بالصور .. الأمسية الأدبية ‘‘تحقيق المرويات الأدبية: ضرورته ومنهجه’’ للدكتور عبدالله الرشيد


الأستاذ بقسم الأدب بجامعة الإمام محمد بن سعود:

بالصور .. الأمسية الأدبية ‘‘تحقيق المرويات الأدبية: ضرورته ومنهجه’’ للدكتور عبدالله الرشيد



زياد الدغمي - إخبارية عرعر:

أقام النادي الأدبي الثقافي بالحدود الشمالية، أمسية أدبية حول موضوع ‘‘تحقيق المرويات الأدبية: ضرورته ومنهجه’’، كان فارسها الأستاذ الدكتور عبدالله بن سليم بن أحمد الرشيد الشمري، الأستاذ بقسم الأدب بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض. كما أدار الندوة الأستاذ الدكتور حسن البنا عزالدين، الأستاذ بقسم اللغة العربية، كلية التربية والآداب، جامعة الحدود الشمالية.

حدد الدكتور الرشيد في بداية محاضرته ما يقصد بالمرويات الأدبية، وحصرها في ‘‘الأخبار المتصلة بالأدباء منذ بدء التدوين حتى نهاية القرن الخامس الهجري’’، أي منذ كتاب فحولة الشعراء للأصمعي (121-216هـ) حتى محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني (ت. 502هـ). قسم الأستاذ المحاضر المرويات الأدبية إلى عدة أنواع: نوع مبني على الحقائق التاريخية، وهذا النوع لا يمكن تركه دون تمحيص وبحث في أصوله، وخصوصاً إذا كان يحمل أحكاماً تاريخية. كذلك يمثل نوعاً ثانياً ذلك المبني على إيراد أسماء أعلام حقيقيين أو يظن في وجود حقيقي لهم، مثل مجنون ليلي، وعنترة بن شداد. هذا النوع متصل بتاريخ الأدب، وينبغي تحقيقه حتى لا يبنى هذا التاريخ على مرويات مشكوك في صحتها إلى درجة كبيرة. أما النوع الثالث من المرويات الأدبية فهو نوع يتصل بالمسامرة والمفاكهة وأخبار الظرفاء وكثير من الأخبار في سيرة أبي نواس.

أعطى الأستاذ المحاضر أمثلة من كل نوع من أنواع المرويات الأدبية ليدلل بها على وجاهة طرحه للموضوع وأهمية استكشاف ضرورته ووضع منهج صحيح لتحقيق تلك المرويات وتخليصها مما لحقها من وضع وتزييف لا يتصل بالحقيقة التاريخية أو الأدبية. من هذه المرويات مثلاً ذلك الخبر الشائع عند الأدباء حول احتفال القبائل العربية بالشاعر الذي ينبغ فيها. هذا الخبر سائر في كتب تاريخ الأدب على أساس أنه أمر لا شك فيه. لكن الدكتور الرشيد أوضح أن أول من ذكر هذا الخبر هو ابن رشيق (المتوفى في 456هـ أو 463هـ) في كتابه العمدة في صناعة الشعر ونقده. فكيف لا نجد ذكراً لهذا الخبر مدوناً إلا في القرن الخامس الهجري وهو يفترض أنه ينسحب على تقليد أدبي يعود إلى ما قبل الإسلام. مثال آخر ضربه الدكتور الرشيد من المرويات الأدبية يتمثل في خبر وفادة الأعشى الشاعر الجاهلي على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقصة علي بن الجهم مع المتوكل وأبيات ابن الجهم في وصف المتوكل:
أنت كالكلب في حفاظك للود (م) وكالتيس في قراع الخطوب
أنت كالدلو، لا عدمناك دلوا من كبار الدلاء كثير الذنوب
تقول القصة إن المتوكل عندما سمع عرف حسن مقصد الشاعر وخشونة لفظه، وأنه ما رأى سوى ما شبهه به، لعدم المخالطة وملازمة البادية، فأمر له بدار حسنة على شاطئ دجلة، فيها بستان حسن، يتخلله نسيم لطيف يغذّي الأرواح، والجسر قريب منه، وأمر بالغذاء اللطيف أن يتعاهد به، فكان – أي ابن الجهم – يرى حركة الناس ولطافة الحضر، فأقام ستة أشهر على ذلك، والأدباء يتعاهدون مجالسته ومحاضرته، ثم استدعاه الخليفة بعد مدة لينشده، فحضر وأنشد قصيدته:
عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

فقال المتوكل: لقد خشيت عليه أن يذوب رقة ولطافة.
يعلق الدكتور الرشيد على هذه المروية الأدبية بقوله: هكذا وردت القصة – بتصرف يسير – في محاضرات الأبرار ومسامرات الأخيار لابن عربي الصوفي وعنه نقل محمد أحمد جاد المولى وصاحباه في قصص العرب وخليل مردم في تحقيقه لديوان علي بن الجهم. فالمصدر الأول واحد لا ثاني له، وقد حاولت أن أجد لها أصلاً في كتب المتقدمين كالجاحظ وابن قتيبة والمبرد وابن عبد ربه وآخرين فلم أقع على شيء من ذلك ، وهذا وحده كاف في بيان وهن القصة. لقد أسند ابن عربي رواية القصة إلى مجهول فقال:‘‘حكى لنا بعض الأدباء …’’، مما يزيد في ضعف القصة؛ لأن ابن الجهم المتوفي في 249هـ يبعد عن ابن عربي المتوفي في 638هـ ما يقارب أربعة قرون، فأين انزوت هذه القصة الطريفة طوال أربعمائة سنة ؟! كذلك فإن ابن عربي نفسه متّهم في دينه ، مطعون في إيمانه ،بل متهم بالكفر ، نقل ذلك فيمن نقل الذهبي في سير أعلام النبلاء. فهذا الذي يتهم بالكفر كيف لا يتهم بصناعة قصة طريفة يأنس بها الناس ويهشون إليها ؟
أما وقد تسرّب الشكّ إلى نفسك في صحة هذه القصة – من حيث تفرّد امرئ مغموز في دينه، متأخّر زمنه بروايتها – فإن متن القصة يحوي شيئاّ يكذبها :
قال: ‘‘إن علي بن الجهم كان بدوياً جافياً، والتاريخ يقول خلاف هذا، ففي معجم الشعراء للمرزباني أن أصله من خراسان، ولا يعني هذا أنه غير عربي، ونقل عمر فروخ في تاريخ الأدب العربي أنه ولد ببغداد عام 188هـ، وفي طبقات الشعراء لابن المعتز ما يدل على أنه حضري لا صلة له بالبادية ، فقد روي أنه حبس في المكتب، فكتب إلى أمه :
يا أمّـنا أفـديك من أمّ أشكو إليك فظاظة الجهم
قد سرّح الصبيان كلهم وبقيت محبوسـاً بلا جرم
وفي تاريخ الطبري أن علي بن الجهم مدح الواثق بعد أن ولي الخلافة، وهذا يدلّ على صلته بالخلفاء قبل المتوكل، وعلى معرفته بما يلائم وما لا يلائم من فنون القول وضروب التشبيه. يضيف الدكتور الرشيد تعليقاً على هذه القصة أن فيها لفحة شعوبية تريد تصوير العرب أجلافاً لا يعرفون ذوقاً، ولا يدركون الحسن من السيئ، ولذا جاء هذا البدوي فشبه الخليفة بالتيس والكلب والدلو – على سليقته زعموا – وعنده أن هذه الأشياء خير ما يشبه به. والتاريخ الأدبي يكذب هذه الفرية، فالعرب لم تمدح أحداً بتشبيهه بالحمار أو التيس أو الكلب، وهذا أدبهم بين أيدينا، إنما شبّهوا بالبحر والقمر والشمس والسماء والجبل وغيرها من المشبهات الحسنة، أما عند الهجاء فلا عجب أن يشبهوا بالكلب أو الدلو أو ما قلّ وحقر في عيونهم. هذا وقد وصف خليل مردم هذه القصة بأنها خيالية، وقال: إن أثر الوضع ظاهر عليها (انظر ديوان ابن الجهم ص 117،143) ولكنه لم يبيّن سبب شكّه، ومع ذلك أثبت البيتين الواردين فيها ضمن الديوان (ص117) واكتفى بقوله: ‘‘والذي نراه – إن صحت نسبة البيتين له – أنه قالهما في أحد مجالس المتوكل يعبث ببعض الندماء أو المضحكين.’’ فإذا ثبت فساد القصة – وقد ثبت – فلا يصحّ أن يلحق البيتان بديوان ابن الجهم؛ لعدم ورودهما في المصادر المتقدمة، ولو أن محقق الديوان جعلهما في آخر الديوان في ضمن ما ينسب للشاعر مع تحقيق ذلك لكان أولى.
الجدير بالذكر أن الأستاذ المحاضر الدكتور الرشيد أشار في نهاية محاضرته القيمة أن بعض الباحثين قبل اهتم بجوانب للموضوع مثل مختار الغوث الذي عمل على أخبار السمؤال وأشعاره، وعبدالله الخلف الذي عمل على مجتمع الحجازيين بين الروايات التاريخية والمصادر التاريخية، وقد أُثنى على ما سبقه إلى التنبيه على الموضوع وأهميته ودراسة بعض جوانبه وأكد ضرورة الاستمرار في تنقيح تاريخنا الأدبي من هذه المرويات التي سرعان ما يتضح عدم صحتها عند الفحص والتثبت والتحقيق، وبالتالي يمكن نقض ما يمكن أن يبنى على أساسها من أحكام حول العرب وتاريخهم الأدبي.
بعد إلقاء الدكتور الرشيد قام بالمداخلة والمناقشة عدد من الحضور منهم الدكتور صغير العنزي رئيس قسم اللغة العربية بكلية التربية والآداب وأساتذة القسم: الدكتور محمد وراري والدكتور الحسين النور يوسف والدكتور محرز بوديه والدكتور فتحي خليفي والدكتور الهادي العيادي ، والأستاذ المحاضر بدر بن طاهر. كذلك طرحت الباحثة المعيدة بالقسم الأستاذة منى خالد سؤالاً على الأستاذ المحاضر حول البعد الشفوي والكتابي لهذه المرويات. وقد أشار الأستاذ المقدم الدكتور حسن البنا عزالدين في بداية تقديمه للمحاضرة أهمية النظر إلى موضوع المرويات الأدبية إلى البعد الثقافي لهذه المرويات في شكلها الكتابي العباسي، ودورها في تشكيل قصص شعبية عجائبية وغير عجائبية، وهي قضية أثارها بعض الباحثين المعاصرين مثل الدكتورة ضياء الكعبي في كتاب مشترك لها مع الدكتور معجب العدواني بعنوان ‘‘السرديات الشعبية .. التمثيلات الثقافية والتأويل’’ (2014).
وفي نهاية الأمسية كرّم رئيس مجلس إدارة النادي الأستاذ ماجد المطلق بمشاركة الدكتور صغير العنزي الضيف ومدير الأمسية .

thumbnail_ir7a8954

thumbnail_ir7a8960

thumbnail_ir7a8966

thumbnail_ir7a8983

thumbnail_ir7a9015

thumbnail_ir7a9020


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com