المقال الأكثر سخونة للكاتبة الدكتورة بدرية البشر


المقال الأكثر سخونة للكاتبة الدكتورة بدرية البشر



عادت مجدداً الكاتبه د.بدرية البشر لطرح أفكارها ورؤاها مع شيء من السخرية والإيحاءات التي تهدف من خلالها إلى معالجة ما تعتبره خاطئاً في المجتمع، حيث كتبت في مقالها اليوم ( شفناه وماشفتوه ).

[U]إخبارية عرعر تنشر المقال الذي نشر في الصحف هذا اليوم[/U] :

في الوقت الذي أعلنت فيه كندا توصلها إلى اختراع يوقف نمو الخلايا السرطانية، كنا في السعودية نختصم على رؤية الهلال بالتليسكوب أم بالعين المجردة، ونختصرها في معركة «شفناه وما شفتوه»، وقد بلغ الهجوم على الجمعية الفلكية بجدة التي أكدت استحالة رؤية الهلال في ذلك اليوم، أن أطلقت بعض الأصوات الأوامر على المشككين بأن يخرسوا، وساندتهم صحف محلية، فكتبت إحداها افتتاحية كادت تتشابه مع خطب القذافي حين قالت للمشككين: «مَن أنتم»؟

خصوم التيار الديني هذه المرة مختصون، تتفق شهاداتهم مع شهادات مراصد إسلامية وحكومية، اختاروا المواجهة بينما ارتضي الآخرون الصمت، فهل هؤلاء نسخة من الليبراليين الجدد أم أنهم خصوم جدد، لأنهم اختلفوا معهم، وهذا عادةً مصير المختلفين؟

مثلما تسيّست قضايا كثيرة، بأن أصبحت نزاعاً بين طرفين غلبةُ أحدهما تعني خسارة الآخر، أصبحت رؤية الهلال واحدة من هذه القضايا، لكن الطرافة فيها أن دعاة عدم التخصص هذه المرة هم مَن ينافسون الهيئات الفلكية في تخصصها، أو أنهم يعطون هذه المهمة أبعاداً ليست منها رؤية الهلال من عدمها.

مهمة رؤية الهلال حسمتها معظم البلدان الإسلامية بأن اعتمدت المراصد الفلكية كرؤية لا تتناقض مع الرؤية الشرعية، على قاعدة «إذا حضر الماء بطل التيمّم»، وإذا حضر التليسكوب بطلت العين المجردة، وبهذا أعلنت دولة خليجية مثل عُمان أن العيد هو يوم الأربعاء العاشر من سبتمبر، مثلها مثل اعتمادنا للحساب الفلكي في مواقيت الصلاة، فلا ننتظر أن نقيس الشيء وظله في كل توقيت، وتنطلق المآذن في وقت واحد من دون خصومة «شفناه وما شفتوه».

ورغم سماحة الرخصة التي تقول إن الصوم هو يوم تصومون والفطر يوم تفطرون حين تستحيل الرؤية، إلا أن ما لا نفهمه هو أن تتجاهل المحكمة العليا اليسر، في توافر الأدلة العلمية الموثوقة التي تؤكد عدم إمكان رؤية الهلال في تلك الليلة، وتتعلق بشهادة مستحيلة من باب العسر، وتصف الرائين بالعين المجردة بالأتقياء الصالحين، وكأنها تريد أن تجرد العاملين في الهيئات والجمعيات الفلكية، وهم من المسلمين، من هذه الصفة.

المؤسسة الدينية تجيز رؤية شهود عدول من المواطنين، ولا تجد في المواطن المتخصص الفلكي شاهدَ عدل، مثله مثل باقي المسلمين.

هذه الحادثة تذكرنا بأن خصومتنا القديمة مع قانون دوران الأرض لم تنتهِ بعدُ، وأنها تتجدد في صور متعددة. مات بعض شيوخنا وهم لا يعترفون بقانون دوران الأرض، فأوقعوا المدرِّس التقي في حيرة بين أن يدرِّس الطالب حقيقة علمية يسهل كشفها، وبين مخالفة قول شيخه، وقد بقي بعض المدرسين مخلصين لهذا الموقف الديني، يدرس ما هو في الكتاب ثم يعلن توبته منه بالاستشهاد بما قاله شيخه.

إنها ليست خصومة الدين مع العلم، لكنها خصومة رجال يريدون أن يضعوا أنفسهم فوق الحق برفضهم لمنطق علمي يقيني لصالح منطق ظني، وسنظل والحال هذه كل عام نطبع آخر أخبارنا مع العالم وفق قانون «شفناه وما شفتوه»، وفي وقت قاربت فيه أميركا أن تجعلك تقوم عبر الإنترنت بنزهة في النظام الشمسي، نرفض نحن اعتماد التليسكوب الذي تم اختراعه منذ أربعة قرون ونخاصم به معتقدنا الديني، مع أننا جميعنا نتناول حبة البندول حين نشعر بالصداع من دون أن نفقد إيماننا بأن الشافي هو الله، لكنها -على ما يبدو- قد تحولت مسألة عناد، والسلام.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com