قصاصة تركها منتحر


قصاصة تركها منتحر



[FONT=Simplified Arabic][SIZE=5][B][COLOR=#060600]

[CENTER] كفى بك داءاً أن ترى الموت شافياً ………. وحسب المنايا أن يكن أمانيا[/CENTER]

[JUSTIFY]بهذه البيت الشعري استهل المنتحر كتابة قصاصته , واستطرد يقول كنت أعتقد في أعماق نفسي أن هذا المارد الساجي في احشائي لن يستطيع أن يغلبني أبداً , فكثيراً ما كان يهاجمني حتى في مراحل عمري الأولى إلا أني كنت أكبحه بالتجاهل ,وألجمه بصبري وإيماني . هذا المارد له أساليبه التي أرقتني , حيث لا يفتأ أن يهاجمني ويكثر من هجماته. فكان يأتي أحياناً بصفة القلق الطبيعي عند مواجهة بعض المواقف, فكنت أعللها بأنها ردات فعل طبيعية يتعرض لها الأعلبية . لكن هذا المارد أصبح ينمو معي حتى بات له المقدرة على التحرك من سجوته إلى مد حباله إلى أفكاري. فكنت أصارعه بكل ماعندي من قوة ,فأصده ويغلبني. فمن أنتصاراته أنه استبدل أفكاري إلى هوام مزعجة , ونجاحاتي إلى تفاهات وابتذالات . ومن انهزاماتي أمام هذا المارد , أنه كان يتصور لي أن كل إنجازاتي ماهي الا بفعل الحظ , وأن كل إخفاق هو من ضعفي . فأصبحت أعدد مساوئي وأغفل عن حسناتي إن وجدت .

بقيت اتساءل كيف لهذا المارد المتطفل إلذي يعيش بداخلي أن يعرف كيف هو التسلل إلى عقلي , أخانتني نفسي أم ضعف معيني . أم أن نفسي هي المارد التي غذيته حتى أصبحت لا أمسك له لجاماً . لكن بما بقي لي من حيله , رضيت بأن تكون نفسي مطية لهذا المارد, فخليت له داخلي لينخره واستشحذت منه ظاهري. بهذه الصفقة البخسة أعلنت إفلاسي ورضيت بتقاسم هذه النفس المتواطئة مع ذلك المارد . فهي يوم لي ويوم مطيته.

فبأيامي التي كنت أقضيها مع نفسي, كانت تساوري أفكارُ محتشمة . منها : كيف لي أن أستعيد هذه النفس وأزكيها من سخام هذا المارد. فعرفت أنه لا مناص لي لتزكيتها, إذ أعلنت تبعيتها لعدوي. فجاءت النتيجة بأن أسخر مابقي لي من حياة إلى من يستحقها , فبذلك أكون قد تنازلت عن أناي ـ الأنا ـ ليعبث بها ذلك المتطفل , وأكسب بذلك سعادة من يهمه أمري بما بقي لي من غيريه . أصبحت عائلا لأسرة أحسبها سعيدة تنعم بما بقي لي من نفسي المتعثرة والتي يشاركنها ذلك المارد.
لكنه مالبث هذا المارد أن ينوع أساليبه القذرة نحوي , فأصبحت له حقل خصب ليبث فيه آفاته المهلكة. فأصبح يساوري الشك بأني لست الشخص الصالح للإعالة , فكيف و أنا الذي لم أستطع تحصين نفسي أن أبني آطاماُ لأسرتي. فعندها أدركت أن ما كنت أعتقده بأنها أفكار محتشمة , ما هي الا أحذ الغنائم التي كسبها ذلك المارد. إن ذلك الخادع قد امتطى نفسي و سيطر على عقلي, لا نجاة أبداً.
فأصبحت أحس بالذنب تجاه من أعول ومن يهمه أمري. فحالي آلان آسى وأمر , نفس مسلوبة وعقل مستحوذ عليه. فبهذه النفس الركيكة والعقل الضبابي, أصبحت أحس بالذنب والخطيئة لما فعلته, فأنا الكائن الهجين ,مطية المارد قد أثمرت فجاً من بذري المسقوم. فما ذنب أطفالي بأن يولدوا لأب هو نفسه ولد غضاً ونما على مذر الحياة.
هل لهذا المارد من مطمع بي بعد كل ما حصله من غنائمي . أصبح يساومني على ما تبقى لي , إنها جوارحي. كيف لا , وهو صاحب اليد العليا. سلمته نفسي فنخرها حتى الخواء , و سلب عقلي حتى البلاهة.

نعم تلبسني العياء , وأصبح قلقي البسيط كآبة عميقة. أعتزلت أعزتي خوفاً عليهم من جوارحي, استأنست بوحدتي آملاً بها أن تكون لي المعول الذي أقضي بها على هذه النفس الخبيثة. ففي وحدتي ليس لهذه النفس من بصيص سعادة إلا أن تستعجل الموت , وفي عزلتي لا ضرر منها على غيري. عندها تيقنت أن هذه المارد تطور ليصبح كل كياني بمضمونه وشكله. تأخر علي الأجل والفناء بسلام وسئمت الصبر . عندها أعلنت معركتي الأخيرة. فبقوته ذلك المارد وبما تبقى لي من إنسانية بدأ الصراع الأخير.

إن لهذا المارد لابد من غذاء, فلم يعد يستطيبني أو يتلذذ بي , فلم يبق في شيء لذيذ. فأصبح يبتزني أعزتي. فأبيتهم له قرباناً. فأصبح يساومني نفسي أو أعزتي. يا لوقاحته: استشرى به الشر إلا أن يستخدم جوارحي كبيادق يفتك بها أهلي.

عندها سلمت بأن خلاص من أعز و أود هو بزوال هذا المارد. لكن زوال هذه المارد هو زوال الأب الفاشل , زوال الزوج السقيم , زوال الأبن العاق, إنه زوالي أنا المارد خاوي النفس مولوث الدماغ.

هاهي دواتي تكتب قصاصتي , وهاهي مديتي تكتب بدمي نعيي ورثائي.
وصيتي : أعيلوا أولادي من بعدي , وصبروا زوجتي, وأطلبوا من والديّ مسامحتي والدعاء لي .

[/JUSTIFY]

تقبلوها مني.
حمود العنزي

[/COLOR][/B][/SIZE][/FONT]


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com