من يملك حق النقد؟


من يملك حق النقد؟



غابت مناظرات المفكرين.. من يملك حق النقد؟

طالب فداع الشريم

لا أحد أولى من غيره في ممارسة النقد على نفسه، وإصدار صكوك الحقيقة، لكننا نتحدث عن النقد «القيمي» للإبداع، ونحن نعيش في وسط تتكاثر فيه النجوم المبهرجة بأضواء المتابعين.. نجوم أرضية بأرقام وإحصائيات تنافس بعددها نجوم السماء. ولكن السؤال الذي يجب أن تكون له إجابة: هو أي بضاعة يحمل هؤلاء؟ وما القيمة التي يقدمونها لمجتمعهم؟ في الوقت الذي يقبع الحال الجمعي في مؤخرة الأمم عملاً، وإن زخرت موروثاته بالقيم، والدساتير الكفيلة بانتشاله من الوهن الراهن في مجال الإبداع، إلى الريادة المنشودة.

توجد لدينا وفرة وسائل، وضمور قيمة، فالوسائل الإلكترونية ومنها قنوات التلفزة الفضائية، والإذاعات المسموعة، والصحف المقروءه، وشبكات التواصل الاجتماعية، تتكاثر بشكل لحظي، مما يشرع للأسئلة أن تكون حاضرة لتتلمس لنا نوعية المواد التي تعنى بها وقيمتها، ومنهجيتها، ومدى تأثيرها على تحويل وتشييد الفكر العام؟

لا أرى من وجهة نظري البسيطة أن تلك الوسائل قد قدمت أو ستقدم مستقبلاً عملاً تنويرياً مؤثراً للارتقاء العام بالفكر، والقيام بدور تثقيفي للمجتمع! بسبب أن الدور المعلن لتلك الوسائل والمؤسسات الإعلامية هو الدور التثقيفي، ولا يمكن أن تصل لهذا الهدف ما بقيت أسيرة الانتماء الذي يقف بمسافة طويلة وينتهي قبل الوصول لذلك الحصن العصي! إذ يجب أن تخرج أولاً من حضن السلامة، وأن تبذل الجهد لتمحيص الآراء المقولبة، والمقولات الذائعة، وأن تكسر حجاب القوقعة، وتحطم زجاج الصورة النمطية لكلمة «مثقف» التي ارتبطت ذهنياً بـ»برج عاجي»، يقول رايموند وليامز في كتابه «كلمات أساسية»: ظلت الاستعمالات السلبية لكلمات مثل المثقفين، والنزعة الفكرية، والصفوة من المثقفين سائدة حتى منتصف القرن العشرين، وهذا سبب «للاستهزاء» والتندر.(انتهى).

لقد أصبح الوصول لصفوف ما يطلق عليهم النخب أو الصفوة أول مسامير تضرب في نعش الحقيقة، إذ تدرج ضمن هؤلاء وتنتهي رحلتها داخل سورهم! وهنا يصبح هذا الكائن بذاته سبباً وعائقاً وحاجباً لنهضة المجتمع من خلال وقوف الحقيقة على شرفة لسانه هو فقط، وبالتالي يجب على أفراد المجتمع تعطيل عقولهم والاكتفاء بهديه ورؤيته! وقد نجحت هذه النماذج ومازالت تتكسب بعقول العامة، وتنتفع بأنها تمتلك الحقيقة، ويحصل التعاضد والتجاوز من وإلى هؤلاء فيما بينهم! إذ لا يمكن لمن يشتغل بالفكر أن لا يجد من يختلف معه، ويكون من نسخته، من الطبقة نفسها التي تشتغل بالفكر والترقي. فكلما ساد السلم بين هؤلاء فلابد أن نستفسر عنه، دعونا نتسائل لماذا لا تحدث مواجهات، ومساجلات بين الوسائل الإعلامية المختلفة (مرئية مقروءة مسموعة) حول رؤاها إن كانت تقدم فكراً؟ ولماذا لم يطرح مفكرو هذا العصر أطروحاتهم عبر مناظرات فيما بينهم؟ هل هي أسرار مكشوفة فيما بينهم ولا يراد كشفها للجمهور الإسفنجي الذي يستقبل السوائل بعلّاتها! لماذا نرى اختلافهم الفكري يظهر باستحياء وخجل ويختفي بسرعة، مما يبيّن مدى الحرص على عدم المواجهة. إن هذا التوجس وهذا الخوف من المواجهات الفكرية هو ما يؤسس للفكر المجتمعي الأحادي، وبالتالي مصادرة حق النقد المكفول لكل من لديه عقل.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com