للبندقية والقلم عندنا فوهة واحدة!


للبندقية والقلم عندنا فوهة واحدة!



[FONT=Simplified Arabic][SIZE=5][B][COLOR=#040400]

[JUSTIFY]منذ أمد طويل ولغتنا الإنشائية والخطابية والشعرية ممتلئة بعنف جذري، ومنذ أمد طويل والقلم والبندقية يمتزجان مع بعضهما بعضا، حتى صارت فوهة البندقية وفوه القلم عندنا فوهة واحدة، ومنذ أمد طويل ونحن نردد ونلقن أبناءنا وأحفادنا (السيف والرمح) حتى صار للسيف (ثمانين) اسما.

وللرمح والترس والخنجر مايشبه ذلك العدد أو يزيد ، قصائدنا وخطبنا كلها دماء وقتل وتغني بالسيوف والرماح والبنادق والرصاص والقذائف والأحجار والتفخيخ ، قصصنا معارك وكمائن وسواتر وجثث وأطلال حتى جعلنا الخراب جميلا نتغنى فيه والهدم سيمفونية نزدان بها ومعها والقتل علامة مميزة ورائدة وصفة ترفع لها رايات البطولة وبيارق التفرد ، وحتى الوردة البيضاء دسناها بأقدامنا وتركناها لوحدها تضمحل وتموت، قصائدنا جلها – حجاجية – مليئة بالهجاء والتقزيم والفخر والتعالي والبطش والقوة وقطع الرؤوس ، نناصب الآخرين – أي آخرين – العداء والكراهية والبغضاء والشتم والانقباض وعدم اللين.

وتمتلكنا منهم الوحشة ويتلبسنا التوجس والشك والريبة ، ونميز أنفسنا بتفرد عجيب وأنانية فضفاضة بأننا الأعلى والأحلى والأجمل والغير، حتى لو كان الآخرين طيبين وخيرين وأنقياء وطاهرين ولهم بياض كبير ومداد عظيم وحضور وبهاء ، منذ أمد طويل ووصولا للحاضر ونحن بكل أشكالنا وألواننا وأطيافنا وانتماءاتنا الفكرية والاديولوجية متسربلين بالازدراء والعنف والخشية من الآخر والخوف منه رغم حاجتنا الكبيرة والماسة له واعتمادنا علية بالكلية متناسين بأننا أمه مستهلكة بنهم وغير منتجة وغير فعالة وأننا نحبذ بامتياز أن نتدثر بالعباءات الوبرية شتاءا وبالبشوت الرقيقة صيفا ، وحضور الأعراس والمناسبات بزهو يشبه زهو الطواويس أو أكثر، ونبحث عن احتفالية خاصة وترحيب خاص حين الحضور وحين المغادرة ، ولا نجيد سوى مطاردة الطيور المهاجرة حين مواسم الصيد ونتفنن بصيدها بعد رصدها ومن ثم التلذذ بها والمباهاة .

إننا نملك نرجسية عالية بحب الذات إلى درجة الهوس والجنون ، لهذا نحب المدح العالي بكل أشكال وأصناف التملق والتظليل والتزلف والتمويه والثناء الممجوج ، محاولين إبراز أنفسنا بصور حية وناصعة وراقية ونحن نعرف سلفا بأننا لا نجيد هذه المعزوفة ، بل نجيد عبارات مثقلة يتداخل بين ثناياها الكلام الذي يخفي خلفه عبارات الحيل والمكيدة ، ونكره النقد الهادف البناء أيا كان هدفه ومصدرة لأن لدينا إشكالية الوهم وخزين الذاكرة المعتم وتصارع الأضداد في دواخلنا، إننا نسرف بالحلم ، ولدينا احتدام في الوعي ، ولا نملك ضبط الروية ، ولا إيماءات الواقع ، وحتى لعبنا مكشوفة ، ننشغل في تزيين الأشياء لكننا لا نتقن تنبؤ ماهية النتائج ، نضع أنفسنا في موقع الفاهم والعراف والملم والحافظ والواعظ والداعي ولا نعرف إيصال المفاهيم ببلاغات القصد ، لدينا موسمية عشب ، لكن ليس لدينا مطر ولا حتى رذاذ خفيف أو ندى ، منذ أمد طويل ونحن نراقص ثقافتنا المصطنعة على خشبة المسرح ، مؤدين بإبداع كيفية القتل وفناء الحياة وبخس الروح ، منذ أمد طويل ونحن نكتب نصوصا نرتكبها كردود أفعال بصيغة عمل ثقافي عنيف، حتى أصبحت ثقافتنا جزءا من العنف والموت والدمار والهلاك ومناصبة الآخرين العداء البغيض الذي يشبه الرماد المحترق ، حتى اكتسح هذا العنف نفوسنا واستقر فيها وتمكن ، وحتى أصبحت البنى التحتية لثقافتنا وتعاملاتنا مع بيننا ومع الآخرين مهددة بالانهيار والقحط والجدب ؟!،

أسئلة كثيرة تمس شغاف قلبي اطرحها على العامة قبل النخب الثقافية، هل أعمالنا وأقوالنا أعمال وأقوال عنفيه ؟ أذا كان نعم، هل من الممكن أن نتعرف بدقة على الأسباب الثقافية أو الإيديولوجية التي أدت إلى هذا التطرف الأعمى البغيض؟ والسلوك الدميم ؟ والتقوقع القاتل ، وهل ممكن أن نواجه هذا العنف وهذا التطرف وهذه الأنا والنحن وتحويل كل هذا إلى سلوك حضاري لمجتمع حداثي يريد أن يبني صروح التقدم والبناء والاستطالة ، دعونا نفكر بهذا الأمر بجدية تامة وشفافية مطلقة من حيث الأسباب ومن حيث النتائج، وأن نربطها ببؤرة الإحداث القريبة والبعيدة منا وعنا وكيفية علاجها وتلافيها، لأسأل بعدها مرة أخرى، ما هي رؤيتنا كعامة ومثقفين؟

وما دورنا لكي نسهم في صنع مناعة تحمي مجتمعنا من العنف والتطرف والتقوقع في الفكر وفي التنفيذ وفي التعامل؟ وما هي المعالجة التي يجب أن تكون ، بمعنى أن علينا التفكير في الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخطابية والمنهجية والتلقينية ، لذا أقترح أن تكون المعالجة هي الوقوف طويلا على عتبه إصلاح الخطاب ومفرداته ومناهج المعرفة والتلقين والتربية واستبدال الكلمات العنيفة التي نستخدمها يوميا إلى كلمات أكثر رقة وأكثر واقعية بعيدا عن غوغائية المفردة وحدة التخاطب وعنفوية الإنشاد والكلام ، وعليه عشرات المرات أن نفكر قبل أن نكتب كلمة واحدة أو نقولها ، لأن أغلب خلايا ألسنتنا مفطورة على كلمات قاتلة ودموية وبها تشفي وتميز وتباهي ودونية واحتقار للغير – أي غير – القريب والبعيد.

إنني في الأخير أقول: إننا بحاجة ماسة لصحوة ثقافية ولغوية وخطابية جديدة حتى لا تضيق بنا العبارة ويلفنا الصمت والتيه والضياع والتشرد ، وحتى لا نخرج من مولد هذه الحياة بلا حمص ولا عسل ولا حتى – أقط – ولكي لا تصبح علاقتنا مع ذواتنا ومع الآخر مثل علاقة الملح والماء ، عليه أن لا تكون للبندقة والقلم عندنا فوهة واحدة عملهما الرئيسي القتل والإبادة.[/JUSTIFY]

[COLOR=#001CFF]رمضان جريدي العنزي [/COLOR]
[email]ramadanalanezi@hotmail.com[/email][/COLOR][/B][/SIZE][/FONT]


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com