أحمد بن باز: فتاوى والدي غير صالحة لكل الحالات


أحمد بن باز: فتاوى والدي غير صالحة لكل الحالات



أكد أمين عام مؤسسة الشيخ عبدالعزيز بن باز الخيرية الشيخ أحمد بن باز أن تغير الصورة المحيطة بالحالة يستوجب تغير الحكم الشرعي ذاهباًً إلى أن فتاوى والده ليست صالحة لكل الحالات. وقال الشيخ أحمد في حوار مع "الوطن" إن لكل فتوى حالتها المعينة خصوصاً حين تكون اجتهادية فيما لم يرد فيه دليل صريح من القرآن والسنة، سواء كانت هذه الفتوى للشيخ ابن باز أو للشيخ ابن عثيمين أو غيرهما من العلماء.
وأضاف موضحاً أن كل هؤلاء أعطوا رأيهم في المسألة حسبما توفر لهم من الأدلة، وكل حالة لها رؤية ووقائع معينة، وأحياناً تختلف الصور والوقائع، ومن ثم لا يمكن استمرار الفتوى على الحالة المختلفة ومدار الحكم على وجود الصورة في الشيء الذي صدرت من أجله الفتوى.
وبشأن محاولة بعض طلبة العلم تفصيل أسئلة للشيخ الراحل ليكون الحكم فيها حراماً، قال الشيخ أحمد: ليس طلبة العلم وحدهم أو إنهم هم من كانوا يقومون بذلك، ولكن عامة الناس كذلك، فتخيل مثلاً لو أتى رجل إلى سماحة الوالد – رحمه الله – وسأله: ما حكم "الجينز" يا شيخ، مع العلم أن فيه تشبها بالكفار؟ هنا وضع التشبه بالكفار هو العلة، ومن الطبيعي أن يفتي الشيخ بناء على سؤال السائل.. وهكذا.

وقال أمين عام مؤسسة الشيخ عبدالعزيز بن باز الخيرية الشيخ أحمد بن عبدالعزيز بن باز, إن العالم الإسلامي بحاجة إلى المفكرين والمربين أكثر من حاجته للمفتين ويرى أن برامج الإفتاء الموجودة على القنوات التلفزيونية الآن ظاهرة غير صحية ومقلقة,وأنها تضيق على الأمة حيث أنها تفتح الباب على مصراعيه للجميع للسؤال عن أمور سكت الإسلام عنها رحمة بنا فيكون السؤال من أجل السؤال فقط ويكون التحريم والتضييق في كثير من الحالات.
الشيخ أحمد بن باز, بصراحته المعهودة قال إن بعض طلبة العلم كان يأتي للشيخ ابن باز -رحمه الله- وكان يحاول استصدار فتوى توافق هواه, ويرى أن كثير من طلبة العلم يبتعدون عن المسمى الحقيقي لطلبة العلم حيث يحاول كثير منهم أن يخدم أهدافه أكثر من أن يخدم الدعوة, وحذر الوعاظ من الكذب واختلاق القصص, ورأى أن من يقومون بهذا العمل أقرب للعوام منهم لطلبة العلم الشرعي,ويرى أنهم من محبي الظهور وأن يذكر اسمهم أنهم أوردوا هذه القصة.
تدشين أمير منطقة الرياض صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز لمكتبة الشيخ ابن بازالصوتية, والتي تحوي أكثر من (50) ألف ساعة صوتية مسجلة, دفعنا للحوار مع الشيخ أحمد حول تجديد فتاوى الشيخ ومراجعة الإرث العلمي له. وفيما يلي نص الحوار:
* تم تدشين المكتبة الصوتية للشيخ عبدالعزيز بن باز بداية هذا الأسبوع,صف لنا المشروع ماذا يحوي؟.
– المشروع الذي دشن هو المرحلة الثانية,والسنة هذه تم تدشين المرحلة الثانية على يد أمير منطقة الرياض الأمير سلمان,والمكتبة الصوتية تحوي (50) ألف ساعة صوتية مسجلة للشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله, وحاولنا جمع جميع الساعات الصوتية المسجلة سواءً لدى طلبة الشيخ أو الدوائر الحكومية أو المكتبات والمدارس, ونحن جمعناها ليستفيد منها طلبة العلم وأهل الاختصاص.
* ما هي المشاريع المستقبلية لمؤسسة الشيخ عبدالعزيز بن باز الخيرية؟.
– المرحلة المقبلة سنركز على المشاريع العلمية والفكرية بشكل أكبر,وسنترك المشاريع الاجتماعية للجهات الاجتماعية وسنحاول قدر المستطاع التخصص في الشأن العلمي والبحث العلمي المتعلق بالقضايا العلمية والفكرية المعاصرة.
* شيخ أحمد, بعيداً عن المؤسسة, لكن فيما يتعلق بالشيخ الوالد عبدالعزيز بن باز رحمه الله, هناك دائماً مطالبة بمراجعة الفتاوى القديمة التي صدرت له كحد أدنى منذ عشر سنوات, وتشكيل لجان لمراجعتها وتطبيقها على الواقع الحالي,خصوصاً في ظل التطور المفاجئ للأحداث والمجتمع، هل أنت موافق على هذا التجديد ومراجعة الإرث العلمي لسماحة الوالد؟.
– أولاً لا نطلق عليها تجديدا أو مراجعة بالصورة الكاملة,لكن كل فتوى لها حالتها المعينة خصوصاً حين تكون اجتهادية فيما لم يرد فيه دليل صريح من القرآن والسنة,وسواء كانت هذه الفتوى للوالد رحمه الله أو للشيخ محمد بن عثيمين أو غيرهما من العلماء الذين وافاهم الأجل أو من العلماء الذين قبلهم,أقول إن كل هؤلاء أعطوا رأيهم في المسألة حسب ما توفر لهم من الأدلة وكل حالة لها رؤية ووقائع معينة وأحياناً الصور والوقائع تختلف. وهنا لا يمكن استمرار الفتوى على الحالة المختلفة ومدار الحكم على وجود الصورة في الشيء الذي صدرت من أجله الفتوى, ويجب ألا نقول تغيير الفتوى لأنه إذا تكررت الحالة يتكرر الحكم وإذا تغيرت تغير الحكم.
* يعني هل نستطيع أن نقول إن الفتاوى التي صدرت من الشيخ عبدالعزيز بن باز كانت اجتهاداً في أمور لم يرد بها النص وكانت على حالات معينة, ويجب ألا يتم الاستشهاد بها في غير موضعها مثلاً؟.
– كما قلت لك إن هناك فتاوى قيلت في قضايا معينة, فإذا وجدت في الوقت المعاصر ما ينطبق على الفتوى ويطابق حالتها فيؤخذ بها أو لا إن تغيرت الصورة والواقعة، ولا يعني ذلك أن يبدأ طلبة العلم بوضع فتاوى الشيخ رحمه الله في كل قضية حسب هواهم هم, وإنما يجب أن نعرف الحالة والصورة والواقعة ومدى تشابهها مع المسألة التي صدرت فيها الفتوى وما يحيط بها. والنقطة المهمة أن الفتوى لا تتغير لأنها منسوبة إلى شخص يتحملها,لكن الذي يتغير الحكم الشرعي وملابسات الحدث. نحن لسنا مقيدين بفتوى الشيخ ابن باز مثلاً إذا تغيرت الحالة وتغيرت الصورة.
* دائماً ما يستشهد طلبة العلم الشباب بفتاوى الشيخين ابن باز وابن عثيمين, وحين تطالبهم بالرجوع إلى القرآن والسنة كنص أساسي وعدم اللجوء إلى الفتوى التي قد تكون صدرت لحالة معينة يرفضون ذلك, رأيك؟.
– قد تكون المسألة بسبب تقديس البعض لرأي الشيخين, رغم أن الشيخين استندا إلى القرآن والسنة, لكن بسبب التقاعس الذي يصيب بعض طالبي العلم عن البحث أو تجد من يقول هذا القول ويكرره من العامة الذين يسمعون الفتاوى في المجالس أو يقرؤون مجموع الفتاوى في كتب دون أن يعرفوا بقية التفاصيل ومن هنا تبدأ أزمة الاستشهاد بالفتاوى. هناك نصوص صريحة من القرآن والسنة لا تحتاج إلى تفصيل, وأعتقد أن هذه محسوم أمرها… أما القضايا الاجتهادية فهي تتغير مع تغير الزمان.
* من خلال معايشتكم لسماحة الوالد رحمه الله, بصراحة, هل ترى أن بعض طلبة العلم يشكلون مشكلة وإشكالية في الفتوى, حيث يحاول بعضهم تفصيل الأسئلة ليكون الحكم حراماً ويحاولون جاهدين استصدار الأحكام حسب أهوائهم؟.
– لا نريد أن نقول إن طلبة العلم وحدهم أو إنهم هم من كانوا يقومون بذلك، ولكن عامة الناس كذلك, لكن فعلاً كان هناك أناس يأتون وهمهم الأول استصدار حكم معين, فتخيل مثلاً لو أتى رجل إلى سماحة الوالد رحمه الله وسأله: ما حكم الجنز يا شيخ مع العلم أن فيه تشبها بالكفار, فهنا وضع التشبه بالكفار هو العلة ومن الطبيعي أن يفتي الشيخ بناءً على سؤال السائل. وهنا أقول إن بعض المستفتين يؤثرون بشكل كبير في شكل الفتوى خصوصاً حين يبدؤون بتزيين السؤال بمحسنات من شأنها أن تؤثر على نوع الحكم, وهذا يكون في الذين يأتون لاستصدار فتوى معينة فيبدأ بالقول إن هذه القضية أدت إلى ذرائع كثيرة أو أمور محرمة وفيها خطر كبير على الأمة، وهنا من الطبيعي أن يكون رأي الشيخ بالتحريم أو المنع لهذه المسألة.
* هل سبق أن كنت مع الشيخ رحمه الله وأتى إليه أناس يحاولون استصدار فتاوى؟.
– نعم, حالات كثيرة، ولكن في كثير منها وخصوصاً التي يشعر الشيخ بأن فيها مبالغة يسأل عنها ويتأكد منها ثم يصدر حكمه بناءً على ما وصل إليه من تصور حقيقي, والبعض للأسف يحاول الكذب والكذب في السؤال من أجل الحصول على ما يريد, ناسياً ومتناسياً الذمة والأمانة بالرغم من أنها أول ما يجب أن يتبادر إلى ذهن طالب العلم, لكن لا ندري ماذا يحدث.
* العامة قد يكونون جهلة في الأمور الدينية, لكن دعنا نتحدث عن طلبة العلم الشرعي… المفترض عليهم أن يبحثوا عن الحق بدلاً من استصدار الفتاوى, ألا توافق ذلك؟.
– دعني أقل لك, طلبة العلم الشرعي المفترض فيهم البحث عن الحق وألا يبحثوا عن الآراء التي توافق هواهم, وكما تعرف أن بعض الناس لديه رأي خاص به ويريد أن يدعمه برأي عالم له كلمته وثقته عند الناس, فيبدأ بتفصيل السؤال من أجل الحصول على إجابة توافق هواه ويسعى من أجل الحصول على إجابة وهذا يخالف في الحقيقة الأمانة الشرعية التي يجب أن يحملها طالب العلم, فمثلاً تكون هناك مسألة مباحة لكن طالب العلم هذا يرى أنها حرام فيبدأ بالسعي ثم السعي من أجل الحصول على رأي يؤيد قوله ثم يبدأ بنشره ليدعم رأيه ويحاول موافقة رغبته من قبل الشيخ ويبدأ بالاسترسال في السؤال بتفاصيل خيالية ليكون الحكم الذي يريد, وهنا أنا لا أتكلم عن الشيخ ابن باز فقط بل غالب العلماء يأتون إليهم بعض الطلبة الذين لديهم أهواء معينة ويبحثون عن الحكم الذي يحقق لهم أمنية معينة فقط.
* الشيخ ابن باز رحمه الله طيلة مسيرته في الإفتاء, لم يحاول إصدار بيانات من أجل إرضاء طلبة العلم لديه, ماذا كانت سياسته في ذلك؟.
– توجه سماحة الشيخ رحمة الله عليه ما كان يرى أن هذا الأسلوب مناسب في المشاركة العلمية أو في إبداء الرأي في مسألة معينة, لأن أبواب ولاة الأمر مفتوحة للعلماء وكان يرى رحمه الله أن البيانات من الأمور المحرضة على الفوضى بشكل غير مباشر, وما دام أن أبواب ولاة الأمر مفتوحة فلا يحتاج إلى إصدار بيان لأن فيها من الشغب وتفرقة الصف والبلبلة ما الله به عليم, ولأنه قد نجم عن البيانات سوء أكثر مما أصدرت لأجله.
* شيخ أحمد, ما رأيك في ظاهرة الإفتاء الحالية خصوصاً في ظل ظهور برامج إفتاء بشكل غير طبيعي, هل ترى أنها تشكل خطورة على الفتوى والتضييق على الناس؟.
– نحن بحاجة إلى ظهور مفكرين ومربين وفقهاء متخصصين في فقه الواقع, أما المفتون فأظنها ليست إيجابية كثرتهم, نحن بحاجة إلى المفكرين والمربين أكثر من حاجتنا للمفتين, وكثرة المفتين تدفع الناس للسؤال وبعضه يسأل بدون هدف بل يسأل عن أشياء سكت الإسلام عنها رحمة بالمسلمين وفجأة تجد أن السائل يسأل… لماذا؟.. لأنه توفر له بيئة تجيب عليه. ظاهرة غير صحية برامج الإفتاء, وهي تخلق أزمة بدلاً من أن تحل مشكلة, يجب أن يكون هناك حل للحد منها والناس للأسف أصبحوا يكررون الأسئلة حتى لو عرفوا الإجابة.
* هل تقصد أن فيها تضييقاً على الأمة مثلاً؟.
– بالضبط, تجد أن الإنسان من أول ما يستيقظ في الصباح يبدأ بالتفكير في الاتصال على برنامج إفتاء أو على شيخ لسؤاله عن مسألة معينة هل هي حرام أم حلال, الأوامر واضحة والنواهي واضحة والأمور الملتبسة قليلة وكثرة المفتين وكثرة برامج الإفتاء محرضة على السؤال ويكثر السؤال عما هو موكل إلى رأي الإنسان وقلبه.
* إذاً أنت معارض لبرامج الإفتاء؟.
– أعتقد أن برامج الإفتاء ليست ظاهرة صحية, أتمنى أن تكون برامج الإفتاء مثل برنامج الشيخ سلمان العودة مثلاً يناقش قضايا واقعية وفقهية تهم الجميع وتهم الأمة الإسلامية وليس برنامجاً كاملاً للإجابة على أسئلة مكررة أو مصطنعة.
* موضوع برامج الإفتاء والفضائيات أعادني إلى موضوع مهم، كان قديماً ثم عاد قبل سنوات, وهو موضوع اختراع القصص والكذب في الدعوة من قبل بعض الوعاظ من أجل تخويف الناس سواءً بعذاب القبر أو الموت, لماذا يلجأ الواعظ إلى هذه الطريقة برأيك؟.
– إما أن يكون الدافع هو الجهل, لأنه في هذه الحالة أشبه بأن يكون عامياً لا طالب علم, أو أن يكون السبب حب الظهور مثلاً, وإلاّ فالمفترض على المسلم الابتعاد عن الكذب واختلاق القصص، ومن يرد أن يدعو فعليه أن يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة. والواعظ يعلم جيداً أن القصة الخيالية سيتم تداولها على ألسنة الناس باسمه فمن الطبيعي أن تجلب له الجماهير.
* رسالة أخيرة للقائمين على الشأن الديني وخصوصاً الإعلامي منه في السعودية؟.
– نحن بحاجة إلى فتح برامج حوارية أكثر من حاجتنا إلى برامج الإفتاء, والرسالة قد تكون طويلة لكنني سأختصرها بأن برامج الإفتاء مضارها أكثر من منافعها حتى لو كنا لا نعلم, يجب أن نفتح ونطلق برامج حوارية دينية تصنع الوعي أفضل من التسابق في إطلاق برامج إفتاء تضيق على الأمة بدلاً من أن توسع عليها,كما أوجه رسالة للذين يختلقون القصص من أجل الدعوة إلى الله, المسلم لا يخاف من الموت فكيف تخالفون القاعدة وتخوفونه من الموت ومن عذاب القبر وتخترعون القصص والروايات لذلك؟…المشكلة أن المؤمن لا يكذب ومع ذلك كثير من الدعاة يمارسون الكذب في دعوتهم إلى الله.. والله أعلم.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com