مدير مطار عرعر الأسبق : استقبلنا الطائرات على أنوار السيارات


مدير مطار عرعر الأسبق : استقبلنا الطائرات على أنوار السيارات



يعد رمضان بن عبدالله الشاذلي مدير مطار عرعر الأسبق أحد رجالات منطقة الحدود الشمالية البارزين، حيث أمضى 40 عاما كاملة متدرجا في المناصب حتى وصل الى ادارة المطار في وقت كانت فيه الامكانات شحيحة، ولا يتم استقبال الطائرات إلا في الفترة النهارية فقط.

ويتذكر الشاذلي ظروف هبوط إحدى الطائرات الكبيرة اضطراريا في المطار في الفترة المسائية بعدما تم الاستعانة بأنوار السيارات لكشف المدرج للطائرة من أجل الهبوط الصحيح. وبكثير من التقدير يتذكر الشاذلي موقف أهالي عرعر النبيل عندما تركوا اسرتهم في المستشفى من أجل تقديم الرعاية المطلوبة للمصابين في حادث سقوط الطائرة العراقية، وكيف كانت الطائرات تهبط في الفترة النهارية فقط لضعف الإمكانات.
[COLOR=#0B1EF5]
* كيف كانت النشأة وأين ؟[/COLOR]

– كانت في مدينة الوجة في اليوم الاول من رمضان لعام 1357هـ، نشأت بين أخوالي قبل أن ألتحق بالمدرسة الأميرية، ثم انتقلت إلى المدينة المنورة لإكمال دراستي ثم إلى مدينة العلا ثم انتقلت إلى مدينة عرعر كموظف في إدارة اللاسلكي الذي حمل بعد ذلك اسم إدارة البرق والبريد والهاتف.
وفي الوجة تلقيت علوم اللاسلكي في مدرسة إرسال واستقبال البرقيات عن طريق «المورس» وهي صناعة كانت تعد في ذلك الوقت شاقة ومتطورة وكان الإقبال عليها غير ذي جدوى مع أن البلاد كانت بحاجة إلى النقلات المهمة وتوفير وسائط الاتصالات والتخاطب، وفي العام 1374هـ انتقلت إلى عرعر موظفًا في قسم «المورس» اللاسلكي وهي الخدمة المتخصصة بإرسال وتلقي البرقيات واستعاضت الحداثة عنها بالهاتف في وقتنا الحاضر والفارق شاسع بطبيعة الحال بين التخاطب بالإشارات والحديث بالصوت المسموع لكنه كان يضيق على خلفية الخبرة والانتماء وحب العمل، فكانت إشاراتنا في ذلك العصر أشبه بالكلام كما ان في الصمت كلام.
[COLOR=#0A0EF3]
* أربعة عقود أمضيتها في العمل.. كيف كانت بالنسبة لك ؟[/COLOR]

– اربعون عامًا من التحليق والركض لم أنل فيها إجازة ليوم واحد. كانت علاقتي على مدار الساعة مع المطارات وهمومها وشجونها وذكرياتها الحلوة والمرة وقد تقاعدت عن مهامي في رجب من العام 1413هـ. وهذه الفترة شكلت في وجداني إضاءات أنارت لي الدرب ومهدت الطريق لمن جاء بعدي مديرًا لمطار عرعر الذي كان يحمل اسم مطار بدنه منسوبًا للمنطقة التي أنشيء فيها وقد نلت الكثير من الإشادات التي أستحقها من المسؤولين لقاء اخلاصي في العمل.
[COLOR=#062EF1]
* ماهي أهم الأعمال التي كلفت بها ؟[/COLOR]

– كلفت من قبل أمير منطقة الحدود الشمالية الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد اَل سعود بتقديم المعلومات والإشارات للطائرات وهي الخدمة التي أفنيت فيها بعضا من رحيق شبابي وسنوات عمري، وجاء تعميدي من الفريق إبراهيم الطاسان قائد قاعدة جدة مدير عام الطيران والخطوط السعودية والأرصاد الجوية، وكانت مهمتي في تلك الفترة تتعلق بتقديم المعلومات الجوية إلى الطائرات بصورة مباشرة مثل حالة الطقس وحالة المدرج حتى تتمكن الرحلات من الهبوط بسلام لاسيما أن المطار في ذلك الوقت كان بلا أرصاد جوية ولا حماية أمنية ولا خدمات تذكر، كانت مهمتي تتلخص في القيام بكل تلك الأعباء وتوليتها بمثابرة وانتماء وحب عميق للمهنة التي نذرت معظم حياتي من أجلها.
[COLOR=#090DF5]
* وماذا تحملون من ذكريات عن هذه الفترة؟[/COLOR]

– أتذكر مطار بدنه وحالته المتواضعة ومدرجه الترابي الخطير الذي أنشأته شركة التابلاين وموقعه الذي يشرف على وادي بدنه وانتسب اسم المطار له اسمًا ورسمًا في ذلك الوقت وحتى العام1375هـ ولن أنسى على كل حال تلك المصاعب والعثرات والمشكلات التي واجهتني من الناحيتين الفنية والإدارية، وكانت خبراتي التراكمية تستمد من الاستماع والراديو وكانت أهم نقلة في حياتي عندما صدر قرار بتعييني مديرًا لمطار بدنة (عرعر الحالي) بمسمى مأمور المطار ملازمًا له في حله وترحاله وبات يوم العشرين من جمادى الآخرة في عام 1384هـ محطة مهمة في حياتي ومنطلقًا لوثبتي الكبيرة التي أصبحت جزءًا من وجداني ودواخلي، وتلازم تعييني التفكير الجدي في تشييد مطار حديث في عرعر، وشهدت حقبة التسعينيات مولد الفكرة وتحولها إلى واقع جميل شهدته المنطقة المسماه بـ(نقديه الهلالي) والتي تبعد عن وسط عرعر بنحو 20 كيلو مترًا فانزوى لقب مطار بدنه ليحل اسم مطار عرعر بديلًا عنه وفي تلك الفترة كان المطار عبارة عن مهبط ترابي لا تتوفر فيه أي خدمات إلا بمقدار الجهد الشخصي للعاملين، وبدأت فكرة تحويل المدرج الترابي الى مهبط، وتنبه المختصون في ذلك الوقت إلى ضرورة إعداد دراسات لمواجهة إشكالية المهبط الترابي والبحث عن تنظيمات للإدارة والحماية.
[COLOR=#0E20F5]
* ماهي أبرز المواقف التي واجهتها فيما يخص هبوط الطائرات خاصة أن المطار ترابي وغير مضاء ؟[/COLOR]

– في إحدى ليالي الشتاء القارص والممطرة حلقت طائرة عملاقة في سماء المدينة وأطلق القبطان بعض الإشارات الملونة من المقصورة في إشارة لحدوث أمر طارئ، رجحنا أن الطائرة تود الهبوط اضطراريًا في مدرجنا الترابي المظلم، وصدقت توقعاتنا قلنا إن الطائرة هابطة فما عسانا أن نفعل أمام هكذا وضع وتبين أن الطائرة التي اقلعت من مطار جزيرة أم السعد في دولة الإمارات العربية المتحدة في طريقها إلى العاصمة اللبنانية بيروت وقد فشلت في الهبوط في مطارها بسبب سوء الأحوال الجوية فقرر كابتن الطائرة الهبوط اضطراريًا في مطار بدنه القديم، الموقف كان عصيبًا لأن المدرج الترابي غير مجهز لاستقبال الطائرات العملاقة فضلًا عن عدم توفر الإضاءه فيه، وأثار تحليق الطائرة في سماء عرعر انتباه الأهالي إلى الطائرة وتدافعوا بسياراتهم إلى محيط المطار لمتابعة الحدث الطارء، في العاشرة مساءً تجمعت أكثر من عشرين سيارة في المكان القريب من المدرج، والمطار يستقبل في ذلك الوقت جميع الرحلات في النهار فقط لكن حالة الطائرة التي تحلق الآن في سماء عرعر تختلف فكيف لمطار ترابي مظلم أن يستقبل مثل هذه الحالة الطارئةه، وكان الظلام الحالك الذي يلف المطار ومدرجه همًا ثقيلًا علي وفجأة تفتقت الفكرة من رحم العدم، هرعت إلي السيارات المتوقفة قرب المطار وطلبت من سائقيها التوزع على أركان المدرج وتوجيه مصباح السيارات على المدرج بالكامل فتحول الجانب الشمالي لقطع نهار ساطعة، فهبطت الطائرة العملاقة بسلام ولله الحمد، ملخص الفكرة أن الحاجة أم الإختراع، لم يكن متاحًا في تلك اللحظة الارتكان الى الظروف والدخول في حالة اليأس، بل كان علينا أن نتصرف، وتصرفنا ونلنا التقدير والاحترام وتبين أن الطائرة للشحن وغادرت في اليوم التالي إلى وجهتها بسلام.
[COLOR=#0B1EF2]
* طالما ما زلنا في هذا الاطار حدثنا عن سقوط الطائرة العراقية ؟[/COLOR]

– كانت من أصعب المواقف التي عشتها وتمثلت في كارثة جوية عندما سقطت طائرة ركاب عراقية قرب المنطقة، وكنت قبل الحادث في وداع نجلي مساعد الطيار في رحلة الخطوط السعودية التي حلقت قبل وصول الطائرة العراقية المنكوبة، فعشت لحظات تداخلت فيها مشاعر الأب الحاني على نجله وإحساس المسؤول، إذ أن الطائرة العراقية تحطمت بعد إقلاع نجلي بنحو عشرين دقيقة وعندما جاءني الخبر وأنا في طريق عودتي للمنزل عدت للمطار مرة ثانية واحترت هل أذهب للبحث عما تبقى من جثمان ابني أم أطبق ما تعلمته من خطط الطوارئ في تلك الحالات، إلا أنه فور وصولي تماسكت وبدأت في توجيه الفرق ومساعدة فرق الإنقاذ ولم أنتبه لشعار الطائرة العراقية إلا بعد إنقاذ ما يقارب نصف الركاب فواصلت عملي راجيًا الله أن أنجح في إنقاذ البقية، ذلك الحدث الجلل تزامن مع بدء فترة تأسيس المطار الجديد حيث تولت فرق الإنقاذ والإطفاء مباشرة حادث الطائرة التي كانت تقل نحو 130 مسافرًا، استفادت الكوادر من عمليات التدريب والزيارات الميدانية لقيادات الطيران المدني، وكنت حريصا على بدء فلسفة خاصة في مطار لا تتوفر فيه وحدات الإطفاء والانقاذ، ومع ذلك استطاعت وحدة المطار تطويق حادث الطائرة المنكوبة بنسبة 90% وتم نقل 70 مصابًا إلى مستشفى عرعر المركزي في أقل من 30 دقيقة إلى جانب ضبط منطقة سقوط الطائرة والسيطرة على الموقف وتحريز المواقع والاستعانة بالمستشفى العام، وكذلك مستشفى التابلاين لنقل المصابين الضحايا وأتذكر جيدا أن الجميع كانوا يتسابقون في تقديم ما يمكن، حيث ضرب أهالي عرعر مثلًا رائعًا في الشهامة والنبل عندما تدافعوا إلى المستشفى للتبرع بدمائهم لإنقاذ الجرحى والمصابين، وهذا موقف مطبوع في الوجدان والذاكرة وبلغت الشهامة قمتها عندما غادر المرضى أسرتهم في المستشفي العام لإتاحة الفرصة للضيوف المصابين لتلقي العلاج، ومن بين من غادروا مرضى حالاتهم كانت حرجة.

وتلقت إدارتي خطاب شكر وتقدير من وزير الداخلية الأردني والذي كان على متن الطائرة المنكوبة وكتبت له النجاة، ومع ذلك لم تمر التجربة المريرة والحادث المأساوي بلا دروس وعبر، حيث استفاد الجميع من التجربة في كيفية التعامل مع الأحداث الطارئة والمواقف العصيبة، فحقق العاملون في مختلف القطاعات نجاحات مبهرة، وتمخض عن ذلك اتفاق بين إدارة المطار والدفاع المدني على إقامة تدريبات مشتركة ومعرفة كيفية التعامل مع الأحداث ومواجهة الطوارئ وكانت لتلك التدريبات أثرها الكبير في ترقية الأداء ورفد كافة العاملين بالخبرة.
[COLOR=#0B25F2]
* حدثناعن طباعة الكتاب الخاص بك ؟[/COLOR]

– عكفت على إعداد كتاب تحت عنوان ((المدير والدكتور)) الأول أقصد به مدير مطار عرعر، والثاني أقصد به أخي الدكتور رفعت الشاذلي فقد تربينا يتيمين في منزل أخوالنا، وتتضمن السيرة كذلك تجربتي وذكرياتي منها حرصي على تدريب كافة رجال وحدة الإطفاء والإنقاذ وإلزامهم بدخول تجربة عملية بإضرام النار على هيكل شبيه بالطائرة ومن ذكرياتي أنني أسهم في تحفيز العمال على الدراسة ومنهم من حصل على الشهادة الجامعية ومنهم من ابتعث الى الخارج.
[COLOR=#1B0AF7]
* يقال أنك تعرضت للكمة خــطــافــيــة وعــضــة غـــادرة مـــن مــريــض على نــقــالة ؟[/COLOR]

– لكن تلك العضة التي نلتها من راكب غير سعودي بقيت ملامحها حتى يومنا هذا، فقد جاءوا بمريض على نقالة في طريقه للعلاج في العاصمة الرياض، وحاولت أن أخفف عليه أوجاعه وآلامه فاقتربت من النقالة داعيًا له بالشفاء والعودة سالمًا غانمًا لأهله وأسرته، لكن المريض قابل دعائي بلكمة خطافية مباغتة عانيت منها كثيرًا، ومضى المريض العدواني منقولًا إلى متن الطائرة فأصابته حالة من الهياج وهاجم كل من في محيطه بعدما فلت من الممرض المرافق وحاولت السيطرة عليه وأمسكته لكنه أفلت مرة أخرى وعضني في إصبع يدي وكسره وبقيت تحت جبر الكسر نحو ثلاث سنوات.
[COLOR=#0C17F0]
* وماذا عن شكوى أهل المنازل القريبة من المطار التي تكشف الطائرة منازلهم ؟[/COLOR]

– قال: خلال فترة رئاستي لمطار عرعر، حدثني أكثر من شخص من سكان المنازل القريبة من محيط المطار وقد دفعتهم الشكوى في الإفصاح بعدما عز الصمت، قالوا لي إن الطائرة التى تحلق أثناء الهبوط تكشف منازلهم وتمنع عائلاتهم من الاستمتاع بأجواء المساء، ولابد من حل سريع وناجح، يقول: احترت في الإجابة لكن رددت على المتقدمين بالشكوى وقلت لهم تأخرتم كثيرًا، فقد صدرت الأوامر من الدولة واقتنع أصحاب الشكوى ولم يعودوا مرة ثانية.
[COLOR=#091CF7]
* وماذا تتذكر من قصة لسعة عقرب المطار؟[/COLOR]

– كثيرة هي المواقف التي صادفتها خلال مسيرتي كمدير مطار عرعر غير أن موقفًا مؤلمًا عشته سيبقى في جدار الذاكرة عندما لدغتني عقرب أثناء مشاركتي العمال في بعض الإصلاحات في صالة المطار وكان ذلك بعد 25 عامًا من عملي في المطار، حيث كنت أستمع للعديد من القصص والروايات التي يحكيها زملائي وأصدقائي عن لدغات العقارب خصوصًا من أولئك العاشقين للأجواء البرية، وكنت في قرارة نفسي أتمنى بشكل أو بآخر أن تلدغني عقرب صغيرة حتى أعيش التجربة وأعرف حقيقة تلك القصص المتداولة حول تلك الزواحف الخطيرة، وفي إحدى المساءات وبينما كنت مع عمال الصيانة نقوم بترتيب إحدى الغرف المغلقة منذ زمن لتجهيزها لإحدى الإدارات أصابني الزاحف الخطير فركضت من الخوف نحو نصف كيلو متر متألمًا ومتوجعًا قبل أن أمضي بنفسي إلى المستشفى للعلاج.
[COLOR=#0B09F5]
* يقال إنك أمضيت أربعين عاما دون أن تأخذ إجازة ؟[/COLOR]

– المدرسة التي نلت فيها العلوم الإدارية والفنية تمثلت في ثقافة التعامل الفني في سلك الاتصالات اللاسلكية التي ضمنت تأمين أسرار الطيران وتأكيد ثقافة العمل والانضباط، واستمررت في أداء مهامي لأكثر من أربعين عامًا دون أن أتمتع باجازة سنوية، لأن واجباتي كانت تحتم علي البقاء على رأس العمل وكنت أعوض ذلك من خلال إجازتي الأسبوعية التي أقضيها بالقرب من عائلتي، ولعل دعم صاحب السمو الأمير عبد الله بن عبد العزيزبن مساعد أمير منطقة الحدود الشمالية كان له الأثر الأكبر في ذلك، وبعد 20 عامًا من تقاعدي مازلت أتواصل مع رفاقي في الطيران المدني، وأدعو بالرحمة لمن توفاه الله.
[COLOR=#0A15F2]
* هل هناك لقاء تاريخي تتذكره حدث في عرعر ؟[/COLOR]

– نعم استقبل المطار الترابي القديم، الملك سعود بن عبدالعزيز اَل سعود في عام 1378هـ، وهبطت طائرته الداكوتا على بعد 150 كيلو مترًا غرب عرعر، وكانت الوسيلة الوحيدة لـلاتصال هي أجهزة «المورس» اللاسلكية في ذلك الزمان، والتي تعلمت فنونها من معهد شرارة في مصر، إلى جانب دورة في العاصمة اللبنانية بيروت ثم مكة المكرمة، كما استقبل المطار ذاك الملك حسين بن طلال ملك المملكة الأردنية الهاشمية عندما وصل البلاد للقاء الملك سعود، وكان الحدث تاريخيًا بكل المقاييس. وفي مواسم الأمطار كان المدرج يصاب بالشلل، وكانت أكبر صالة في ذلك الوقت لا تتعدى حجم الغرفة العادية، ومن الطائرات التي استقبلها مطار عرعر أيضا، الداكوتا، البروستل، والكونفير.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com