ليلة القدر 2


ليلة القدر 2



[CENTER]ليلة القدر٢
بسم الله الرحمن الرحيم[/CENTER]

وبعد فقد ذكرنا في المقال السابق شيئاً من فضل ليلة القدر وعلاماتها ونذكر هنا أقوال العلماء في تحديد ليلة القدر وأرجى الليالي لإدراكها فنقول:قد تباينت أقوال العلماء في تحديد ليلة القدر تبايناً كبيراً ذكر جملة منها الحافظ جمال الدين عبد الرحمن بن رجب الحنبلي في لطائف المعارف وذكر منها الحافظ ولي الدين العراقي الشافعي -في تكملة شرح والده على تقريب الأسانيد المسمى- طرح التثريب ثلاثة وثلاثين قولاً واستقصاها الحافظ شهاب الدين أحمد بن على ابن حجر العسقلاني في فتح الباري وتبعه الفقيه محمد بن علي الشوكاني في نيل الأوطار فعدا نحواً من ستة وأربعين قولاً أو تزيد، وفي بعضِها تكرار، وبعضُها غير سديد وسنذكرها هنا للفائدة على سياق ابن حجر ولو كان في ذلك طول ونعلق عليها بما يزيد الفائدة ويوضح المراد قال الحافظ ابن حجر: وتحصل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولا ، كما وقع لنا نظير ذلك في ساعة الجمعة ، وقد اشتركتا في إخفاء كل منهما ليقع الجد في طلبهما.القول الأول : أنها رفعت أصلاً ورأسا حكاه المتولي -وهو أحد فقهاء الشافعية- في كتاب التتمة عن الروافض وحكاه الفاكهاني -وهو من فقهاء المالكية- في شرح العمدة عن الحنفية ، وكأنه خطأ منه . والذي حكاه السروجي من الحنفية أنه قول الشيعة . وقد روى عبد الرزاق من طريق داود بن أبي عاصم عن عبد الله بن يحنس قلت لأبي هريرة : زعموا أن ليلة القدر رفعت . قال : كذب من قال ذلك . ومن طريق عبد الله بن شريك قال : ذكر الحجاج ليلة القدر فكأنه أنكرها ، فأراد زر بن حبيش أن يحصبه فمنعه قومه.قال الحافظ العراقي في طرح التثريب قال النووي في شرح مسلم وأجمع من يعتد به على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر للأحاديث الصحيحة المشهورة ، قال القاضي عياض وشذ قوم فقالوا رفعت لقوله عليه السلام « حين تلاحى الرجلان فرفعت » وهذا غلط من هؤلاء الشاذين ؛ لأن آخر الحديث يرد عليهم فإنه عليه الصلاة والسلام قال « وعسى أن يكون خيرا لكم التمسوها في السبع والتسع » هكذا هو في أول صحيح البخاري وفيه تصريح بأن المراد برفعها رفع بيان علم عينها ولو كان المراد رفع وجودها لم يأمر بالتماسها انتهى وقال في شرح المهذب وكذا حكى أصحابنا هذا القول عن قوم لم يسمهم الجمهور وسماهم صاحب التتمة فقال هو قول الروافض . اهـ

القول الثاني : أنها خاصة بسنة واحدة وقعت في زمن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حكاه الفاكهاني أيضا .
الثالث : أنها خاصة بهذه الأمة ولم تكن في الأمم قبلهم ، جزم به ابن حبيب وغيره من المالكية ونقله عن الجمهور وحكاه صاحب ” العدة ” من الشافعية ورجحه. واختاره ولي الدين العراقي فقال في تكملة شرح التقريب لأبيه: وقد خص الله تعالى بها هذه الأمة فلم تكن لمن قبلهم على الصحيح المشهور.اهـقال ابن حجر: وهو معترض بحديث أبي ذر عند النسائي حيث قال فيه : ” قلت : يا رسول الله أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت؟ قال : لا ، بل هي باقية ” وعمدتهم قول مالك في ” الموطأ ” بلغني أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تقاصر أعمار أمته عن أعمار الأمم الماضية فأعطاه الله ليلة القدر ، وهذا يحتمل التأويل فلا يدفع التصريح في حديث أبي ذر .هذا كلام ابن حجر، وقال ابن كثير في تفسيره: اختلف العلماء هل كانت ليلة القدر في الأمم السالفة أو هي من خصائص هذه الأمة على قولين قال أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري حدثنا مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر وقد أسند من وجه آخر وهذه الذي قال مالك يقتضي تخصيص هذه الأمة بليلة القدر وقد نقله صاحب العدة أحد أئمة الشافعية عن جمهور العلماء فالله أعلم وحكى الخطابي عليه الإجماع والذي دل عليه الحديث أنها كانت في الأمم الماضين كما هي في أمتنا روى الإمام أحمد بن حنبل عن مالك بن مرثد بن عبد الله حدثني مرثد قال سألت أبا ذر قلت كيف سألت رسول الله عن ليلة القدر قال أنا كنت أسأل الناس عنها قلت يا رسول الله أخبرني عن ليلة القدر أفي رمضان هي أو في غيره قال بل هي في رمضان قلت تكون مع الأنبياء ماكانوا فإذا قبضوا رفعت أم هي إلى يوم القيامة قال بل هي إلى يوم القيامة قلت في أي رمضان هي قال التمسوها في العشر الأول والعشر الأواخر ثم حدث رسول الله وحدث ثم اهتبلت غفلته قلت في أي العشرين هي قال ابتغوها في العشر الأواخر لا تسألني عن شيء بعدها ثم حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اهتبلت غفلته فقلت يا رسول الله أقسمت عليك بحقي عليك لما أخبرتني في أي العشر هي فغضب علي غضبا لم يغضب مثله منذ صحبته وقال «التمسوها في السبع الأواخر لا تسألني عن شيء بعدها» ورواه النسائي .

ففيه دلالة على ماذكرناه وفيه أنها تكون باقية إلى يوم القيامة في كل سنة بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا كما زعمه بعض طوائف الشيعة من رفعها بالكلية على مافهموه من الحديث من قوله عله السلام «فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم» لأن المراد رفع علم وقتها عينا وفيه دلالة على أن ليلة القدر يختص بوقوعها في شهر رمضان من بين سائر الشهور لاكما روي عن ابن مسعود ومن تابعه من علماء أهل الكوفة ومن أنها توجد في جميع السنة وترتجى في جميع الشهور على السواء .اهـ .

كلام ابن كثير الرابع : أنها ممكنة في جميع السنة ، وهو قول مشهور عن الحنفية حكاه قاضي خان وأبو بكر الرازي منهم ، وروي مثله عن ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وغيرهم ، وزيف المهلب هذا القول وقال : لعل صاحبه بناه على دوران الزمان لنقصان الأهلة ، وهو فاسد ؛ لأن ذلك لم يعتبر في صيام رمضان فلا يعتبر في غيره حتى تنقل ليلة القدر عن رمضان. ومأخذ ابن مسعود كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي بن كعب أنه أراد أن لا يتكل الناس.وقال ابن رجب في اللطائف: وروي عن أبي حنيفة يعني أنها في كل السنة، لكن ساقه بصيغة التضعيف مما يدل أنه لم يثبت عنه.قال الحافظ العراقي: القول بأنها في السنة كلها محكي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وتابعه أبو حنيفة وصاحباه لكن في صحيح مسلم وغيره عن زر بن حبيش قال ( سألت أبي بن كعب فقلت إن أخاك ابن مسعود يقول من يقم الحول يصب ليلة القدر ، فقال رحمه الله أراد أن لا يتكل الناس أما إنه علم أنها في رمضان وأنها في العشر الأواخر وأنها ليلة سبع وعشرين ثم حلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين فقلت بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر ؟ قال بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها ) ويشهد لما فهمه أبي رضي الله عنه من كلام عبد الله ما رواه أحمد في مسنده عن أبي عقرب قال غدوت إلى ابن مسعود ذات غداة في رمضان فوجدته فوق بيت جالسا فسمعنا صوته وهو يقول صدق الله وبلغ رسوله فقلنا سمعناك تقول صدق الله وبلغ رسوله فقال « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليلة القدر في النصف من السبع الأواخر من رمضان تطلع الشمس غداتئذ صافية ليس لها شعاع فنظرت إليها فوجدتها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » ورواه البزار في مسنده بنحوه .

الخامس : أنها مختصة برمضان ممكنة في جميع لياليه ، وهو قول ابن عمر رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عنه ، وروي مرفوعا عنه أخرجه أبو داود.اهـقلت: وقد ترجم أبو داود في سننه على هذا فقال باب بيان أن ليلة القدر في كل رمضان ثم روى عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عمر قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أسمع عن ليلة القدر فقال هي في كل رمضان وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن أبا داود ذكر أنه روي موقوفاً على ابن عمر من قوله. والظاهر أن مراده أنها ليلة واحدة تتنقل وليست ثابتة في ليلة واحدة كل عام وهذا هو الأرجح.قال الحافظ العراقي: والحديث محتمل للتأويل بأن يكون معناه أنها تتكرر وتوجد في كل سنة في رمضان لا أنها وجدت مرة في الدهر فلا يكون فيه دليل لهذا القول وكذلك ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن الحسن وهو البصري قال ( ليلة القدر في كل رمضان ) محتمل لهذا التأويل وقال المحاملي في التجريد مذهب الشافعي أن ليلة القدر تلتمس في جميع شهر رمضان وآكده العشر الأخر وآكده ليالي الوتر من العشر الأواخر انتهى .والمشهور من مذهب الشافعي اختصاصها بالعشر الأواخر كما سيأتي . اهـوقال أيضاً: القول بأنها تنتقل في جميع الشهر وهو مقتضى كلام الحنابلة قال ابن قدامة في المغني يستحب طلبها في جميع ليالي رمضان ، وفي العشر الأخير آكد ، وفي ليالي الوتر منه آكد ثم حكى قول أحمد هي في العشر الأواخر في وتر من الليالي لا تخطئ إن شاء الله ، وقد قدمت ذلك عنه ومقتضاه اختصاصها بأوتار العشر الأخير.اهـ قال ابن حجر: وفي ” شرح الهداية ” الجزم به عن أبي حنيفة وقال به ابن المنذر والمحاملي وبعض الشافعية ورجحه السبكي في ” شرح المنهاج ” وحكاه ابن الحاجب رواية ، وقال السروجي في ” شرح الهداية ” : قول أبي حنيفة : إنها تنتقل في جميع رمضان .وقال صاحباه -يعني أبا يوسف ومحمداً الشيبانيَّ- : إنها في ليلة معينة منه مبهمة ، وكذا قال النسفي في ” المنظومة ” وليلة القدر بكل الشهرِ ** دائرة وعيناها فادرِقلت:يعني أنهما قالا إنها محددة في ليلة معينة لكنها ليلة مبهمة غير معلومةقال ابن حجر: وهذا القول (يعني أنها مبهمة) حكاه ابن العربي عن قوم وهو السادس .

قال العراقي: قال ابن الحاجب: وقول من قال من العلماء أنها في جميع العشر الأواخر أو في جميع الشهر ضعيف .اهـ السابع : أنها أول ليلة من رمضان حكى عن أبي رزين العقيلي الصحابي ، وروى ابن أبي عاصم من حديث أنس قال : ليلة القدر أول ليلة من رمضان ، قال ابن أبي عاصم : لا نعلم أحدا قال ذلك غيره . الثامن : أنها ليلة النصف من رمضان ، حكاه سراج الدين بن الملقن في ” شرح العمدة “والذي رأيت في ” المفهم ” للقرطبي حكاية قول أنها ليلة النصف من شعبان ، وكذا نقله السروجي عن صاحب ” الطراز ” فإن كانا محفوظين فهو القول التاسع.ثم رأيت في ” شرح السروجي ” عن ” المحيط ” أنها في النصف الأخير .

العاشر : أنها ليلة سبع عشرة من رمضان ، روى ابن أبي شيبة والطبراني من حديث زيد بن أرقم قال : ما أشك ولا أمتري أنها ليلة سبع عشرة من رمضان ليلة أنزل القرآن . وأخرجه أبو داود عن ابن مسعود أيضا . قلت: رواه أبوداود في باب من روى سبع عشرة عن ابن مسعود قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اطلبوها ليلة سبع عشرة من رمضان وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ثم سكت»

قال ابن كثير: ويحكى عن عثمان بن أبي العاص وهو قول عن محمد بن إدريس الشافعي ويحكى عن الحسن البصري ووجوه بأنها ليلة بدر وكانت ليلة جمعة هي السابعة عشر من شهر رمضان وفي صبيحتها كانت وقعة بدر وهو اليوم الذي قال تعالى فيه « يوم الفرقان »اهـوقال العراقي: أنها ليلة سبع عشرة محكي عن زيد بن أرقم وابن مسعود أيضا والحسن البصري ففي معجم الطبراني وغيره عن زيد بن أرقم قال ما أشك وما أمتري أنها ليلة سبع عشرة ليلة أنزل القرآن ويوم التقى الجمعان وعن زيد بن ثابت أنه كان يحيي ليلة سبع عشرة فقيل له : تحيي ليلة سبع عشرة ؟ قال : إن فيها نزل القرآن ، وفي صبيحتها فرق بين الحق والباطل وكان يصبح فيها بهيج الوجه.اهـ القول الحادي عشر : أنها مبهمة في العشر الأوسط حكاه النووي وعزاه الطبري لعثمان بن أبي العاص والحسن البصري وقال به بعض الشافعية . القول الثاني عشر : أنها ليلة ثمان عشرة ذكره القطب الحلبي في شرحه وذكره ابن الجوزي في مشكله القول الثالث عشر : أنها ليلة تسع عشرة ، رواه عبد الرزاق عن علي ، وعزاه الطبري لزيد بن ثابت وابن مسعود ، ووصله الطحاوي عن ابن مسعود . القول الرابع عشر : أنها أول ليلة من العشر الأخير ، وإليه مال الشافعي وجزم به جماعة من الشافعية ، ولكن قال السبكي إنه ليس مجزوما به عندهم لاتفاقهم على عدم حنث من علق يوم العشرين عتق عبده في ليلة القدر أنه لا يعتق تلك الليلة ، بل بانقضاء الشهر على الصحيح بناء على أنها في العشر الأخير . وقيل : بانقضاء السنة بناء على أنها لا تختص بالعشر الأخير ، بل هي في رمضان .قلت: قال ابن رجب في لطائف المعارف: ليلة إحدى وعشرين وهو المشهور عن الشافعي لحديث أبي سعيد حكي عنه أنها تطلب ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين، قال في القديم: كأني رأيت -والله أعلم- أقوى الأحاديث فيه بيالة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وقد جاء في ليلة سبع عشرة وليلة أربع وعشرين وليلة سبع وعشرين. انتهى وروي عن علي وابن مسعود أنها تطلب ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين.اهـ القول الخامس عشر مثل الذي قبله إلا أنه إن كان الشهر تاما فهي ليلة العشرين وإن كان ناقصا فهي ليلة إحدى وعشرين ، وهكذا في جميع الشهر ، وهو قول ابن حزم ، وزعم أنه يجمع بين الإخبار بذلك ، ويدل له ما رواه أحمد والطحاوي من حديث عبد الله بن أنيس قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : التمسوها الليلة . قال : وكانت تلك الليلة ليلة ثلاث وعشرين ، فقال رجل : هذه أولى بثمان بقين . قال : بل أولى بسبع بقين ، فإن هذا الشهر لا يتمقلت: ومذهب ابن حزم بينه العراقي فقال: وقال ابن حزم الظاهري : هي في العشر الأواخر في ليلة واحدة بعينها لا تنتقل أبدا إلا أنه لا يدرى أي ليلة هي منه إلا أنها في وتر منه ولا بد فإن كان الشهر تسعا وعشرين فأول العشر الأواخر ليلة عشرين منه فهي إما ليلة عشرين وإما ليلة اثنين وعشرين وإما ليلة أربع وعشرين وإما ليلة ست وعشرين وإما ليلة ثمان وعشرين ؛ لأن هذه الأوتار من العشر وإن كان الشهر ثلاثين فأول العشر الأواخر ليلة إحدى وعشرين فهي أما ليلة إحدى وعشرين وإما ليلة ثلاث وعشرين وإما ليلة خمس وعشرين وإما ليلة تسع وعشرين وإما ليلة تسع وعشرين ؛ لأن هذه أوتار العشر بلا شك ثم ذكر كلام أبي سعيد المتقدم وحمله على أن رمضان كان تسعا وعشرين وهو مسلك غريب بعيد.اهـ

القول السادس عشر : أنها ليلة اثنين وعشرين ، وسيأتي حكايته بعد ، وروى أحمد من حديث عبد الله بن أنيس أنه : سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن ليلة القدر وذلك صبيحة إحدى وعشرين فقال : كم الليلة؟ قلت: ليلة اثنين وعشرين ، فقال : هي الليلة أو القابلة . القول السابع عشر : أنها ليلة ثلاث وعشرين رواه مسلم عن عبد الله بن أنيس مرفوعا : ” أريت ليلة القدر ثم نسيتها ” فذكر مثل حديث أبي سعيد لكنه قال فيه : ” ليلة ثلاث وعشرين ” بدل ” إحدى وعشرين ” وعنه قال : ” قلت : يا رسول الله ، إن لي بادية أكون فيها ، فمرني بليلة القدر . قال : انزل ليلة ثلاث وعشرين ” وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن معاوية قال : ” ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين ” ورواه إسحاق في مسنده من طريق أبي حازم عن رجل من بني بياضة له صحبة مرفوعا ، وروى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا : من كان متحريها فليتحرها ليلة سابعة وكان أيوب يغتسل ليلة ثلاث وعشرين ويمس الطيب ، وعن ابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس : ” أنه كان يوقظ أهله ليلة ثلاث وعشرين ، وروى عبد الرزاق من طريق يونس بن سيف سمع سعيد بن المسيب يقول : استقام قول القوم على أنها ليلة ثلاث وعشرين ، ومن طريق إبراهيم عن الأسود عن عائشة ، وعن طريق مكحول أنه كان يراها ليلة ثلاث وعشرين .

قلت: وكان عبد الله بن أنيس يخصها بالقيام في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فروى أبو داود عن ابن عبد الله بن أنيس الجهني عن أبيه قال قلت يا رسول الله إن لي بادية أكون فيها وأنا أصلي فيها بحمد الله فمرني بليلة أنزلها إلى هذا المسجد فقال أنزل ليلة ثلاث وعشرين فقلت لابنه كيف كان أبوك يصنع قال كان يدخل المسجد إذا صلى العصر فلا يخرج منه لحاجة حتى يصلي الصبح فإذا صلى الصبح وجد دابته على باب المسجد فجلس عليها فلحق بباديتهوروى النسائي عن أبي إسحاق السَّبِيعي أنه سمع أبا حذيفة يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي عليه السلام قال نظرت إلى القمر ليلة القدر فرأيته كأنه فلق جفنة قال أبو إسحاق إنما يكون ذلك صبيحة ثلاث وعشرينقال ابن رجب: وحكي للشافعي قول آخر أن أرجاها ليلة ثلاث وعشرين وهذا قول أهل المدينة وحكاه سفيان الثوري عن أهل مكة وممن روي عنه أنه كان يوقظ أهله فيها ابن عباس وعائشة وهو قول مكحول. وروى ويدين بن سعد عن زهرة بن معبد قال أصابني احتلام في أرض العدو وفي البحر ليلة ثلاث وعشرين في رمضان فذهبت لأغتسل فسقطت في الماء فإذا الماء عذب فناديت أصحابي أعلمهم أني في ماء عذب . قال ابن عبد البر : هذه الليلة تعرف بليلة الجهني بالمدينة يعني عبد الله بن أنيس وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بقيامها وفي صحيح مسلم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر:«أُرِيت أني أسجد صبيحتها في ماء وطين» فانصرف النبي صلى الله وسلم من صلاة الصبح يوم ثلاث وعشرين وعلى جبهته أثر الماء والطين.اهـقال العراقي: وهو قول جمع كثيرين من الصحابة وغيرهم.اهـ القول الثامن عشر : أنها ليلة أربع وعشرين كما في حديث عكرمة، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم:
«التمسوا في أربع وعشرين»،رواه البخاري، وروى الطيالسي من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا : ” ليلة القدر ليلة أربع وعشرين ” وروي ذلك عن ابن مسعود وللشعبي والحسن وقتادة ، وحجتهم حديث واثلة أن القرآن نزل لأربع وعشرين من رمضان ، وروى أحمد من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي الخير الصنابحي عن بلال مرفوعا : «التمسوا ليلة القدر ليلة أربع وعشرين» وقد أخطأ ابن لهيعة في رفعه فقد رواه البخاري عن عمرو بن الحارث عن يزيد بهذا الإسناد موقوفا بغير لفظه كما في أواخر المغازي بلفظ : «ليلة القدر أول السبع من العشر الأواخر ».

قال العراقي: أنها ليلة أربع وعشرين محكي عن بلال وابن عباس وقتادة والحسن وفي صحيح البخاري عن ابن عباس موقوفا عليه التمسوا ليلة القدر في أربع وعشرين ذكره عقب حديثه « هي في العشر في سبع تمضين أو سبع تبقين» وظاهره أنه تفسير للحديث فيكون عمدة ، وفي مسند أحمد عن بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ليلة القدر ليلة أربع وعشرين» . اهـوقال ابن رجب : ورجحت طائفة أنها ليلة أربع وعشرين وهم الحسن وأهل البصرة وقد روي عن أنس، وكان حميد الطويل وأيوب السختياني وثابت البناني يحتاطون فيجمعون بين الليلتين أعني ليلة ثلاث وأربع.اهـ القول التاسع عشر : أنها ليلة خمس وعشرين حكاه ابن العربي في ” العارضة ” وعزاه ابن الجوزي في ” المشكل ” لأبي بكرة . القول العشرون : أنها ليلة ست وعشرين ، وهو قول لم أره صريحا إلا أن عياضا قال : ما من ليلة من ليالي العشر الأخير إلا وقد قيل : إنها فيه . القول الحادي والعشرون : أنها ليلة سبع وعشرين ، وهو الجادة من مذهب أحمد ورواية عن أبي حنيفة وبه جزم أبي بن كعب وحلف عليه كما أخرجه مسلمقلت: واختار هذ القول الشيخ الألباني فقال في كتاب قيام الليل: وهي ليلة سابع وعشرين من رمضان على الأرجح وتدل عليه أكثر الأحاديث منها عن زرين حبيش ، قال: سمعت أبي بن كعب يقول (وقيل له: إن عبدالله بن مسعود يقول: من قام السنة أصاب ليلة القدر)

فقال أبي: والله الذي لا إله إلا هو! إنها لفي رمضان (يحلف ما يستثني) ووالله! إني لأعلم أي ليلة هي. هي الليلة التي أمرنا بها رسول الله بقيامها. هي ليلة صبيحة سبع وعشرين. وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها.اهـوقال ابن رجب: ورجحت طائفة أنها ليلة سبع وعشرين وحكاه الثوري عن أهل الكوفة فقال: نحن نقول هي ليلة سبع وعشرين لما جاءنا عن أبي بن كعب. وممن قال بهذا أبي بن كعب وكان يحلف عليه لا يستثني، وزر بن حبيش وعبدة بن أبي لبابة وروي عن قتادة بن عبد الله النهمي قال سألت زراً عن ليلة القدر فقال: كان عمر وحذيفة وأناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشكون أنها ليلة سبع وعشرين. خرجه ابن أبي شيبة وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية. واستدل من رجح ليلة سبع وعشرين بأن أبي بن كعب كان يحلف على ذلك ويقول بالآية أو بالعلامة التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها. خرجه مسلم، وخرجه أيضاً بلفظ: والله إني لأعلم أي ليلة هي هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها وهي ليلة سبع وعشرين. وفي مسند الإمام أحمد عنائه عباس أن رجلاً قال يا رسول الله إني شيخ كبير عليل يشق علي القيام فمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر، قال: «عليك بالواقعة» وإسناده على شرط البخاري، وفي سنن أبي داود بإسناد رجاله كلهم رجال الصحيح عن معاوية عن النبي صلى الله عليه ويلم في ليلة القدر: «ليلة سبع وعشرين» وخرجه ابن حبان في صحيحه وصححه ابن عبد البر وله علة وهي وقفه على معاوية وهو أصح عند الإمام أحمد والدارقطني وفي المسند عن ابن مسعود أن رحلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال متى ليلة القدر؟ فقال: «من يذكر منكم ليلة الصهباوات»؟ قال عبد الله أنا بأبي أنت وأمي وإن في يدي فتمرات أنسحب بهن مستتراً بمؤخِرة رحلي من الفجر وذلك حين طلع القمر. وخرجه يعقوب بن شيبة وزاد: وذلك ليلة سبع وعشرين. وقال: صالح الإسناد. والصهباوات موضع بقرب خيبروفي المسند عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن ليلة القدر في النصف من السبع الأواخر من رمضان». وإذا حسبنا أول السبع الأواخر من ليلة أربع وعشرين كانت ليلة سبع وعشرين نصفَ السبع لأن قبلها ثلاث ليالٍ وبعدها ثلاث ليالٍ.ومما يرجح أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين أنها من السبع الأواخر التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتماسها فيها بالاتفاق وفي دخول الثالثة والعشرين في السبع اختلاف ولا خلاف أنها آكد من الخامسة والعشرين.ومما يدل على ذلك أيضاً حديث أبي ذرٍ في قيام النبي صلى الله عليه وسلم بهم في أفراد السبع الأواخر وأنه قام بهم في الثالثة والعشرين إلى ثلث الليل وفي الخامسة إلى نصف الليل وفي السابعة إلى آخر الليل حتى خشوا أن يلونهم الفلاح وجمع أهله ليلتئذٍ وجمع الناس.ووما يدل على ذلك ما استشهد به ابن عباس بحضرة عمر والصحابة معه واستحسنه عمر…إلخ كلام ارجاها.اهـقال ابن حجر: وروى مسلم أيضا من طريق أبي حازم .

عن أبي هريرة قال : ” تذاكرنا ليلة القدر فقال – صلى الله عليه وسلم – : أيكم يذكر حين طلع القمر كأنه شق جفنة؟ قال أبو الحسن الفارسي : أي : ليلة سبع وعشرين ، فإن القمر يطلع فيها بتلك الصفة .وروى الطبراني من حديث ابن مسعود : سئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن ليلة القدر فقال أيكم يذكر ليلة الصهباوات؟ قلت : أنا ، وذلك ليلة سبع وعشرينورواه ابن أبي شيبة عن عمر وحذيفة وناس من الصحابة ،وفي الباب عن ابن عمر عند مسلم : «رأى رجل ليلة القدر ليلة سبع وعشرين» ولأحمد من حديثه مرفوعا : «ليلة القدر ليلة سبع وعشرين» ولابن المنذر : « من كان متحريها فليتحرها ليلة سبع وعشرين»وعن جابر بن سمرة نحوه أخرجه الطبراني في أوسطه، وعن معاوية نحوه أخرجه أبو داودقلت: حديث معاوية رواه أبوداود في باب من قال ليلة سبع وعشرين عن قتادة أنه سمع مطرفا عن معاوية بن أبي سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر قال ليلة القدر ليلة سبع وعشرين .قال: وحكاه صاحب ” الحلية ” من الشافعية عن أكثر العلماء ، وقد تقدم استنباط ابن عباس عند عمر فيه وموافقته له ، وزعم ابن قدامة أن ابن عباس استنبط ذلك من عدد كلمات السورة ، وقد وافق قوله فيها : هي سابع ليلة بعد العشرين ، وهذا نقله ابن حزم عن بعض المالكية ، وبالغ في إنكاره ، نقله ابن عطية في تفسيره وقال : إنه من ملح التفاسير وليس من متين العلم . واستنبط بعضهم ذلك في جهة أخرى فقال : ليلة القدر تسعة أحرف ، وقد أعيدت في السورة ثلاث مرات ، فذلك سبع وعشرون . وقال صاحب ” الكافي ” من الحنفية ، وكذا ” المحيط ” : من قال لزوجته : أنت طالق ليلة القدر . طلقت ليلة سبع وعشرين ؛ لأن العامة تعتقد أنها ليلة القدر. القول الثاني والعشرون : أنها ليلة ثمان وعشرين وقد تقدم توجيهه قبلُ بقول .قلت: يعني قوله في القول العشرين: (لم أره صريحا إلا أن عياضا قال : ما من ليلة من ليالي العشر الأخير إلا وقد قيل : إنها فيه .)

فتكون ليلة الثامن والعشرين مما قيل فيها القول الثالث والعشرون : أنها ليلة تسع وعشرين ، حكاه ابن العربي . القول الرابع والعشرون : أنها ليلة ثلاثين حكاه عياض والسروجي في ” شرح الهداية ” ورواه محمد بن نصر والطبري عن معاوية وأحمد من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة .قال العراقي: القول أنها آخر ليلة حكاها القاضي عياض وغيره ويتداخل هذا القول مع الذي قبله إذا كان الشهر ناقصا ، وروى محمد بن نصر المروزي في الصلاة من حديث معاوية مرفوعا «التمسوا ليلة القدر آخر ليلة من رمضان » ، وفي حديث ابن عمر الثاني الأمر «بتحريها في السبع الأواخر» ولم أر قائلا بذلك كما تقدم وإذا عددناه قولا كان .اهـ القول الخامس والعشرون : أنها في أوتار العشر الأخير ، وعليه يدل حديث عائشة وغيرها، قال ابن حجر: وهو أرجح الأقوال ، وصار إليه أبو ثور والمزني وابن خزيمة وجماعة من علماء المذاهب .قلت: ويؤيده قيام النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه وأهله في تلك فعن جبير بن نفير عن أبي ذر قال صمنا مع رسول الله رمضان فلم يقم بنا النبي حتى بقي سبع من الشهر فقام بنا حتى ذهب نحو من ثلث الليل ثم كانت سادسة فلم يقم فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب نحو من شطر الليل قلت يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة قال إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة قال ثم كانت الرابعة فلم يقم بنا فلما بقي ثلاث من الشهر أرسل إلى بناته ونسائه وحشد الناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح ثم لم يقم بنا شيئا من الشهر قال داود قلت ما الفلاح قال السحور. رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وسنده على شرط مسلم وصححه الألبانيقال ابن رجب: وذهب أبو قلابة وطائفة إلى أنها تنتقل في ليالي العشر! وروي عنه أنها تنتقل في أوتاره خاصة.اهـ القول السادس والعشرون مثله بزيادة الليلة الأخيرة . رواه الترمذي من حديث أبي بكرة وأحمد من حديث عبادة بن الصامت .

قلت: وحديث أبي بكرة رواه الترمذي عن عيينة بن عبد الرحمن قال حدثني أبي قال ذكرت ليلة القدر عند أبي بكرة فقال ما أنا ملتمسها -لشيء سمعته من رسول الله- إلا في العشر الأواخر فأني سمعته يقول «التمسوها في تسع يبقين أو في سبع يبقين أو في خمس يبقين أو في ثلاث أو آخر ليلة» قال وكان أبو بكرة يصلي في العشرين من رمضان كصلاته في سائر السنة فإذا دخل العشر اجتهد قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح.وحديث عبادة أخرجه أحمد عن أنس بن مالك عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فاطلبوها في العشر الأواخر في تاسعة أو سابعة أو خامسة قال القول السابع والعشرون : تنتقل في العشر الأخير كله قاله أبو قلابة ونص عليه مالك والثوري وأحمد وإسحاق وزعم الماوردي أنه متفق عليه; وكأنه أخذه من حديث ابن عباس أن الصحابة اتفقوا على أنها في العشر الأخير ثم اختلفوا في تعيينها منه كما تقدم ، ويؤيد كونها في العشر الأخير حديث أبي سعيد الصحيح أن جبريل قال للنبي – صلى الله عليه وسلم – لما اعتكف العشر الأوسط ” إن الذي تطلب أمامك ” وقد تقدم ذكره قريبا ، وتقدم ذكر اعتكافه – صلى الله عليه وسلم – العشر الأخير في طلب ليلة القدر واعتكاف أزواجه بعده والاجتهاد فيه، واختلف القائلون به ، فمنهم من قال : هي فيه محتملة على حد سواء . نقله الرافعي عن مالك وضعفه ابن الحاجب. قلت واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين فقال: ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان والصحيح أنها تتنقل كما دلت عليه السنة فقد تكون في ليلة الواحد والعشرين وفي الثالث والعشرين وفي السابع والعشرين وفي الخامس والعشرين وفي التاسع والعشرين وفي الثامن والعشرين وفي السادس والعشرين وفي الرابع والعشرين وفي الثاني والعشرين، كل هذا ممكن أن تكون فيه ليلة القدر.اهـ وقال أيضاً: القول بأن ليلة القدرة ليلة سبع وعشرين ليس بموافق للصواب فإن ليلة القدر تتنقل فقد تكون ليلة سبع وعشرين وقد تكون في غير تلك الليلة كما تدل عليه الأحاديث الكثيرة في ذلك فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذات عام أري ليلة القدر فكان ذلك ليلة إحدى وعشرين وثبت عنه أنه قال :«التمسوها في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تبقى».اهـ قال الحافظ: ومنهم من قال : بعض لياليه أرجى من بعض ، فقال الشافعي : أرجاه ليلة إحدى وعشرين .

وهو القول الثامن والعشرون وقيل : أرجاه ليلة ثلاث وعشرين . وهو القول التاسع والعشرونقلت: ويمكن أن يكون مذهب الصحابي عبد الله بن أنيس فقد روى أبو داود عن ابن عبد الله بن أنيس الجهني عن أبيه قال قلت يا رسول الله إن لي بادية أكون فيها وأنا أصلي فيها بحمد الله فمرني بليلة أنزلها إلى هذا المسجد فقال أنزل ليلة ثلاث وعشرين فقلت لابنه كيف كان أبوك يصنع قال كان يدخل المسجد إذا صلى العصر فلا يخرج منه لحاجة حتى يصلي الصبح فإذا صلى الصبح وجد دابته على باب المسجد فجلس عليها فلحق بباديته وقيل : أرجاه ليلة سبع وعشرين . وهو القول الثلاثون .قلت: وهو المعتمد عند متأخري الحنابلة قال الإمام موفق الدين ابن قدامة في المقنع والشيخ موسى الحجاوي في مختصره واللفظ له: وترجى ليلة القدر في العشر الأواخر من ليالي رمضان، وأوتاره آكد وليلة سبع وعشرين أبلغ.اهـ اي أبلغ في الآكدية، وهذا القول الذي تقدم ذكره في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية واختاره شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز حيث قال في فتاويه: تختص بالعشر الأواخر من رمضان، وأوتارها آكد من غيرها وأرجلها ليلة سبع وعشرين.اهـ وقال أيضاً: والراجح أنها متنقلة في ليالي العشر كلها وأوتارها أحرى وليلة سبع وعشرين آكد الأوتار في ذلك ومن اجتهد في العشر كلها في الصلاة والقراءة والدعاء وغير ذلك من وجوه الخير أدرك ليلة القدر بلا شك وفاز بما وعد الله به من فأمها إذا فعل ذلك إيماناً واحتساباً والله ولي توفيق.اهـ قال العراقي: في الرواية الأولى الأمر بطلبها في أوتار العشر الأواخر وفي الرواية الثانية الأمر بطلبها في السبع الأواخر وبينهما تناف وإن اتفقتا على أن محلها منحصر في العشر الأواخر من رمضان والأول وهو انحصارها في أوتار العشر الأخير قول حكاه القاضي عياض وغيره ونص عليه أحمد بن حنبل ، فقال هي في العشر الأواخر في وتر من الليالي لا يخطئ إن شاء الله.اهـ القول الحادي والثلاثون : أنها تنتقل في السبع الأواخر ، وقد تقدم بيان المراد منه في حديث ابن عمر : هل المراد ليالي السبع من آخر الشهر أو آخر سبعة تعد من الشهر؟قلت: يعنى إما تكون ليلة الثلاثين أوليلة التاسع والعشرين أوليلة الثامن والعشرين أوليلة السابع والعشرين أوليلة السادس والعشرين أوليلة الخامس والعشرين أو ليلة الرابع والعشرين فهذه ليالي السبع من آخر الشهرقال :

ويخرج من ذلك القول الثاني والثلاثون .قلت: يعني عكس سابقه فتكون ليلة الحادي والعشرين أو ليلة الثاني والعشرين أو ليلة الثالث والعشرين أو ليلة الرابع والعشرين أو ليلة الخامس والعشرين أو ليلة السادس والعشرين أو ليلة السابع والعشرين والله أعلم قال الحافظ العراقي: وأما انحصارها في السبع الأواخر فلا نعلم الآن قائلا به.اهـ قال: القول الثالث والثلاثون : أنها تنتقل في النصف الأخير ، ذكره صاحب ” المحيط ” عن أبي يوسف ومحمد ، وحكاه إمام الحرمين عن صاحب ” التقريب ” . القول الرابع والثلاثون : أنها ليلة ست عشرة أو سبع عشرة . رواه الحارث بن أبي أسامة من حديث عبد الله بن الزبير . القول الخامس والثلاثون : أنها ليلة سبع عشرة أو تسع عشرة أو إحدى وعشرين . رواه سعيد بن منصور من حديث أنس بإسناد ضعيف . القول السادس والثلاثون : أنها في أول ليلة من رمضان أو آخر ليلة . رواه ابن أبي عاصم من حديث أنس بإسناد ضعيف . القول السابع والثلاثون : أنها أول ليلة أو تاسع ليلة أو سابع عشرة أو إحدى وعشرين أو آخر ليلة . رواه ابن مردويه في تفسيره عن أنس بإسناد ضعيف . القول الثامن والثلاثون : أنها ليلة تسع عشرة أو إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين . رواه أبو داود من حديث ابن مسعود بإسناد فيه مقال ، وعبد الرزاق من حديث علي بإسناد منقطع ، وسعيد بن منصور من حديث عائشة بإسناد منقطع أيضا .قال العراقي: أنها تطلب في ليلة سبع عشرة أو إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين حكي عن علي وابن مسعود أيضا ويدل له ما في سنن أبي داود عن ابن مسعود قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر «اطلبوها ليلة سبع عشرة من رمضان وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ثم سكت» .اهـ القول التاسع والثلاثون : ليلة ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين . وهو مأخوذ من حديث ابن عباس حيث قال : ” سبع يبقين أو سبع يمضين ” ولأحمد من حديث النعمان بن بشير :

” سابعة تمضي أو سابعة تبقى ” قال النعمان : فنحن نقول ليلة سبع وعشرين وأنتم تقولون ليلة ثلاث وعشرين . القول الأربعون : ليلة إحدى وعشرين ، أو ثلاث وعشرين ، أو خمس وعشرين كما في حديث عبادة بن الصامت ، ولأبي داود من حديثه بلفظ : ” تاسعة تبقى سابعة تبقى خامسة تبقى ” قال مالك في ” المدونة ” قوله : ” تاسعة تبقى ” ليلة إحدى وعشرين إلخ . القول الحادي والأربعون : أنها منحصرة في السبع الأواخر من رمضان ؛ لحديث ابن عمر. القول الثاني والأربعون : أنها ليلة اثنتين وعشرين أو ثلاث وعشرين ؛ لحديث عبد الله بن أنيس عند أحمد . القول الثالث والأربعون : أنها في أشفاع العشر الوسط والعشر الأخير . ذكره مغلطاي . القول الرابع والأربعون : أنها ليلة الثالثة من العشر الأخير أو الخامسة منه . رواه أحمد من حديث معاذ بن جبل ، والفرق بينه وبين ما تقدم أن الثالثة تحتمل ليلة ثلاث وعشرين ، وتحتمل ليلة سبع وعشرين ، فتنحل إلى أنها ليلة ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين أو سبع وعشرين ، وبهذا يتغاير هذا القول مما مضى . القول الخامس والأربعون : أنها في سبع أو ثمان من أول النصف الثاني . روى الطحاوي من طريق عطية بن عبد الله بن أنيس عن أبيه أنه ” سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن ليلة القدر فقال : تحرها في النصف الأخير . ثم عاد فسأله فقال : إلى ثلاث وعشرين ، قال : وكان عبد الله يحيي ليلة ست عشرة إلى ليلة ثلاث وعشرين ، ثم يقصر ” القول السادس والأربعون : أنها في أول ليلة أو آخر ليلة أو الوتر من الليل . أخرجه أبو داود في كتاب ” المراسيل ” عن مسلم بن إبراهيم عن أبي خلدة عن أبي العالية : أن أعرابيا أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو يصلي فقال له : متى ليلة القدر؟ فقال : اطلبوها في أول ليلة وآخر ليلة والوتر من الليل وهذا مرسل رجاله ثقات .قال ابن حجر: وجميع هذه الأقوال التي حكيناها بعد الثالث فهلم جرا متفقة على إمكان حصولها والحث على التماسها .

وقال ابن العربي : الصحيح أنها لا تعلم ، وهذا يصلح أن يكون قولا آخر ، وأنكر هذا القول النووي وقال : قد تظاهرت الأحاديث بإمكان العلم بها ، وأخبر به جماعة من الصالحين ، فلا معنى لإنكار ذلك . ونقل الطحاوي عن أبي يوسف قولا جوز فيه أنه يرى أنها ليلة أربع وعشرين ، أو سبع وعشرين ، فإن ثبت ذلك عنه فهو قول آخر .قال العراقي: وقال ابن العربي بعد حكايته ثلاثة عشر قولا مما حكيناه والصحيح منها أنها لا تعلم انتهى . وهو معنى قول بعض أهل العلم أخفى الله تعالى هذه الليلة عن عباده لئلا يتكلوا على فضلها ويقصروا في غيرها فأراد منهم الجد في العمل أبدا.اهـثم قال ابن حجر بعد سرد هذه الأقوال: هذا آخر ما وقفت عليه من الأقوال وبعضها يمكن رده إلى بعض ، وإن كان ظاهرها التغاير ، وأرجحها كلها أنها في وتر من العشر الأخير وأنها تنتقل كما يفهم من الأحاديث، وأرجاها أوتار العشر ، وأرجى أوتار العشر عند الشافعية ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين على ما في حديث أبي سعيد وعبد الله بن أنيس ، وأرجاها عند الجمهور ليلة سبع وعشرين ، وقد تقدمت أدلة ذلك . وفي هذه الأحاديث رد لقول أبي الحسن الحولي المغربي أنه اعتبر ليلة القدر فلم تفته طول عمره وأنها تكون دائما ليلة الأحد ، فإن كان أول الشهر ليلة الأحد كانت ليلة تسع وعشرين وهلم جرا ، ولزم من ذلك أن تكون في ليلتين من العشر الوسط لضرورة أن أوتار العشر خمسة . وعارضه بعض من تأخر عنه فقال : إنها تكون دائما ليلة الجمعة ، وذكر نحو قول أبي الحسن ، وكلاهما لا أصل له ، بل هو مخالف لإجماع الصحابة في عهد عمر كما تقدم ، وهذا كاف في الرد وبالله التوفيق .اهـ

قلت: وما حكاه الحافظ آخراً عن ابن العربي من أنها لا تعلم يكون هو القول السابع والأربعين ، وما حكاه عن أبي يوسف من إمكان رؤيتها ليلة أربع وعشرين أو سبع وعشرين يكون القول الثامن والأربعينوحكى الحافظ ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف قولين آخرين هما: القول بأنها كل سبع سنين مروي عن محمد بن الحنفية وهو ابن علي بن أبي طالب لكن إسناده عنه ضعيف، وهذا القول هو التاسع والأربعونوالآخر أنها في النصف الأخير من رمضان، وحكي عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفةوهذا القول الخمسونوحى العراقي تضعيف ابن الحاجب لقول من قال إنها في جميع ليالي الشهر أو في جميع ليالي العشر الأواخر فهذان قولان فيكون المجموع والله أعلم اثنين وخمسين قولاً. وقد ذكر الحافظ العراقي احتمالات لأقوال وإن لم يعلم قائلاً بها فقال: وإن نظرنا لما تدل عليه الأحاديث وإن لم يقل به أحد اجتمعت من ذلك أقوال أخر فنذكرها مع ذكر ما يدل عليها وإن لم نقف على القول بها .

١- إنها ليلة اثنين وعشرين أو ثلاث وعشرين في سنن أبي داود عن عبد الله بن أنيس قال « كنت في مجلس بني سلمة وأنا أصغرهم ، فقالوا من يسأل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر وذلك صبيحة إحدى وعشرين فخرجت فوافيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب » فذكر الحديث ، وفيه « أرسلني إليك رهط من بني سلمة يسألونك عن ليلة القدر ، فقال كم الليلة قلت اثنتان وعشرون قال هي الليلة ، ثم رجع ، فقال أو القابلة يريد ليلة ثلاث وعشرين » .

٢- ليلة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع وعشرين أو آخر ليلة ، في جامع الترمذي عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : ما أنا بملتمسها لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في العشر الأواخر فإني سمعته يقول :

« التمسوها لتسع يبقين أو سبع يبقين أو خمس يبقين أو ثلاث أو آخر ليلة » قال الترمذي حسن صحيح .

٣- ليلة إحدى أو ثلاث أو خمس وعشرين في صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت قال : « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبر بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى رجلان فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة » فالظاهر أن المراد في التاسعة تبقى لتقديم التاسعة على السابعة وهي على الخامسة ويدل له ما في سنن أبي داود عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تبقى » ، وفي المدونة قال مالك رحمه الله في « قول النبي صلى الله عليه وسلم التمسوا ليلة القدر في التاسعة والسابعة والخامسة » فأرى والله أعلم أن التاسعة ليلة إحدى وعشرين والسابعة ليلة ثلاث وعشرين والخامسة ليلة خمس وعشرين يريد في هذا على نقصان الشهر وكذلك ذكر ابن حبيب .

٤- ليلة ثلاث أو خمس وعشرين في مسند أحمد عن معاذ بن جبل « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ليلة القدر ، فقال هي في العشر الأواخر قم في الثالثة أو الخامسة » ، فالظاهر أن المراد قم في الثالثة تمضي لتقديمه لها على الخامسة .

٥- ليلة السابع أو التاسع والعشرين في مسند أحمد وغيره عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « في ليلة القدر : إنها ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى » ، وفي رواية الطبراني في معجمه الأوسط « من عدد النجوم » . -أنها في أوتار العشر الأخير أو في ليلة سبع عشرة أو تسع عشرة ، في معجم الطبراني الأوسط عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « التمسوا ليلة القدر في سبع عشرة أو تسع عشرة أو إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين أو سبع وعشرين أو تسع وعشرين » .

٦- أول ليلة من شهر رمضان أو ليلة التاسع أو الرابع عشر أو ليلة إحدى وعشرين أو آخر ليلة ، روى ابن مردويه في تفسيره عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « التمسوا ليلة القدر في أول ليلة من رمضان ، وفي تسعة ، وفي أربع عشرة ، وفي إحدى وعشرين ، وفي آخر ليلة من رمضان » وهذا كله تفريع على أنها تلزم ليلة بعينها اهـ كلام العراقي الحكمة في إخفاء ليلة القدر قال العلماء : الحكمة في إخفاء ليلة القدر ليحصل الاجتهاد في التماسها ، بخلاف ما لو عينت لها ليلة لاقتصر عليها كما في ساعة الجمعة ، وهذه الحكمة مطردة عند من يقول : إنها في جميع السنة وفي جميع رمضان ، أو في جميع العشر الأخير ، أو في أوتاره خاصة ، إلا أن الأول ثم الثاني أليق به .قال ابن حجر: وقال الطبري : في إخفاء ليلة القدر دليل على كذب من زعم أنه يظهر في تلك الليلة للعيون ما لا يظهر في سائر السنة ، إذ لو كان ذلك حقا لم يخف على كل من قام ليالي السنة فضلا عن ليالي رمضان . وتعقبه ابن المنير في الحاشية بأنه لا ينبغي إطلاق القول بالتكذيب لذلك بل ، يجوز أن يكون ذلك على سبيل الكرامة لمن شاء الله من عباده فيختص بها قوم دون قوم ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – لم يحصر العلامة ولم ينف الكرامة ، وقد كانت العلامة في السنة التي حكاها أبو سعيد نزول المطر ، ونحن نرى كثيرا من السنين ينقضي رمضان دون مطر مع اعتقادنا أنه لا يخلو رمضان من ليلة القدر ، قال : ومع ذلك فلا نعتقد أن ليلة القدر لا ينالها إلا من رأى الخوارق ، بل فضل الله واسع ، ورب قائم تلك الليلة لم يحصل منها إلا على العبادة من غير رؤية خارق ، وآخر رأى الخارق من غير عبادة ، والذي حصل على العبادة أفضل ، والعبرة إنما هي بالاستقامة فإنها تستحيل أن تكون إلا كرامة ، بخلاف الخارق فقد يقع كرامة وقد يقع فتنة ، والله أعلم.اهـوالله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

كتبه:
[COLOR=#0337B5]سعد بن شايم[/COLOR]
رمضان١٤٣٢هـ.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com