المجالس بين التدارس والهزل


المجالس بين التدارس والهزل



[CENTER]المجالس بين التدارس والهزل [/CENTER]

مضى زمن كان فيه نطق الصغير في المجلس من المعايب التي تؤخذ على وليه ، فالصغير يحضر الى مجالس الكبار (والتي كانت مدارس )ويستمع للكبار الذين مرستهم التجارب ومرسوها ،حتى خرجوا بعلم ودراية وحنكة وبعد نظر لا تستطيع ان تمنحه اعرق جامعات العالم .وبعد اربعين عام يحق لذلك الصغير ، الذي اشتد عوده ، وحفظ القصص والاشعار وميز جيدها من سقيمها وشهد له القوم بالصدق والامانة ،وحسن السمت، والبعد عن الهوى ،وحفظ حقوق الاخرين ، أن يتحدث ويروي وعندما يتحدث يسكت الجميع للاستماع ،ويكون حديثه على قدر الحاجة ،ولا يزيد ، ولا يبدي رأيه في الموضوع لان الناس بحاجة الى النقل الصحيح فقط ،وهو ينقل الأمانة العلمية كما تلقاها ، فتجده بحر في الانساب ، وبحر في ايام (البدو)وحروبهم ومعرفة تامة بفرسانهم واشعارهم ،ويعرف حق المنافس له من القبائل الاخرى ، فلا يظلم احد ،ويذكر الحق حتى على نفسه

اما اليوم ، فتجد ابن الخامسة عشر، وقد قراء قصة بطولية في مجلة ما ،خطها كاتب نكرة بما يوافق هواه ،ونسبها لمن يحب فتجد هذا الشباب يحدوه نزوة الشباب ،وعقل الشباب يتلقاها بالقبول ويسلم بها ، ويعاند بها العاقل ،ويماري بها السفيه فيضرب بها من سهل الى وادي ، ويغرب ويشرق ،ويزبد ويهدر وربما يتوعد ، فتارة ينسب قوم الى آخرين ، وتارة يلحق قصيدة او حدث بغير اصحابه ….وهكذا
كل ذلك من اجل الظهور المزيف والاستعجال في التصدر على أي حال وملئ الساحة باي شيء ،والنتيجة كسب العداوات ،والتنافر بين الناس ، وعدم التثبت والتروي .
وقد نهانا شرعنا الحكيم عن ذلك وأمرنا بالتروي والتثبت قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ).
يجب على من يتصدر المجالس ، ان ينزل الناس منازلهم ، ويحفظ قدرهم وحقوقهم ،ويتحرز من ظلمهم ،فالذي لا يثبت عندك ثبوت رؤيتك للشمس في رابعة النهار فلا تخوض فيه ،واتركه لمن يراه جلياً حتى يبينه للناس .والذي يهتم بقصص العرب او بمعنى ادق (البدو) يبحث عن المعلومة ويستقيها من مصادرها حتى وان بعدت الشقة ،وصعب الطلب ،ويجب عليه ان يكون متجرد من الهوى والانحياز ، فيقبل الحقيقة بعد ثبوتها وان خالفت ما كان يعتقد صحته .فالجكمة ضالة يبحث عنها من يهتم بها ، والمثل الشعبي يقول (من يبي الدح مايقول اح ).
كان هناك مجلس لاحد الاعيان ،هذا الرجل غفر الله له موسوعة في (سوالف وقصص فرسان البدو وايامهم ) وكان مجلسه عامر كل يوم ،يقول لي احد الذين يرتادون مجلسه : هذا الرجل يبدأ في الحديث فاذا تكلم احد من الحضور ،او تسار اثنين سكت يومه كله ….
في مجالسنا اليوم نفتقد الى حلقة الوصل بين جيلين ،وهذه الفجوة تزداد يوم بعد يوم ،حتى فقد بعض شبابنا شخصيتهم الاعتبارية نتيجة طول الزمان وتنحي اهل الفضل .
ارجو واتمنى ان تعود مجالسنا للمدارسة ونرقى بها عن الهزل الذي زاد حتى وصل حد الغثيان …….
وارجو ان تعود العبارة المشهورة (المجالس مدارس ) واقع ملموس ،ونتائج مقرؤه تعود لذة نجاحها على ابنائنا قبل ان تفلت ثرواتنا من ايدينا .

كتبه :
راضي بن عبيد الدسم


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com