستثناءات غير النظامية.

– التأكيد على عدم التمييز في التعامل وعدم النظر إلى المركز الوظيفي أو الاجتماعي للشخص.

– العمل بمبدأ المساءلة لكل مسؤول مهما كان موقعه وفقاً للأنظمة.

– سد الثغرات التي تؤدي إلى ولوج الفساد في الرسوم والمستحقات المالية والغرامات.

– تعويض من تضار حقوقهم ومصالحهم من جراء الفساد بعد ثبوت ذلك بحكم قضائي نهائي.

3- اقرار مبدأ الوضوح «الشفافية» داخل مؤسسات الدولة:

– التأكيد على مسؤولي الدولة أن الوضوح وسيلة فاعلة للوقاية من الفساد.

– عدم اللجوء إلى السرية إلا في المعلومات التي تمس السيادة والأمن الوطني.

– وضع نظام لحماية المال العام.

– توضيح اجراءات عقود مشتريات الحكومة والمؤسسات العامة والشركات المساهمة، وإعطاء الجمهور والمؤسسات المدنية ووسائل الإعلام حق الاطلاع عليها ونقدها.

– كفالة حرية تداول المعلومات عن شؤون الفساد بين عامة وسائل الإعلام.

٤- مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في حماية النزاهة ومكافحة الفساد.

٥- توعية الجمهور وتعزيز السلوك الأخلاقي.

٦- تحسين أوضاع المواطنين الأسرية والوظيفية والمعيشية عن طريق:

– ايجاد الفرص الوظيفية في القطاعين العام والخاص بما يتناسب وعدد السكان والخريجين والاهتمام بتأهيلهم لسوق العمل.

– الحد من استقدام العنصر الأجنبي.

– تحسين مستوى رواتب الموظفين والعاملين وبخاصة المراتب الدنيا.

٧- تعزيز تعاون المملكة العربي والاقليمي والدولي لحماية النزاهة ومكافحة الفساد.

الرقابة على المال العام

لا يوجد فساد في أي بقعة من العالم إلاّ ويكون المال حاضراً فيه..فهو "غذاء الفساد"، وروحه، ولهذا لا يمكن أن نتحدث عن كارثة جدة دون أن نشير إلى أهمية تفعيل الدور الرقابي على المال العام على مستوى مؤسسات الوطن عموماً دون استثناء، حيث تأخذ هذه الرقابة بعدين، هما:

– الرقابة الداخلية: ويقصد بها الرقابة داخل الأجهزة الحكومية، ويتمثل ذلك في إدارة التدقيق والمراجعة في الإدارات المالية في الأجهزة الحكومية، وإدارات المتابعة. والرقابة الخارجية: وتأخذ ثلاثة مستويات، هي:

– رقابة وزارة المالية: حيث تمارس الوزارة ضمن اختصاصاتها الرقابة المسبقة على تنفيذ الميزانية، سواء من حيث صرف النفقات، أو من حيث اقرار التصرفات المالية كالمناقصات، وذلك عن طريق ممثليها الماليين في الوزارات والدوائر الحكومية المستقلة، ويسمى هذا النوع من الرقابة ب (الرقابة المستمرة المانعة) وتتم هذه الرقابة بطريقة منتظمة ودائمة عن طريق الممثلين الماليين.

– رقابة ديوان المراقبة العامة: ويمارس الديوان ضمن اختصاصاته الرقابية اللاحقة على تنفيذ الميزانية إيراداً ومصروفاً، وتسمى هذه الرقابة ب (الرقابة المستمرة الكاشفة)، بهدف الكشف عما يفوت الأجهزة التنفيذية من أخطاء ومخالفات بعدم اتمام الصرف أو التصرف، وتتم هذه الرقابة بطريقة منتظمة ودائمة عن طريق أعضاء الديوان.

– رقابة هيئة الرقابة والتحقيق: وتمارس «الهيئة» دورها في الرقابة مكملة دور أجهزة الرقابة الأخرى ويتكامل معها ولا يكررها، وهذا الدور يعتمد على عنصر المفاجأة في كثير من الحالات بهدف المساهمة في إصلاح الموظف العام، وبالتالي وقاية الإدارة الحكومية من الأخطاء والمخالفات، إما عن طريق منعها قبل وقوعها، كما يحدث في الاخباريات والشكاوى وبهذا فهي تمارس نوعاً من الرقابة السابقة المحددة، أو عن طريق كشفها بعد وقوعها كما يحدث في القضايا المالية وبهذا تمارس «الهيئة» الرقابة اللاحقة المحددة، وهي تتمثل في (الرقابة الفجائية الوقائية).

أين الخلل؟

إن الرقابة التي يحتاجها المجتمع الآن لم يعد يكفي فيها الرقابة التقليدية بشقيها «الرقابة الإدارية والرقابة المالية»، فديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق يؤديان عملهما على خير وجه، لكن المشكلة الأساسية هي ان كلاً من «الديوان» و«الهيئة» يعملان وفق واقع تعودا عليه، أو وفق نظام لم يتم تطويره منذ سنوات طويلة،وهو ما يتطلب الخروج من مفهوم الرقابة التقليدية «رقابة الالتزام» المرتكزة على مدى التزام الموظف أو المسؤول بالتعليمات والأنظمة وقواعد العمل الموجودة، أو آلية الرقابة على إيرادات الدولة ومصروفاتها، إلى الرقابة على «الأداء»، بما يعزز من الفعالية والكفاءة الإدارية والمالية في الرقابة.

ماذا نحتاج؟

..ولكن تطبيق هذا النوع من الرقابة بشكل فاعل يحتاج إلى استقلالية مالية وإدارية للجهات الرقابية، ووضع معايير لقياس الأداء والحكم عليه، إلى جانب تعاون بعض الجهات في تقديم البيانات اللازمة في الوقت المناسب، وتفعيل دور إدارتي المتابعة والمراجعة الداخلية في الجهات الحكومية بما يتناسب مع حجم المهام المطلوبة منهما، وزيادة موظفي الجهات الرقابية والحد من تسربهم، فالمراقبون هم «خط الدفاع الأول» للرقابة على المال العام، وبالتالي من الواجب دعمهم وتحفيزهم، فكيف نطالب المراقبين والمدققين في «الديوان والهيئة» من إنجاز الكم الهائل من الأعمال الرقابية المناطة بهم وهم بدون حوافز مالية ومزايا خاصة تحد من تسربهم أو الإغراءات التي قد تواجههم؟.

كما نحتاج إلى الإسراع في تكامل بنية التعاملات الالكترونية، والعمل على تسهيل الإجراءات واعتمادها على عاملي الشفافية والوضوح، كذلك المتابعة الجادة والمستمرة لتنفيذ عقود المشروعات والخدمات ضمن المدد المحددة وتطبيق نصوصها بحزم في حالة التقصير أو التأخر.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com