الكاتب رمضان جريدي: الأندية الأدبية في منطقة الحدود الشمالية ليست سنبلة ولا حوض ماء !


الكاتب رمضان جريدي: الأندية الأدبية في منطقة الحدود الشمالية ليست سنبلة ولا حوض ماء !



فتح الكاتب رمضان جريدي أروقة الأندية الأدبية ومايجري فيها وقال بأنه سيعلن ستار الحقيقة هذه المرة وبحدة: بأن الأندية الأدبية في منطقة الحدود الشمالية ليست سوى أعمدة مائلة وشيء يشبه التكلس والضمور والكساح ، ليس لها حضور ثمين ولا بهاء ولا ألق ، لكن بها خفوت وقصور وبعض عتمة ، منذ أمد طويل لا الشكل تغير ولا المضمون تبدل وحتى الوجوه نفس الوجوه ونفس الندب ونفس العلامات الفارقة وحتى خارطة الترشح نفس الخارطة.

لا صوت تلك الأندية نهر ، ولا عطائها سنبلة ، ولا ينبض في صدرها القلب ، وحتى فراشاتها لا ترف ولا تغدو إلى الوردة في المزهرية ، أرضها عطشى ، وساقيتها فتور ، وجسدها مسجى بلا حراك ، ليس لها حلم زاهي ، ولا طعم عسل ، ولا تدغدغ خواصرها طقوس الغيوم الجميلة ، لها دكة شخير طويل ، ولا تنسج في الروح جاذبية هطول المطر ، جموحها بلا صهيل ، وأحصنتها خشب ، وعشبها به يبس وصفرة ، وسهوبها ملح.

من المؤكد أن هذه الأندية تحاول الرحيل صوب انبجاس الماء ، لكن لا ماء عندها ولا ديم ولا ندى ، لا هلالها له ضوء ، ولا صوتها ذا إطار مخملي ، ولا ربيعها نفس الربيع ، ولا إنتعاشاتها تحتسي شوقا من الينبوع والساقية ، خمولها يكبر ، وفوانيسها مصابة بزمهرير الكسل ، أنها تبحث بوجل وعجل عن سهوب خضراء ، ورحيق عسل جبلي ، ولون عشب ، ورائحة لذيذة ، وانبساط أرض ، لكن ضجرها أفقدها حدود التحدي ، وركضها اللامتوازن صبغها بلون الرماد المجفف ، وأوصد غديرها بحاجز السد الكسيح ، حتى أنها أصبحت لا تعرف كيف تغازل نجوم السماء ، ولا صار في سلة أحلامها عناقيد من عنب ، بل صارت مثل قنبرة وحيدة ، تغني للأفلاك ، وبيادر الحصاد المهمل العتيق ، لا شيء لدى هذه الأندية سوى قصائد محروقة ، وروايات باهتة ، وقهقهات عالية ، وبعض كلام مموج ، وجلد ذات مصفف ، وتجاويف حديث ، وهذيان مرقط ، ليس عندها تباريح ، ولا ساقية تروي أشجار التأمل ، ولا تعرف كيف تضفر من المفردات أكليلا للباحثين عنها.

وحده الجفاف يرصدها ويرسم حولها هالات الرماد ، تحمل ذعرها المكتوي بأشعة الشمس الحارقة ، شباكها تهتز ، وقطاراتها لا تترك بصماتها على التواءات سكة الحديد ، لا شيء في حياة هذه الأندية سوى ممارسة الشخير وبعض إفاقة ضئيلة ، ومن فرط ذلك صار السكون الكبير يغزوها ، ومساماتها ترحب بالقنوط ، من المعروف بأن النشاط ينزف مليون فكرة ، والسلالات الصفراء تغدوا بعد حين خضراء ، وتلد بذرة ، والبذرة تلد ألف بذرة ، لكن الأندية في منطقة الحدود الشمالية صارت ولأسباب كثيرة مثل الهيكل المصاب بالملاريا ، الذين من حوله يتحدثون عن هلاكه المؤجل ، وهو يرقب الكواكب ، متمنيا الارتقاء لها ، الأندية الشمالية هناك تشبه تماما ذلك الهيكل ، وتشبه أيضا النسور المحلقة في الفضاء البعيد ، لكن رضاب تلك النسور قد جف من فرط جوعها ، وعادت تحلم أن تنام في أعشاش مهترئة تحمل في أوداجها فجيعة كامنة في الأغوار ، الأندية هناك لا تفتح شرنقة القلب ، ولا تمخر في مهجة الأشياء ، ولا تشبه الأصابع السحرية ، ولا حدود العطر والعافية ، ولا صحوة الصباح الباكر ، وفي السنين الأخيرة أصبحت تلك الأندية مثل باخرة محملة بالأنعام لكن ربانها ليس ماهر ولا يعرف حدود المسافة ومتى يكون الوصول ، قد يرشقوني بعد هذا بالسهام وبالنبال وبعض الحصى.

وقد يرمونني في الخلجان البعيدة أو في الدهاليز الباردة ، لكنني ها قد أقتحم أعشاش تلك الأندية المصنوعة من أعواد رقيقة وقش ، وأعلنها صراحة ، بأن تلك الأندية تمارس طقوس غريبة ، وفق سبات عجيب ، وحلم ثري ، لذا سأطلق بعض الأسئلة الحادة: كيف تركض غزالة الفرح في بواطن الربيع؟ وكيف يحمل الوسام؟ وكيف يرتقى سلم الفكر؟ وكيف عناق الوصول؟ وكيف تمور رشاحة اليراع بين الأنامل؟ وكيف البحث عن فجوات تطل منها الفكرة وتنبجس من خاصرتها الرؤى؟ وكيف تكون الروائع؟ وكيف هو حيز اللون والحبر والمحبرة؟ وكيف تنسج الأفكار في مياه الغدير؟ وكيف تمارس اللغة؟ وكيف تكحل أهدابنا؟ وكيف يكون التقاط الحصى المغسول بماء البحر؟ وكيف الأتجاة صوب الرابية؟ وكيف هي غيمة الصباح؟ وحدائق العشب؟

وكيف استيقاظ المواكب؟ وكيف الفكرة تدخل حاضنة العقل مثل صعود العاصفة؟ وكيف هي طوارئ الشتاء؟ والسديم الشفيف؟ ولثم المطر؟ وكيف يرحل الغيم باتجاه الأفق؟ وكيف هو انسكاب الحبر على جسد الورق؟ وكيف يفتح العشق شرنقة الصباح ويمخر؟ وكيف هي الوهاد وقصب الخيزران؟ وكيف تكون القصيدة جديرة بشاعر يعشق أصيص الزهور وشكل الحبيبة؟ وكيف هي النخلة حين تكبر وعذق البلح؟ وكيف هي هيأة الطير وقت المطر؟ أن الأندية في منطقة الحدود الشمالية مثل يتيمة ترنو عيونها إلى ما بقى لها من آباء، وتتوسل أن تظل حية وحاضرة بثبات وأن كانت بغصة ، لذا فهذه الأندية بحاجة ماسة إلى الاشتعال السريع ، وشيوع العمل ، والنهوض من السبات العميق ، وحفظ الدرس ، والانزياح من التنظير اللغوي إلى العمل الزائد والجماعي ، بعيدا عن نرجسية الذات والفئوية ومحاولة التفرد ، والانشغال بالأسلوب والنص والتأليف ومسائل النقد والتعريف المكثف بالمنطقة وتفعيل حراك الحياة وخلق نوع فكري جديد ثري ومتوازن وإيجاد ثورة معرفية تشمل كل مناحي الأدب المختلفة الروائية منها والشعرية والمقالة وجعل هذه الحقول تكبر وتتسع ويقبل عليها الناس بشغف وتعطي مؤشرا عميقا له توهجه والقه.


1 ping

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com