خلاف رئيس تحرير جريدة (الجزيرة) و(الرياض) على السطح


خلاف رئيس تحرير جريدة (الجزيرة) و(الرياض) على السطح



نشرت الزميلة الاقتصادية اليوم حوارا موسعا مع رئيس تحرير جريدة الجزيرة الأستاذ خالد المالك تناول عدد من المحطات الهامة في حياته الإعلامية، وتطرق من خلاله إلى أرقام توزيع الصحف وموقفه من هيئة الصحفيين السعوديين، وتطرق لأجواء التنافس مع الزميلة الرياض، كما تطرق إلى سياسات الصحف السعودية وأنه لا رقيب عليها وتدار باجتهادات رؤساء التحرير، وتحدث في اللقاء الذي أجراه الزميل مقبل الصيعري بإسهاب حول كثير من الموضوعات التي تهم الشأن الإعلامي.. فإلى الحوار:

* كيف ترى المشهد الإعلامي السعودي؟ هل وصل إلى المستوى المطلوب ليكون إعلاماً وطنياً حقيقياً؟
– مصطلح (الإعلام) يُقصد به التلفاز والإذاعة، وضمن هذا المصطلح تدخل وكالة الأنباء السعودية والصحافة بشقيها الإلكتروني والورقي. ونحن من أقدم دول الخليج في تبني هذه الوسائل الإعلامية، كما أن المملكة من الدول العربية التي تتوافر فيها الإمكانات والمقومات التي تسمح لها بأن تكون في المقدمة من حيث الجودة بين وسائل الإعلام العربية، لكننا نخدع أنفسنا إذا ما قلنا إن صحافتنا مثلاً هي الأفضل على مستوى العالم العربي، بل نسفّه رأي القراء الذين قد يرون غير ذلك. نعم الصحافة في المملكة تطوَّرت منذ أن تحولت من صحافة الأفراد إلى صحافة المؤسسات؛ فزاد عدد الصحف، وكثر عدد العاملين فيها، وتطور المستوى التقني وأيضاً المستوى الطباعي، كما زاد الانتشار لهذه الصحف, فضلاً عن أن وسائل الإعلام بمجملها تطورت هي الأخرى، وكان آخر قرار صدر ضمن الرغبة في التطوير تحويل وسائل الإعلام الرسمية (الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء) إلى هيئات تتمتع بمسؤوليات وصلاحيات خارج نطاق مسؤوليات وزارة الثقافة والإعلام؛ ما يعني أن هناك توجهاً من القيادة لتفعيل وتطوير هذه الوسائل لتكون في مستوى الموقع المتقدم للمملكة سياسياً واقتصادياً، لكن المشوار لا يزال طويلاً أمام وسائل إعلامنا لتكون مؤثرة ومتأثرة بما يجري في المنطقة من أحداث وتطورات ومستجدات، مع أن المملكة طرف رئيس في كثير من الحراك السياسي والاقتصادي والأمني على مستوى العالم؛ ما يعني أهمية أن تتناغم وسائل الإعلام وتتواكب مع هذه القيمة الكبيرة التي توصف بها المملكة.

* وماذا ينقص إعلامنا؟
– هناك مساحة من الحرية أُتيحت للصحافة تحديداً في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لكن هذا الهامش من الحرية لم يُستخدم بالشكل الصحيح ولم يفعل بما يخدم الوطن والمواطن. إذا أردنا أن نقدم إعلاماً ناقداً وموضوعياً، وأن تكون صحافتنا في مستوى الحدث ومكانة المملكة، فعلينا أن نرتفع بمستوى النقد إلى السقف الذي يستجيب لتطلعات المواطن وتطلعات من يرى في المملكة أنها هي القدوة في كثير من المواقف. الإعلام من شقين: هناك إعلام رسمي، وقد نعذره في بعض توجهاته، لكن الإعلام الأهلي – وأعني بذلك الصحف سواء الإلكترونية أو الورقية وبعض القنوات والإذاعات الأهلية التي ظهرت أخيرًا -وهي مملوكة لأشخاص لا للدولة- فهذه يجب أن يُفعِّل دورها من خلال التدريب واختيار الأشخاص الذين يتميزون بالمهارة والموهبة والتأهيل والتدريب للعمل فيها.

* وكيف ترى مستوى الطرح أو النقد في الإعلام السعودي حالياً؟
– الموضوعات المطروحة في الصحف المحلية تتحدث عن هموم المواطنين وعن قضايا محلية ملحَّة وأخطاء قاتلة، وربما عن فساد. وبنظري، فإن غالبية ما يُنشر في الصحف يحمل سمة الإخلاص، وينسجم مع الرسالة التي تؤمن بها الصحافة من أنها وسيلة لتصحيح كل ما هو معوج، وإيصال ذلك إلى المسؤول. مشكلتنا في بعض ما يُكتب أنه نقد يفتقر أحياناً إلى التوثيق.

* أحياناً نرى نشر موضوعات ربما تخالف النهج الإعلامي، وقد لا تعاقَب عليها الصحيفة، بينما تُنشر موضوعات مشابهة وتعاقب عليها الصحيفة، كيف تصف هذه الضبابية؟
– لا بد أن نضع هذا ضمن إطار حرية العمل الإعلامي في المملكة. وحقيقة، لا يوجد رقيب على الصحف، لا من وزارة الداخلية ولا من وزارة الثقافة والإعلام ولا من أي جهة أخرى وهذه ظاهرة جيدة. وما يُنشر في الصحف متروك لتقدير رؤساء التحرير واجتهاداتهم، بمعنى أن رئيس التحرير هو من يقوم بتوجيه سياسة تحرير صحيفته، وبذلك ستجد أن هناك تفاوتاً بين صحيفة وأخرى بالنسبة لسقف هامش الحرية، والمحاسبة على الأخطاء والتفاوت في تقدير حجم الأخطاء من قِبل المسؤولين، تأتي ضمن الاجتهادات، إذ لا قاعدة يتم من خلالها التعرف على الأخطاء وإيقاع الجزاءات وفقاً لها.

* كيف ترى وضع صحيفة “الجزيرة” في ظل المتغيرات والتطورات الإعلامية؟
– صحيفة “الجزيرة” تصدر عن مؤسسة صحفية كبرى، وتدار بمواصفات مؤسساتية حقيقية؛ حيث لا يعمل رئيس التحرير، ولا رئيس مجلس الإدارة ولا المدير العام ولا مجلس الإدارة بشكل أحادي. العمل المؤسساتي في “الجزيرة” ربما أنه يتميز عن غيره من حيث الأداء في المؤسسات الأخرى بالتنظيم والعمل الجماعي، ورغم أن شهادتي في ذلك قد تبدو مجروحة، لكن سأضع أمثلة: الجزيرة لديها أقدم موقع إلكتروني، وهي الوحيدة بين صحف المملكة التي لديها أرشيف إلكتروني من أول عدد صدر من الصحيفة إلى اليوم، ويستطيع القارئ أن يتصفحه ويطلع عليه من خلال التقنية الحديثة، ويشاهد الصفحات كاملة كما كانت تُطبع منذ خمسين عاماً. ولدينا في مؤسسة الجزيرة صحيفة “الجزيرة بلس” و”الجزيرة سناب”، وهما منتجان تقنيان جديدان ضمن باقات الجزيرة عن الإعلام الجديد، بجانب “الجزيرة أون لاين”، وغير ذلك كثير. و”الجزيرة” سباقة وصاحبة ريادة، وليس هذا ادعاء؛ فهي أول من امتلك مقراً ومطبعة بين المؤسسات الصحفية، وخرّجت كوادر صحفية كثيرة ورؤساء تحرير، وقد تبوءوا مناصب ومواقع قيادية في صحف أخرى في داخل المملكة وخارجها.

* انتهجت الجزيرة طريقة غير مسبوقة، في نشر أرقام توزيعها، لماذا هذا التوجُّه؟ وهل شجعكم على ذلك ما يقال من أن “الجزيرة” توزع مجاناً في الجامعات؟
– قبل البدء بكراسي الجزيرة في الجامعات كنت كتبتُ أكثر من مقال، أطالب فيها الصحف بأن تفصح عن أرقام توزيعها وتعلنها، ولم أجد المساعدة من الزملاء في تقبُّل هذه الفكرة، وعرضت الموضوع على وزير الإعلام آنذاك “إياد مدني”، وطرحه أمام رؤساء التحرير، ولم يوافقوا على المقترح، هذا قبل قيام الجزيرة برعاية كراسي البحث في الجامعات؛ لذلك أعلنا أرقامنا منفردين، وأقول الآن في هذا اللقاء للزملاء “عليكم أن تعلنوا أرقام توزيعكم”، ولهم منا أن نجنب أرقام الجامعات في جهة، ونحددها ونحيدها، ونبقي على الباقي من مبيعات واشتراكات في صحيفة الجزيرة؛ المهم أن يتعرف القارئ على توزيع كل صحيفة من الصحف بدقة وشفافية، لأن السائد الآن في المملكة مجرد شائعات عن أرقام التوزيع، وكلها مبالغات ودون توثيق. أقول هذا مع التأكيد على أننا لا نوزع الصحيفة مجاناً في الجامعات، وهذا ما تؤكده ميزانية “الجزيرة” بالأرقام والمبالغ، وكراسي البحث بموجب عقودها تتضمن مبالغ مادية وإعلانات وصحفا، وكلها مدفوعة القيمة، ولو افترضنا مجانيتها فإن كل خيارات الانتشار مفتوحة في الجزيرة وفي غيرها من الصحف، وما العيب أو الخطأ في ذلك؟، فهناك صحيفة زميلة توزَّع – وأنا لا أعترض على هذا – مجاناً في بعض محطات البنزين حتى ولو استحصلت على مستندات بالتفاهم لكي تنفي ذلك، ولا أرى في هذا عيباً، وتعلن أيضاً نفس الصحيفة في بريدة وعلى صفحاتها أنها تمنح اشتراكاً للقراء مجاناً لمن يريد أن يشترك فيها، كما أنها تُعلن عن جوائز كبيرة وسيارات فخمة لكسب القارئ فتظهر بحساب تكاليفها وكأنها توزَّع مجاناً؛ لأن قيمة السيارات لا تغطيها قيمة الاشتراكات خلال الحملة. أيضاً، فإن من يخفض قيمة الاشتراك – وهو ما تفعله جميع الصحف – يتبع أسلوباً آخر يصب في النهاية في توسيع دائرة انتشار الصحف والبحث عن القارئ. إذاً، المبدأ واحد وإن اختلفت الآلية، أنت تعطي هدايا أو توزِّع مجاناً أو تقايض بعمل معيّن، الغرض منه التوجه إلى القارئ وكسبه بالأسلوب الذي تراه.

* استطلاع شركة “أبسوس” الذي وضع “الجزيرة” أكثر مقروئية في المنطقة الوسطى أثار ردود فعل في جريدة الرياض، كيف تصف ردة الفعل هذه؟
– كان هناك تسرُّع من الزملاء الذين تعاملوا بسلبية مع نتائج “أبسوس”. من جانبنا التزمنا الصمت خلال السنوات الطويلة الماضية حين كنا في مواقع متأخرة وفقاً لنتائج “أبسوس”، وحتى النتائج الأخيرة لسنا راضين عنها، وقبلنا بها كما قبلنا بأرقام ونتائج السنوات الماضية، فالاستفتاء قرار القارئ، وليس بمقدورنا ولا بمقدور غيرنا أن يغيره.

* لكن هناك مَن شكك في مصداقية استطلاع “أبسوس”؟
– إذا كان هناك جهة أو جهات لديها ما يُثبت ذلك فعليها أن تعلنه مشكورة، وهذا أمر إيجابي. “أبسوس” ليست في مأمن من الأخطاء، سواء في إحصاءاتها أو مسحها الميداني، ولسنا راضين عن أدائها، ولكن لا بد من توثيق صحة الاتهامات حتى تكون موضع الاحترام.

* الصراع التاريخي بين الجزيرة والرياض كيف تراه؟
– المنافسة مطلوبة ومشروعة، وهي مفيدة للقارئ، وللعمل الصحفي المتميز، وللمعلن، ولتعزيز وتوسعة قاعدة انتشار الصحف.. كل هذا مباح ومتاح، والسوق السعودية تتسع لـ”الرياض” ولـ”الجزيرة” ولغيرها من الصحف وفي كل هذه المجالات. وحتى على مستوى الكوادر المهنية والقيادية فإن المملكة تزخر بكثير من القدرات والكفاءات والمواهب، وتستطيع الجزيرة والرياض استقطابهم دون أي حساسيات. والمنافسة في هذا الإطار مقبولة. أما حين تخرج المنافسة إلى المناكفة، وإلى إثارة البغضاء، وقطع الصلة، وإيجاد حساسية فهذا مرفوض. بينما أن المعالجة لأي سوء فهم بين الطرفين موجودة متى ما كانت النية طيبة والهدف نبيلاً والرغبة صادقة. أما التفرد بادعاء التفوُّق في كل شيء، وعدم القبول بتفوق الآخرين، فلا أحد يقبله. وشخصياً، لم أختلف مع أي صحيفة مطلقاً، ولا مع أي رئيس تحرير على امتداد تاريخي الصحفي الطويل، فيما عدا صحيفة الرياض ورئيس تحريرها.

* وما الأسباب التي أدت إلى هذه الخلافات والمناكفات مع رفيق دربك تركي السديري؟
– لا يوجد على الصعيد الشخصي أي إشكاليات مع الأخ تركي، وعندما كان في المستشفى على سبيل المثال كنت خارج المملكة، ولو كنت موجوداً لزرته، وقد اتصلت به لأطمئن عليه وأسعدني حين سمعت صوته وهو في حالة صحية جيدة، ونشرت في الجزيرة خبر دخوله المستشفى وخبر خروجه مع كل التمنيات له بالصحة والعافية، وعندما أرسل له خادم الحرمين الشريفين تهنئة نشرنا عنها إعلاناً بصفحة كاملة مجاناً، وليس عندي أي مشكلة على المستوى الشخصي. لكن عندما تتعلق الأمور بحقوق صحيفة الجزيرة فأنا مؤتَمَن للدفاع عنها، بصرف النظر عن مدى تقبُّل الأخ تركي لهذا الدفاع من عدمه.

* ألا ترى أن التنافس والخلافات إلى حد المناكفة بينكما تجاوزت مداها.. وأنتما تمثلان قدوة لجيل إعلامي كامل؟
– هذا صحيح، وأرجو ألا يحاكي الجيل الجديد القادم والحالي من القيادات الصحفية تركي السديري وخالد المالك ويروا في هذه المنافسة أنها الأميز والأفضل وبالتالي يقلدونها؛ وأتصور أن منافسة من هذا النوع ليست في صالح الصحافة السعودية، ولا تصب إيجاباً في تاريخ تركي السديري أو خالد المالك، ربما يكون الأهم من هذه المناكفات النظر إلى حجم الإنجازات الكبيرة التي قدمناها معاً للصحافة، وإذا كانت النقطة غير الجميلة والسوداء في تاريخ السديري والمالك فهي في أسلوب المنافسة بينهما، فأتمنى على الجيل الجديد ألا يضع هذا التنافس ضمن قياساته في تحقيق النجاحات المستقبلية، سواء الزملاء الموجودون على رأس العمل من الشباب، أو القادمون مستقبلاً.

* هل خلافاتكما مفتعَلة لغرض الإثارة؟
– لا والله، ليست مفتعلة مع الأسف الشديد.

* تركي السديري قال “لماذا تسألونني عن استمراريتي لفترة طويلة، بينما هناك رؤساء تحرير أقدم مني، ومنهم من يمارس أنشطة اقتصادية ولا أحد يطالبهم بالاستقالة”.
– ربما أنه كان يقصدني، وأقول له بمنتهى الوضوح والشفافية، إن جميع العاملين في صحيفة الجزيرة، سواء من الصحفيين أو الإداريين أو أعضاء مجلس الإدارة أو أعضاء الجمعية العمومية، يعرفون أن خالد المالك يعمل 13 ساعة في اليوم، وعلى مدار الأسبوع، ودون إجازة أسبوعية. ثانياً: أنا مواطن، وإذا كان عندي قدرات وإمكانات أستطيع أن أقدمها وأوظفها للوطن فلن أتخلى عن مسؤوليتي الوطنية في ذلك، ولا بد للأخ تركي أن يكون على علم – إن كان يهمه الأمر – بأن خالد المالك لا يعمل ليقبض مكافآت مالية على عمله وفيما يقوم به من مساهمات خارج نطاق عمله بالجزيرة؛ فأنا اليوم رئيس مجلس إدارة شركة جازان للتنمية، ولم أوافق على قبول هذه المهمة إلا تحت الضغوط، ولدورة واحدة فقط، وبشرط أن توزَّع مكافأتي عن اجتماعات مجلس الإدارة على المبدعين من الموظفين، ولم أتقاضَ على مدى فترتي في شركة جازان للتنمية، التي لم يبق فيها إلا 3 أشهر، ريالاً واحداً، ولا أدوام فيها؛ لأن مجالس الإدارات – كما يعرف الأخ تركي – تجتمع كل 3 أشهر، أو كل شهرين، أو كل شهر واحد. كما أن عملي رئيساً لمجلس الإدارة في مدارس الرياض، في فترة سابقة، تم بتشريف لي من سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد، وهو الآخر لم أتقاضَ عنه ريالاً واحدًا، لكني مواطن، وطالما أن لدي القدرة للعمل في مجالات أخرى إلى جانب العمل الصحفي فيجب أن أساهم فيها. كما أنني أيضاً عضو في مجلس إدارة الأوقاف في جامعة الملك فهد للبترول، ولا أتقاضى أي مكافآت عن مشاركتي في الاجتماعات، ويكفيني فخراً أن أخدم جامعة كهذه الجامعة المهمة على مستوى العالم، ضمن كوكبة من الوزراء والأساتذة ومدير الجامعة والشخصيات الأخرى الاعتبارية. كما أفتخر بأنني شاركت في نشاطات أخرى خيرية وغير خيرية مجاناً على مدى سنوات طويلة؛ فهل يعيب على رئيس التحرير أن يقوم بمثل هذه الأعمال أو المشاركات الوطنية؟

* لكن هناك حديثاً عن المجال التجاري لخالد المالك.
– أنا لا أعمل في أي مجال آخر، وليس عندي من عمل غير جريدة الجزيرة.

* بما أنك أقدم رئيس تحرير، ما العوامل التي ساعدتك على الاستمرارية لسنوات طويلة؟ وهل لديك الجديد لتقدمه للجزيرة؟
– كما تعرف، فقد أخذتُ راحة طويلة بعد انتهاء فترتي الأولى من العمل رئيساً لتحرير صحيفة الجزيرة، وأعتقد أنها ساعدتني على أن أراقب عن بُعد العمل الإعلامي بشكل عام، والصحفي بشكل خاص، ورجعت لصحفية الجزيرة منذ 12 سنة بأقوى مما كنت عليه، كما أعتقد. ومثلما خرجت من الجزيرة وهي الأولى على مستوى صحافة المملكة أرباحاً وإعلاناً وتوزيعاً وعملاً صحفياً إبداعياً، فها هي الجزيرة الآن بمستواها وانتشارها وكفاءة قياداتها وصحفييها وكتابها وأرباحها وموقعها المتقدم تتحدث عن نفسها، وكل هذا جهد لا أدعيه ولا أنسبه لنفسي، وإنما هو عمل جماعي يشارك فيه رئيس وأعضاء مجلس الإدارة والمدير العام والزملاء في التحرير وبقية أقسام المؤسسة.

* وكيف عدت مرة أخرى لرئاسة تحرير صحيفة الجزيرة؟
– أعادني إلى رئاسة التحرير أعضاء مؤسسة الجزيرة مجتمعين، فقد تقدموا للأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- عندما كان رئيساً للمجلس الأعلى للإعلام، بخطاب موقّع منهم يطلبون فيه موافقة سموه على عودتي؛ وخطاب آخر من مؤسس الجزيرة المرحوم الشيخ عبدالله بن خميس يتمنى فيه أن يعيدني سموه إلى رئاسة التحرير بسبب ما آل إليه الوضع في صحيفة الجزيرة آنذاك، وتجاوب سمو الأمير نايف مع مطلبهم، وأعادني على الفور بأن وجه وزير الإعلام آنذاك فؤاد الفارسي بإعادتي لرئاسة التحرير، وهذه ثقة غالية من الأمير نايف ومن أصحاب المؤسسة أعتز بها.

* وهل من تفاصيل أخرى عن عودتك؟
– أهم ما صاحب عودتي ذلك اللقاء الحميم الذي جمعني بسمو الأمير سلمان في اليوم التالي، حيث أسعدني بتهنئته الكريمة وخصّني بنصائحه وتوجيهاته، ثم مع أولى خطوات تطوير الصحيفة ما صرح به سموه من إشادة كبيرة في التغيير الذي لفت نظره وأثار اهتمامه وتقديره، وقد نُشر تصريح لسموه بالصحيفة في حينه، وكذلك ما تحدث به سمو الأمير نايف – رحمه الله – وهو يوجه بإعادتي لرئاسة التحرير من كلمات أبوية وثناء عاطر بحضور المستشار الإعلامي لسموه الدكتور ساعد الحارثي، فضلاً عن الاستقبال البهي الذي وجدته من الزملاء في الجزيرة وخارج الجزيرة ومن القراء، والدعم الكبير من مجلس إدارة المؤسسة لإنجاح خطوات التطوير منذ اليوم الذي عدت فيه إلى الجزيرة وإلى الآن.

* ماذا عن مشروعك لتطوير صحيفة الجزيرة؟ ومتى ستستقيل؟
– مشروعي لتطوير جريدة الجزيرة لم ينتهِ بعد؛ وسترى في المستقبل المزيد من التطوير بدعم من رئيس وأعضاء مجلس الإدارة، وبتعاون من المدير العام للمؤسسة، وبمساندة من الجمعية العمومية، وأيضاً من خلال الجهاز الصحفي والفني والطباعي المتميز الموجود في صحيفة الجزيرة ممثلاً بكل الزملاء.. أما متى سأترك الجزيرة فسيكون ذلك عندما أجدني لا أستطيع أن أعطي، أو أن مشواري والهدف الذي جئت لتحقيقه قد استُكمل، هنا سأترك جريدة الجزيرة، ولن أسمح لنفسي بأن أحدد أي تاريخ ثم أضطر لأنفيه.

* هل تعتقد أن استمرارية رئيس التحرير عشرات السنوات أو سنوات طويلة ظاهرة صحية؟
– يعتمد ذلك على إنجازات رئيس التحرير، إذا كان لديه القدرة على تقديم المزيد من الإبداع؛ فليس هناك ما يمنع من أن يواصل عمله، فالصحفي ليس له عمر محدد، وطالما أنه يستطيع أن يقدم أعمالاً متميزة فليستمر، وطالما أن صحته تسمح له بأن يعمل فلِمَ لا؟!

* بعض المؤسسات اتجهت إلى الكوادر الشابة لتولي رئاسة التحرير، كيف ترى هذا الاتجاه؟
– أعتقد أن الذين تولوا العمل في السنوات الأخيرة من الجيل الجديد كلهم متميزون، واستطاعوا أن يقدموا مستويات ممتازة في عملهم، ونستطيع أن نقول إن رؤساء التحرير الجدد فضلاً عن أنهم حافظوا على المستوى الذي كانت عليه صحفهم قبل تسلمهم مسؤولياتهم، فقد قدموا أيضاً أفكاراً إضافية إبداعية.

* بوصفك أحد مؤسسي هيئة الصحفيين.. كيف ترى أداءها الآن؟
– رأيي فيها معلن ومعروف، وقد أعلنته عندما كنت عضواً في مجلس الإدارة ونائباً لرئيس المجلس لدورتين، ويتمثل هذا الرأي في أنني لم أكن راضياً عن الأداء، لا في الدورة الأولى، ولا في الدورة الثانية، ولا أحمِّل أحداً المسؤولية إلا بقدر ما أحملها لنفسي، وإذا كان هناك أي تقصير فإنني شريك فيه ومسؤول عنه، مثلي في ذلك مثل بقية الزملاء. حاولنا واجتهدنا، لكننا -حقيقة- لم نحقِّق رضا الصحفيين وأهدافهم وتطلعاتهم؛ وبالتالي لم أرشح نفسي في الدورة الثالثة، لكنني أتأمل خيراً كثيراً في الزملاء ليعملوا شيئاً في الدورة الثالثة بعد أن طالت فترة الانتظار لتحقيق ما يلبي الطموحات، والصحفيون لا يزالون ينتظرون، خصوصاً بعد أن أصبح الاشتراك بعضوية الهيئة إلزامياً؛ وبالتالي لن تكون هناك مشكلة في السيولة المادية، فضلاً عن أن الهيئة تتمتع الآن ومن قبل بملاءة أيضاً مالية جيدة، والمقر مجاني، وليس عليها التزامات للغير، وسيكون التدفق النقدي أكثر مما كان عليه؛ وهذا سيساهم -إن شاء الله- في إيجاد برامج كثيرة ومفيدة في المستقبل.

* وما الذي تحتاجه الهيئة لتفعيلها بشكل جيد؟
– لا أُملي على الزملاء شيئاً، أعتقد أن الوجوه الجديدة مع الوجوه القديمة تحمل أفكاراً جيدة، ربما تساعد في تطوير الأداء في الهيئة، نحن الأعضاء السابقين أدينا ما علينا، وأعطينا ما نستطيع، ولا أحب أن أتدخل في عمل الزملاء في مجلس إدارة الهيئة، وهم على مستوى من القدرة والكفاءة.. المهم أن تكون هناك في الهيئة آلية لتطوير العمل الصحفي وتطوير مستوى الصحفيين.. أما مسألة الشكاوى فإن الهيئة ليست مرجعية، بل هناك لجان في وزارة الثقافة والإعلام تنظر في أية مظلمة، وكذلك مكاتب العمل وديوان المظالم، وهناك ملاحظة حول بعض المطالب والامتيازات الشخصية التي يجب على الزملاء الصحفيين عدم إشغال مجلس الإدارة بها.

* لماذا منعتَ منسوبي “الجزيرة” من الانضمام لعضوية الهيئة بعد خروجك منها؟
– لم أمنع أحداً، وكان هذا خيارهم، لكني كنت سعيداً بأن صحيفة الجزيرة كانت محايدة بغيابها؛ وبالتالي امتناع زملائي وأنا -رغم حضوري- عن التصويت في اختيار أعضاء المجلس في دورته الثالثة؛ فجميع الزملاء أعضاء مجلس الإدارة المنتخبين للدورة الثالثة كانوا بالنسبة لـ”الجزيرة” على مسافة واحدة؛ لثقتنا – الزملاء وأنا – بهم في القيام بمسؤولياتهم في الهيئة خلال هذه الدورة.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com