سيدة بر الأم


سيدة بر الأم



[B][FONT=Simplified Arabic][SIZE=5][CENTER]سيدة بر الأم[/CENTER]

كلما سمعت أغنيتي (ست الحبايب ياحبيبة) لفايزة أحمد و(يامو ياست الحبايب يامو) لدريد لحام، أشعر بقشعريرة غريبة تسري في جسدي ويزداد تدفق الدم في عروقي، وأشعر بأن لي جناحين كبيرين يدفعاني للطيران مثل النسور في فضاءات واسعة وكبيرة ، ولا أستطيع أن أمنع منافذ دموعي من الانهمار بضراوة ويتملكني هاجس يأخذني إلى بحيرات مزروعة من نجم وفراش وبجع وخيول ذات ألوان وبهجة وشجر متنوع له أحجام وأغصان يانعة ورطبة..الأم ذات اليد الحانية مثل القطن الناعم أو ريش العصفور وهي تتحسس وجوهنا وتمسح عنا قلق الأيام وتعبها، الأم قنديل متوهج ينير دروبنا في الليالي المعتمة ويلحفنا بالدفء وبالعاطفة ويزيل عنا برد الأيام وخوفها وأعاصيرها القوية، الأم لها نهارات جميلة ومساءات جميلة وشمس ونجوم مشعة كبريق من ذهب ولها روح رائعة مفعمة برائحة السعادة وبرائحة الجنة وتملك ابتسامة مضيئة تحلق بنا فوق براري شاسعة من السرور والحبور ونجد فيها كل شيء، الأمل الورود والربيع وطائر السنونو والبلابل والظلال والألوان والقصيدة العذبة والأغنية الراقية والطمأنينة وهي عندنا يجب أن تكون حقل أزهار مفروش على الوجه والصدر لكي ينعشنا بروائح العطور الزاهية، الأم لها حنان متقد وغفوة حالمة ووميض أمل يشع عطرا ورقة، الأم غيمة حبلى بالمطر وجدول ماء وسرب عصافير وحلم من ندى لـــ (شيله) الأم المعطرة بعطر الأعشاب المخلوطة رائحة خاصة تملا الأنفاس بعبق الانبهار ولـــ (حنائها) المنقوشة على يديها الطاهرتين انبهار حاد يهيج فينا رائحة البيت ، ولــــ (عباءتها) الطويلة ظلال يقيني لهيب الرياح وحده الحر ولـــ (عصابتها) الملفوفة على رأسها الطاهر زي خاص يوقد فينا الانتشاء والشموخ ولـــ (سوالفها) سرد قصصي معجون من تعب وكد وكدح وحكمة وفصول تجربة أبطالها تضاريس ومناخ وبشر ، الأم حفيف السعف هي وظلال النخيل ورائحة التمر وحقول القمح ، الأم رحم البيد هي وحكاياتها وطقوسها ، حاملة الهموم الكبار الثقال ، البارحة عندما كان المساء مساء ، والحكايا حكايا ، ومواقد النار في أيام الشتاء مواقد ، والضوء يكسوه بعض الضباب ، وبرد جميل يداعب الجسد ، وريح خفيفه تضرب الشجرة التي هناك في باحة الدار عند الغرفة المنزوية ، حدقت طويلا في وجه السيدة البارة لأمها ، بدت شاحبة ومتعبة وعلى غير عادتها ، رف في مقلتي بعض الدمع ، والدمع علامة تسلب اللب وتهزم القلب وتكسر الضلع ، البارحة دون الآخرين أتشحت بالحزن ولم أتشح بجمال الأقحوان والنرجس وشدو البلابل وخرير الماء ، ولج الضيم في أضلعي ، أحسست بالجمرة والريح والبرد معا ، البارحة فقط تذكرت جيدا كيف أنشغلت هذه السيدة الرحيمة الحانية البارة بقوه بأمها بالسهر ، وكيف بقت تطبطب على ظهر أمها طويلا بمفردات رائعة تحثها على الحياة ، وكيف أصبحت تؤطرها بالكلام البديع والمحسنات مستخدمة صورا ورموزا وأستعارات واضحة وشفافة ليس بها غموض ولا زيف ولا غبش ولا أنانية مفرطة ، من دون أن يثقلها الواقع أو يصيبها شيء من التلكؤ أو يتلبسها العجز أو الخمول والأسى.

فاصلة:
أغنيتي (ياست الحبايب يا حبيبة) و(يامو) لو أستطيع أو لدي القدرة لجعلت من هذه الأغنيتين نشيدا لكل طلبة المدارس في طابورهم الصباحي ينشدانه بعد النشيد الوطني تقديرا واحتراما وإجلالا وتعظيما وتقديسا وتذللا وخفض جناح لدور الأم لتميزها وتفردها من لحظة الحمل الطويل مرورا بالمخاض المؤلم والولادة العسيرة والسهر المتواصل والتعب المضني والإرضاع والتغذية والخوف والتفكير والقلق، وحتى أن يصبح الطفل رجلا يدافع تيارات الحياة القاسية ويعيش في هلاميتها الموحشة.

[COLOR=#0533A3]رمضان جريدي العنزي [/COLOR][/SIZE][/FONT][/B]


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com