من ظلام الرقص الى نور الحياة


من ظلام الرقص الى نور الحياة



[COLOR=blue][SIZE=5][ALIGN=CENTER][U][B]من ظلام الرقص الى نور الحياة![/B][/U][/ALIGN][/SIZE][/COLOR]

[SIZE=4][B]

صنعت ورواد المرقص صفا طويلا لة شكل الدائرة ، بدئنا بالدبكة وبالرقص ، حركاتنا منضبطة ، وأيقاعاتنا منتظمة ، وأيدينا ممسكة ببعضها البعض ، اقدامنا بدأت تضرب الأرض برتم خفيف ، ثم بقوة تدريجية متناسقة ، رؤوسنا أخذت بالأهتزاز والتميايل طربا ونشوة ، أخذت ورواد المرقص بالدبك بعنف وبدك الأرض دكا دكا ، نفوسنا منتشية ، وحركاتنا قوية ناشطة ورشيقة ، بدأت أجسادنا تدور ، والأكتاف تتلامس ، والأيادي تتشابك ، والأرواح تتآلف ، والمغني يغني: ( يم ثوب أحمر نص ردان حطيني بحضنك بردان ) يتحول المغني بعدها الى لحن آخر: ( ياعرب الشرقية دقو التشاسر عا التشاسر وانا بهوى بنيتهم عالفرقة ماني قادر ) يعرج بنا الى ألحان وألوان آخرى متنوعة وشتى: ( بيت الشعر يالمبني تحتك عشيري نايم ، ويابو قضاضة بيضاء حول علينا حول ، وراعي غنم راعي حيل يسأل عالماقف وينة ، وحوح وحوح بردانة بية حمى وحرارة ، وراعي الغنم ياراعي واندة وأسمي حليمة وأحط أثمي عا أثمك وأرضع رضع الفطيمة) أزددنا دبكة مع كل لحن جديد وأزددنا حماسا ونشاطا حتى أصبحنا تحت تأثير النشوة والشموخ من أثر الموسيقى الصاخبة المخلوطة من بينانو وطبل ومزمار ، رقص ، رقص ، موسيقى وغناء ، لاشيء في تلك الليلة غير الرقص وغير الموسيقى وغير الغناء ، صالة الرقص لها ألوان باهرة جذابة وملونة ، ولها ديكورات راقية التصميم ، وروائح عطرية مغرية ونافذة ، ونساء غجريات فاتنات يتقن فن الرقص ، وفن المرح ، وفن الملاطفة ، يزرعن في الحضور مزيدا من التوهج ، ومزيدا من النشوة ، ليصنعن أحتفالية حالمة في ليل صيفي بهيم ، والنادل يدور في كل الأتجاهات ملبي الطلبات بأبتسامة تنم عن حرفية مهنية ذكية وعالية ، أصوات صاخبة عالية ومرتفعة ، وإيقاعات مجنونة ، وتبدلات ألوان ضوئية صارخة ، والليل يبدو بلا نهاية ، في لحظة شعرت بالوهن وأشتهاء التقيؤ ، في الطرف القصي من الصالة جلست بتعب لكنني مازلت أتابع حركات الراقصين وكأنهم في سباق مع الذات ومع الوقت ، سألت نفسي كيف جئت لهذا المكان ، لكنني جئت وكفى ، تمضي أحتفالية الرقص لأتذكر وجة أمي الذي يشبة الشمس ، وهي (تخض) (صميل) اللبن لتستخرج الزبدة ، وكيف كانت (تشكل) أطراف ثوبها عن ذراعيها لتوقد النار لتبدأ الخبز على (الصاج) أستعدادا لتقديمة لوالدي ذا الملامح الصارمة السمراء لكنة لطيف وعفيف ، الذي بدورة يتهيأ للذهاب الى (شياهه) (الدرع) متدثرا بــ (فروتة) ( الرعيانية) الثقيلة لتحمية من لسعات البرد الثقيل في براري الشمال النائية ، تنقلة اليها شاحنتة (الحصينية) الملوثة بالطين وبالوحل ، في صباح شتوي مطير ، لتترك هذة الصور في نفسي حزنا عميقا وعدم متعة ، بدأت أفقد البهجة شيئا فشيئا ، لأرى نفسي خارج صالة الرقص ، مشيت في العتمة ، الريح ساكنة ، والليل حالك ، إلا من بقايا أضواء خافتة لسيارات عابرة ، الأشجار المحاذية للطريق ورائحة الندى يبهران المكان ، تمتمت ببعض الأدعية ، ورددت بعض الآيات ، وعيناي تدمعان ندما وأسى وحسرة ، عبرت الشارع الآخر ، الفجر بدأ يلوح ويدنو ، والمدينة تتهيأ للأستيقاظ ، والمطر يهطل بقدر ، لا أحد في الشوارع ، سوى بعض الكلاب الضالة التي أختفت بعد حين مصحوبة بصدى نباحها ، كأن المدينة أخليت من ناسها ، ثمة رائحة غريبة يقذفها هواء الليل ليزكم بها أنفي ، ربما كانت لحيوان نافق ، أو أنها تأتي من أكوام الزبالة في الساحة المحاذية ، أسرعت لأدلف داخل غرفتي لأصلي ، قلبي معصور ومنقبض ، كأن يدا بعشرات المخالب تحاول أسكات نبضاتة ، والقشعريرة تهاجم جسدي النحيل وترجة فترتج معة أوعيتي الدموية ، صليت كثيرا دعوت وأكثرت ، شعرت بالبرد ، أحتسيت شايا حارا ، وقضمت أطراف أصابعي كالصغار ، تدثرت بالأغطية بعنف ، تذكرت ليلة الرقص تلك ، بكيت طويلا ، ثم قرأت تراتيل الرحمة ، وأدعية السلام ، ورجاء المغفرة ، ثم نمت بعمق ، لأصحو متسائلا بوحشة تحيط بي: أين أنا وفي أي زاوية من العالم؟ بعدها أقسمت مقاطعة صالات الرقص وعفونتها ، وألوان أضوائها الملونة الباهتة ، ونسائها الغجريات ذوات الأجسام البلورية ، لأخرج بعدها من ظلام الرقص الى نور الحياة ومصابيح الهدى.

[U][COLOR=darkred]إشارة: [/COLOR][/U]
أسمي (زين) أنا صاحب القصة أعلاه أعمل حاليا طبيبا ماهرا في أحد التخصصات النادرة ، بعد أن قهرت نفسي والهوى ومضيت نحو العلا.

رمضان جريدي العنزي
كاتب صحفي في جريدة الجزيرة[/B][/SIZE]


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com