التعلم اللغوي


التعلم اللغوي



التعلم اللغوي

ما معنى أن المتعلم تعلم اللغة ؟

تساؤل بسيط في ظاهره ، إلا أن الإجابة عليه تقود إلى طرح عدد من القضايا والتساؤلات ، وتجعل المسألة غاية في التعقيد والتشابك ، ذلك أن تعليم اللغة وتعلمها من الأمور المهمة ليس في إطار العمل المدرسي فحسب ، ,إنما في شتى مجالات الحياة .

فمن القضايا التي تفرض نفسها في هذا الإطار أسباب التدني في مهارات الأداء اللغوي لدى متعلمي العربية ، ومظاهر هذا التدني وانتشاره شكلت بيئة لغوية ملوثة تطغى فيها الأغلاط على الصواب وجعلت السيطرة عليها – أي الأغلاط – عليها شبه مستحيلة ، كما أنها وسعت من الفجوة بين العامية وفصحى العصر .

ومن التساؤلات ذات الصلة لماذا يجيد المتعلم لغة ثانية كالإنجليزية في فترة وجيزة ؟ خاصة وأن اللغات متفقة في خصائصها من حيث كونها صوتية ورمزية ونظامية وعرفية وثقافية واتصالية ودلالية ، لكن مبعث العجب ذلك التناقض الواضح في الأداء اللغوي لمتعلم تعلم إلى جانب العربية – وهي لغته الأم – الإنجليزية مثلا فنجده متميزا فيها استماعا وتحدثا وقراءة وكتابة ، ولا يستقيم لسانه بجملة سليمة خالية من الأخطاء .

إن أسباب التدني في مهارات الأداء اللغوي ، والفرق في الأداء بين العربية والإنجليزية لمتعلم العربية يسوق إلى محاولة سبر أغوار التعلم اللغوي مفهوما وخصائص لنتمكن من الإجابة عن السؤال الأساسي ما معنى أن المتعلم تعلم اللغة ؟ أي أن تحديد خصائص التعلم اللغوي تعد نقطة البداية لتحديد ما إذا كان المتعلم تعلم اللغة ، ودرجة تعلمها له ، ومعالجة خصائص التعلم اللغوي ستكون من خلال تناول عدد من القضايا .

أولها : كيف يكتسب الأطفال لغاتهم ؟

اللغة ظاهرة إنسانية ، وهي مسألة شاملة كلية ، تتطور بشكل تدريجي ، ومن المعطيات التي سادت في مجال اكتساب اللغة أن ألأطفال لا يكتسبون لغتهم بخزن كل الكلمات والجمل ، كما أنهم يكتسبون القواعد التي تحكم هذه اللغة دونما تعليم ، أي أن اكتساب اللغة يحدث بشكل غير واع ، كما أن اكتساب بنى اللغة يحدث على نسق واحد بالنسبة لجميع أطفال البيئة اللغوية الواحدة الذين ليست لديهم مشكلات تعوق اكتسابهم للغة وهذه المسألة من الأمور المهمة التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند تعليم اللغة ، ومن زاوية ثانية فأن اكتساب اللغة يحدث عن طريق السماع وفي مرحلة ثانية محاولة التكلم ، ولا يحتاج الطفل إلى من يمده بصورة منظمة بالمادة اللغوية ، أي أن الطفل على الرغم من أنه لا يعرف أحد كيف يعلمه اللغة ، كما أنه لا يمكن تسمية بكلام بيئته عملية تعليم إلا أنه يتعلم اللغة من خلال تعرض شفاف لها ودون أن يتدرج عبر تمارين متخصصة ، والأغرب من ذلك أنه – في مرحلة تالية – يستخدم بنى معقدة وقواعد موجهة للتعبير عن أفكاره وأحاسيسه .

يكتسب الأطفال المعرفة الأساسية بتنظيم لغتهم الأم في غضون ثلاث سنوات تقريبا ، ويتوصلون إلى إحراز المقدرة على إنتاج جمل اللغة وتفهمها فعملية اكتساب الأطفال للغة عمل ذاتي خلاق ، وهو خاصية إنسانية مميزة .

وفيما يختص باللغة التي يكتسبها الأطفال يجب الإشارة إلى أنها لا تتعدى في خصائصها قدرات الطفل الطبيعية على استيعابها ،و إلا استحال عليهم اكتسابها ، وهذا لا يعني أن اللغة التي يكتسبها الطفل بسيطة وإنما هي معقدة إلى حد كبير ، وهي عبارة عن بنية غنية لا يمكن تحديدها عبر المظاهر المجزأة .

ولا تتوقف العملية عند اكتساب اللغة واستعمالها فحسب ، بل إن الأطفال يكتشفون أثناء عملية الاكتساب محتوى الكلام كحقيقة قائمة بذاتها ، مما يمكنه من التواصل اللغوي ، وبما يعكس وضوح اللغة مفهوما وماهية وعملا ودورا في المجتمع ، وكل هذا يؤكد أن عملية اكتساب اللغة عمل معقد ينطوي على عمليات فرعية تتمثل في الاستعمال والاكتشاف والاستيعاب ، وكل هذا يرجع للحالة المعرفية التي اكتسبت ، والتي يحدث خلالها اكتشاف محتوى الكلام ووظيفته مما ينعكس على امتلاك الأطفال لقدرات التواصل اللغوي ، وبينهما استبطان ماهية اللغة ووظائفها .
وترتبط بعملية اكتساب الأطفال للغة البيئة التي يعيشون فيها اكتساب – وهذا يحدث بصورة ضمنية – قواعد اللغة مما يتيح له إنتاج جمل اللغة وتفهمها ، أي أن الأطفال ينمون ذاتيا تصورا داخليا لتنظيم القواعد التي تحدد كيفية تركيب جمل اللغة واستعمالها وتوظيفها ، وهذا التنظيم بالغ التعقيد ، كل هذا يحدث من خلال تعرض الطفل للمظاهر اللغوية في البيئة المحيطة ، وهذا ما أطلق عليه تشو مسكي CHOMSKY الكفاية اللغوية أي المعرفة الضمنية باللغة ، وهذه المعرفة الضمنية هي التي تقود إلى التكلم باللغة وهو ما يسمي بالأداء الكلامي الذي يعد بمثابة الانعكاس المباشر للكفاية اللغوية ، والإنسان حين يتكلم يستخدم كفايته اللغوية أي معرفته الضمنية بقواعد اللغة ، فالكفاية اللغوية هي التي تتيح إنتاج جمل اللغة وتفهمها ، وهي بمثابة ملكة لا شعورية تجسد العملية الآنية التي يقوم بها المتكلم بهدف صياغة جملة وذلك طبقا لتنظيم القواعد الضمنية الذي يقرن المعاني بالأصوات اللغوية ، والطفل يتشكل لديه من خلال عملية اكتساب اللغة تنظميا غير واع بالقواعد الضمنية للكلام ، ومن زاوية ثانية يمكن النظر للكفاية اللغوية على أنها المحرك لآلية التكلم ، فاللغة – كما تنظر إليها النظرية التوليدية التحويلية – مسار عقلي ودينامي ، فالسلوك اللغوي الظاهر والمتمثل في الكلام يكمن وراءه تنظيم يحكمه ويحركه .
وفي الوقت الذي يحاول فيه الأطفال فهم النظام اللغوي يقومون باستمرار بتخمين معنى القواعد ، وتكون قدرتهم على فهم وجود مجموعة من القواعد كبيرة لدرجة أن الكثير من الأخطاء التي يرتكبونها تعتمد على فهمهم لهذه القواعد ، وعند يرتكب الأطفال أخطاء في بناء الجملة فغالبا ما يحدث هذا بتطبيق قاعد خاصة بكلمات معينة مثل إضافة الألف والتاء لتكون جمع المؤنث السالم ، ومعنى ذلك أن اللغة تخلق مجموعة من القواعد التقليدية وتخالفها في الوقت نفسه ، لذلك يواجه الأطفال صعوبة في تحديد متى يكون تطبيق القواعد مهما ومتى يمكن تجاهلها وأحيانا تحدث بسبب أن الصعوبات السطحية تقف في طريق المعاني الضمنية ، ويمتلك الأطفال رؤية ذايتة للقواعد والتركيب الخاص باللغة ، وتتطور هذه الرؤية عن طريق فهم السياق الجديد الذي يتضمن معان جديدة ، وقدر ة الأطفال على التفكير في المعاني الضمنية لما يتعلمونه تتشكل عند مستوى أعمق بحيث لا تسهل ملاحظته ، ففهم الأطفال لا يتوقف عند وحدة المعنى وتطبيقها على كلمات أخرى ، بل تتسع ليشمل هذا الفهم في بدايته تطبيق هذه الوحدة من وحدات المعنى والتي تدل على جمع المؤنث السالم على كل الكلمات التي يريدون أن يستخدمونها بالصورة نفسها ، ويتعلم الأطفال ذلك عن طريق السياق والمؤشرات التي تساعد على فهم المعنى cullingford2001 p30-33)) . فتطور اللغة عند الأطفال ينساب طبيعيا بالشكل الذي يجعله أساسا عاما لجميع مظاهر التمييز بين الوحدات اللغوية ن فالأطفال يستغرقون في نشاط عقلي وإدراكي يتعلمون من خلاله اللغة بشكل سريع وذلك من خلال إحساسهم بالسياق .
من هنا يمكن القول إن استجابة الأطفال للملامح الأساسية للغة تكون سريعة ، كما أنهم يتعلمون استبدال تفسيرهم الخاص للقواعد الثابتة للأصوات الكلامية في الوقت الذي يسمعونها فيه ويقومون برصدها ، ويظهرون موقفا منهجيا من فهم الأصوات ن بمعنى أنهم يتعلمون التقاط الملامح الثابتة التي تهمهم في مجوعة الأصوات التي يسمعونها ، فهم لا يتعلمون السمع فقط بل التركيز على الأصوات التي تنقل المعنى .
والطفل تتكون لديه من ممارسته للغة عادات أو نظم عقلية خاصة فيما يتصل بتأليف الجمل ، وإنه ليألف هذه العادات والنظم كما يألف نطق أصوات لغته ونماذج مقاطعها وكلماتها ، وتصدر عنه نماذج تأليف الكلمات في جمل بطريقة لا شعورية فهو لا يتوقف ليتساءل كيف يرد بالنفي على هذا السؤال ولا يجيب عنه بالإثبات ، ولا كيف يكون أسلوب التعجب أو الأمر أو النهي ، فهذه النظم من تأليف الكلمات تصدر عنه حال إرادته ، وهكذا يتم التفاعل الإنساني ، والاستعمال اللغوي عامة بهذه السرعة التي نعهدها ، دون أن يدري الطفل كيف تحدث هذه العمليات العقلية المعقدة ، والطفل حين يتعامل مع اللغة يعرض المعاني بالطريقة التي تقتضيها اللغة مارا بعمليتين أساسيتين : التحليل والتركيب ، فأما الأولى ففيها يميز العقل بين عدد معين من العناصر التي تنشأ بينها علاقات معينة ، أما الثانية ففيها ينظم العقل أو يؤلف بين هذه العناصر المختلفة لتكوين ما يسمى في الاصطلاح بالصورة اللفظية ( السعران د.ت ، ص ص 205-206).

– اكتساب اللغة يحدث بشكل غير واع .

– يحدث الاكتساب على نسق واحدة لجميع الأطفال .

– يتضمن اكتساب اللغة اكتساب قواعدها دونما تعليم .

– اكتساب اللغة يحدث عن طريق الاستماع .

– تتشكل لدى الطفل عادات تمكنه من تأليف الكلام في صورة جمل .


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com