حسن الخلق


حسن الخلق



[ALIGN=JUSTIFY]أرسل الله عز وجل رسوله عليه الصلاة والسلام هاديا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا , كمل الله به الدين وأتم به النعمة , ومن كمال هذا الدين عنايته بمكارم الأخلاق , فمن مقاصد بعثة النبي عليه الصلاة إتمام مكارم الأخلاق كما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ” : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ”

أخرجه مالك في الموطأ بلاغاً . وقال ابن عبد البر : متصل الإسناد من طرق صحاح , ولهذا فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان أكمل الناس خلقا, إذ كان عليه الصلاة والسلام خلقه القرآن . فعن عائشة رضي الله عنها : عندما سئلت عن خلق رسول الله  قالت : كان خلقه القرآن ” , ثم أن التحلي بمكارم الأخلاق ليس نافلة من القول بل , بل هو من صميم دين المسلم , ولهذا لما سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن الدين , قال عليه الصلاة والسلام ” الدين حسن الخلق ” أخرجه مسلم , فالأخلاق هي الدين , ولذلك لا يمكن للعبد أن يؤدي العبادة كما أراد الله تعالى من غير خلق كريم , ولهذا جاءت أحكام الأخلاق وتكاليفها على أقسام ثلاثة : حقوق إلهية تتمثل بما يجب علينا من الإيمان بالله وطاعة أوامره ، وحقوق شخصية تتمثل بحقوق التملك والتصرف ضمن حدود الأخلاق ، وحقوق جماعية تتمثل بحقوق التعاون والدعوة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, ولهذا أكثر ما يدخل الناس الجنة الخلق الحسن ولذلك عندما سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال : ” تقوى الله وحسن الخلق ” أخرجه الترمذي , فالخلق الحسن عبادة يحتاجها العبد في جميع العبادات, فالإخلاص من محاسن الأخلاق يحتاج العبد إليه في جميع العبادات والخشوع كذلك والإخبات لله تعالى , والعطاء من غير من ولا أذى نحتاج إليه في الصدقة والزكاة والإنفاق على الأسرة , ونحتاج إلى مخالقة الناس بخلق حسن من كف الأذى وبذل الندى وطلاق الوجه, إذا فالأخلاق يحتاج إليها العبد في كل لحظة وفي كل عبادة وفي كل تعامل مع الناس .
ولهذا نجد أن من مقاصد العبادات تأصيل مكارم الأخلاق , فالصلاة خضوع وخشوع وإخبات لله تأصل صاحبها على مكارم الأخلاق وتبعدها عن مساوئها فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر

والزكاة تطهر النفس من الجشع والشح , وتربي المزكي على حب المساعدة وبذل المعروف , والأخذ بيد المحتاج , والصيام يربي العبد على الصبر والتضحية , ويذكره بإخوانه أهل الحجة فيحيي به صفة الرحمة , والحج يؤصل في الحجيج التواضع والألفة والأخوة الإسلامية وهكذا سائر العبادات .

ومما يميز الأخلاق الإسلامية أن مصدرها الوحي المنزل على نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام , فهي قيم ثابتة تصلح لكل زمان وفي كل مكان , وتصلح لكل المجتمعات , ومما يميز الأخلاق الإسلامية أن يجعل العبد يحرص على امتثالها التعبد لله تعالى وصدق الإيمان فأكمل الناس إيمانا أحاسنهم أخلاقا .

مما يراه المسلم ويدمي قلبه غفلة كثير من المسلمين عن محاسن الأخلاق , فتجد بعضهم وهو يؤدي فريضة الحج يقع في مساوئ كثيرة من مساوئ الأخلاق , فقد يصلي ويصوم ويحج ويزكي وربما وقع في مساوئ كثيرة وهو متلبس بهذه العبادات العظيمة .
والسبب في ذلك أن بعض الناس يجهل فضائل الأخلاق ومنزلتها من الدين , وبعض الناس يعلم بفضائل الأخلاق ومنزلتها من الدين إلا أنه صاحب طبع غضبي , يفقده غضبه كثير من الفضائل , ولذلك لما سئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن الخلق الحسن ” قال أن لا تغضب ولا تحتد ” ومن كان هذه حاله فهو بحاجة إلى المجاهدة لنفسه وتزكيتها ودفع أسباب الموجبة لمساوئها , والعلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن صبر صبره الله .
وكذلك بعض الناس يغفل عن هذه الفضائل فهو يحتاج إلى تذكير مستمر .
وكذلك من الأسباب ضعف المراقبة لله تعالى فإذا حقق حسن المراقبة لله تعالى فهو بل أن يتكلم بكلمة أو يتصرف فعل أو يضع في قلبه بنية أو معتقد ينظر هل يرضي الله تعالى أم يغضب الله عز وجل .
ومن الناس من يجهل كيف يقاوم الغضب بالطرق الشرعية لأن الغضب سبب لمساوئ الأخلاق من النفث والاستعاذة من الشيطان والوضوء والجلوس للقائم والاضطجاع للقاعد وهكذا,
ومن الناس من يجهل كيفية التعامل مع الآخرين , فالإنسان في يومه يتعامل مع الصغير والكبير والعالم والجاهل والغضوب والحليم , وكل واحد من هؤلاء يحتاج إلى فن في التعامل معه , وقد ورد في الشريعة الإسلامية كيف يتعامل العبد مع هذه الفئام في نحو قول الله تعالى ” والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ” وفي مثل قوله تعالى ” وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ” وفي مثل قول النبي عليه الصلاة والسلام ” ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد من يملك نفسه عن الغضب ”
والحقيقة أن العلاقة بين العبادات والمعاملات علاقة وطيدة فالعبادات حق لله تعالى والمعاملات حق للعبد على نفسه وحق للعبد على إخوانه وحق للإخوان على أخيهم وهذا مابينه النبي عليه الصلاة والسلام في حديث الحقوق ” اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس خلق حسن ” .
ولذلك فإنني أرى أن الأمة تعيش أزمة أخلاقية تحتاج مزيد جهد من علماء الأمة ودعاتها وأئمتها في بيان هذه المسائل وتوضيحها والنزول إلى مستوى الناس وإقناعهم , وبيان علاقة الأخلاق بالعبادات وعلاقة العبادات , وخطر الأخلاق السيئة على العبادات في مثل حديث المفلس , وغيرها من النصوص الشريعة
أسأل الله السداد والتوفيق للجميع
وصلى الله وسلم على نبينا محمدا وآله وصحبه وسلم

[COLOR=darkred]خالد بن جريد العنزي
مساعد مدير عام فرع الوزارة بمنطقة الحدود الشمالية[/COLOR]

[/ALIGN]


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com