[ALIGN=CENTER][COLOR=blue]من سرق خمسين الكيرم؟[/COLOR]
في لعبة الكيرم القديمة والشهيرة تكثر السرقات الطفولية للفئات الأصغر والتي لا يلتفت إليها أحد في الغالب مثل حبة الخمسة والعشرة ، ولكن علمتنا لعبة الكيرم أن من يسرق الصغيرة يتجرأ ويسرق الكبيرة ، و بما أن لعبة الكيرم الخشبية الصغيرة مكشوفة الحسابات فإن السرقة تبدو صعبة إن لم تكن مستحيلة ، فسرقة حبة الخمسين أكبر غلطة يرتكبها اللاعب الغبي.
يالروعة الحسابات المكشوفة لا أحد يتجرأ على سرقة تبدو مكشوفة للجميع!
في مجتمعنا المحلي لا تبدو حساباتنا الاجتماعية مكشوفة ، لذلك تظهر سرقات حقوقية ـ إن صحت التسمية ـ ، وتظهر تناقضات لا داعي لأكثرها .
خذوا مثلاً الرياضة النسائية في صالات مغلقة وإدارة نسائية بحتة ، الكل يتحرج من الموافقة عليها ، بل حتى في مدارس البنات الأمور غير واضحة المعالم ، لا أدرى ما الضرر من ممارسة البنات للرياضة في مدارسهن ؟
أليست الرياضة مفيدة للجسم والعقل ؟
ألسنا من أكثر مجتمعات العالم النسائية معاناة من السمنة ؟
هل الرياضة في نظر هؤلاء الممانعون هي زي يفتقد للحشمة فقط ؟
أسئلة كثيرة تبدو حائرة ومملة لم نجد لها إجابات منطقية ، وبقاؤها طويلاً على طاولة النقاش جعلها ككرة الثلج كلما دحرجها النقاش أصبحت أكبر وأكبر ، ولا فائدة من نقاش لا يتفق فيه الطرفان على أهمية الموضوع المناقش .
أتذكر في هذا السياق (الثلجي) أنني اقترحت إنشاء نادي نسائي مغلق بحصون تفوق حصون غوانتيمالا ، وتفاجأت برد رئيس هيئة سابق كان زميلاً لي في ذات الاجتماع الخيري (التطوعي) والذي ترعاه وزارة الشؤون الاجتماعية ، تفاجأت برده بأن ذلك ممنوع نظاماً في المملكة ، ولا أدري هل أفتى فضيلته على علم أم أنه أراد إجهاض الفكرة قبل ولادتها ؟
والحديث عن مجال الرياضة في بلادنا يستثير في ذهني العديد من الأسئلة الحائرة عن الغياب شبه التام للمرأة عن هذا المجال ، وكأنه محرم بالإجماع ، حتى حضور المرأة للمنافسات الرياضية مع زوجها وأبنائها ممنوع في ملاعبنا وكأنه محرم بصريح النصوص القرآنية .
ما الحكمة من منع المرأة من حضور المناسبات الرياضية في ملاعبنا ؟
إن كان القصد هو الاختلاط ، فهذه حلها بسيط عن طريق تخصيص بوابات خاصة للنساء وأخرى للرجال ، وإن كان القصد ضيق المنشآت الرياضية في بلادنا مثلاً ، فيجب أن توسع هذه المنشآت والملاعب وتبنى أدواراً إضافية فيها فبلادنا مقبلة على العديد من التطلعات الرياضية مثل استضافة المناسبات الرياضية الكبرى وغيرها ، لا يجب أن نقف في مكاننا فالعالم يتحرك سريعاً من حولنا ، والرياضة رسالة مؤثرة يمكن استثمارها لنشر الثقافة الإسلامية ، وهي أيضاً مجال اقتصادي رائع والاستثمار فيه مضمون لصالح أجيالنا التي بدأت تلمس بوضوح آثار البطالة وغزو العمالة الوافدة ، فالرياضة فيها مجالات كثيرة للمرأة والرجل ، والمرأة من حقها المشاركة كالرجل في أجواء تحفظ لها كرامتها وتصون عفتها التي نفخر بها كمجتمع إسلامي أنصف المرأة وأعطاها حقوقها .
في التسعينات الهجرية كانت نساء محافظة رفحاء تصطف على مرتفع يحيط بملعب كرة القدم في تلك المحافظة الصغيرة التي تزينت بقلوب ناصعة لم يشوها سوء الظن والتربص بالآخرين .
كنت أراقب هذا المشهد بأم عيني ، وكانت النساء تصفق بحرارة وتطلق الزغاريد لحظة نزول الفريق من مقره المجاور للملعب ، كان منظراً مألوفاً للجميع وكانت المحافظة تلتقي في الولاء التام لفريقها ، ووجود نساء المحافظة كان يضفي الحماسة في قلوب الجميع ، ولا أحد ينكر دور المرأة في إذكاء حماسة الرجال قديماً وحديثاً ، هل تريدون أن نتحدث عن الحروب القديمة على سبيل التذكير ودور المرأة المسلمة مثلاً ؟
المهم أنه لا أحد يستنكر حضور المرأة للمباريات في تلك الأيام ، فما الذي جعله مستنكراً هذه الأيام ؟
إن حضورها له عدة فوائد اقتصادية ومجتمعية ، فحضورها من حقها أولاً وأفضل ألف مرة من تسكعها بالأسواق بلا فائدة لأنها لا تجد متنفساً مناسباً غيرها ، فالرياضة متنفس شريف ولها شعبية عند النساء والرجال ، وثانياً فيه دعم للرياضة السعودية سواء اقتصادياً بزيادة المبيعات أو تنافسياً بزيادة روح الحماس والمنافسة ، وثالثاً وجودها يفتح لنا آفاقاً جديدة مثل انخراطها في الإعلام الرياضي بأنواعه وفي الطب الرياضي والأمن النسائي وغيرها من المهن التي لا تتعارض مع شريعتها ووقارها ، ففوائدها أكثر من مجرد درء المفاسد ، وإذا اعتاد الأطفال حضور أمهاتهم وشقيقاتهم إلى الملعب فسيحترمون هذا المنظر تماماً مثلما كنت أفعله وأنا صغير .
لا أدري لماذا أشعر أن كثيراً من حقوق المرأة الرياضية قد سرقت تماماً مثل سرقة حبة الخمسين في الكيرم ، فالكل يشاهد قرارات تحرم المرأة من أبسط الأشياء ، والعالم كله لا حظ حبة الخمسين المفقودة في مجتمعنا.
إن نصف المجتمع بات مغيباً عن مجالات نحتاجها كثيراً دون أن ندري لماذا ؟
[COLOR=blue][ALIGN=RIGHT]منيف خضير[/ALIGN][/COLOR][/ALIGN]