دَمَلتَ الجروح…ياصغيري !!


دَمَلتَ الجروح…ياصغيري !!



[FONT=Simplified Arabic][SIZE=5][B][JUSTIFY]

حينما جمع الشاب الفقير نقوده وهيئ نفسه لزواج وهبه الله آمرآة صالحة ذات دينٍ وجمال 
إمرآة لم تكن بمثلها في هذه القرية الصغيره
فعجائز القرية يهتفون بذكرها دائبآ لتكن مثال يحتذى به  في رجاحة عقلها وفي الحفاظ على دينها وبالقيام في حق بيتها 
 
قضى الزوجين حقبة من الدهر كقلب واحد عظيم ، وحينما يكون لديك قطعة من الفؤاد ثم وجدت قلبآ مثله فسوف يجتمع هذين القلبين ليكونا فولاذا ضد نوائب الدهر وسدآ أمام إشتداد الآزمات ودرعآ متينا ضد سيف الجائحة  !
 
وبعد عامين أنجبت هذه المرأة من هذا الشاب ولدا صغيرا كالبدر في تمامه حيث يشع من مقلتيه الشروق ليضئ الديجور بفكره الوقاد
، كان كالنابغة في فهمه وغرابته
شهدت له الدنيا بأنه قد زاد صحوآ لها وإبداعا ، وبعد سبعة أيام من قدوم هذا المولود أجمعا والديه على أن يسموه ( قتادة )
نسبة إلى القائد الإسلامي الذي قاد الفتوحات الإسلامية في بلاد أسيا الصغرى . 

كان مصدر رزق أبا قتادة وأهله من صيد البحر
وفي يوم من الأيام خرج مع أصحابه في رحلةٍ بحرية لصيد الأسماك كعادته… 
ولكن تأخر الزوج عن اهله في هذا (اليوم)
تأخرا ملحوظآ غير معهود به

طفلت الشمس للإياب وخيم الظلام والهدوء في هذا الفضاء الفسيح ، ولزموا البيوت
أهل هذه القرية الصغيرة ، فأشعلوا الفوانيس في داخل المنازل وفي الخارج من أرصفة الزقاق 

وظلت هذه الزوجة الضعيفة تنتظر بعلها فالساعه عندها عام والدقيقة شهر والثواني كطيلة المدة من ليلة الشتاء القارس
_ ماأشد مرارة الإنتظار لشخص عزيز على قلبك ترى همسات أنفاسه في دخيلتك  تتأرجح بين الحياة والموت ولاتملك سوى الوجد  ولوعة الفراق !!_
 
هنا يأخذ بيديها الآمل وهناك يلوَّح بأعلامه
شبح اليأس والقنوط …
ذروة في الحيرة أتبحث عنه أم تبقى بجانب طفلها الصغير ؟ عزمت وقالت : ربما بالدقيقة الواحدة أنقذ عصبةً من الرجال قد اشرفوا على الهلاك !!  فلماذا التأخر ؟؟!  
ومع عزمها بالتنقيب أقبلوا رجالا من بعيد 
وجوههم بدأت تتضح لرائي من خلال الأنوار الساطعة بالظلام المعتم !!
فقالت ربما هذا النبأ القادم لنا !!
مع إتضاح الرؤية قالت بصوت خافت :
ياللهول !!! هؤلاء زملائه أتوا من دونه…. !!

الرجال : السلام عليكم ورحمة الله 
المرأة : وعليكم… بسرعة اجيبوني هل زوجي حي فأرجيه أم ميت فأنعيه 
قالوا: على رسلك لنتحدث سويا داخل المنزل !! 
الزوجة : لا بل أخبروني الأن عاجلآ غير آجل
فصفحات وجوهكم مصفرة وخلف تحيتكم عبرة ، تحدثوا بسرعه دون مقدمات  
قالوا : ياأم قتيبة مهلا …نحن عرفنا منك الدين والصمود في المعضلات ومن أكثر من شيء عرف به … فهملا مهلا
فانتِ تؤمنين بقضاء الله وقدره 
قالت بصرخة مدوية تسمعها الجوزاء في  علوها وتبكي لمرآها عيون السماء : أختصروووا الحديث !! فأنا على جمر الغضى بدأت أذوب
تشجع كبيرهم قليلآ وقال بصوت متردد ووجل من ردة فعلها  : ياأم قتيبة زوجك إنتقل إلى دار أكرم الأكرمين ليرتاح هنيهة من شقاء الحياة واللقاء ياأم قتادة  هناك… في دار الخلود المقيم  …ثم سكت الرجل مباشرة ولم يستطع أن يكمل حديثه  !!

فبدؤا الرجال الذين معه يخففون من آلامها في حشو المقدمات ، فالأديب يستشهد بالأبيات والواعظ بالروحنيات والعاقل بدليل قاطع والحكيم يشارك في أثمن الكلمات
وهي تنظر إليهم بنظرة يكسوها البرود في  وجه شاحب وطرفٍ فاتر ، فأصبحت شفتيها يابسة  كالقاع الصفصفا فتريد التعبير لهم ولم يسعفها الريق 
بدأت تسكب الدموع بكل صمت وهدوء 
وبعدما هدأت قليلآ  قاطعة المتكلمين وقالت :
 دعوني من التعازي والمواساة  واخبروني ماذا جرى لبعلي حتى إذا كبر الصبي أخبره لماذا أباه فقد الحياه ؟
قال أوسطهم بتصريح دون تلميح : 
 خرج زوجك معنا كالمعتاد في رحلة الصيد وحينما عدنا إلى الساحل رجعنا بخفي حنين ! 
فقال زوجك لابد ان اعود مرة ثانيةً للبحر لربما وجدت السمك في وقت غير وقتنا الذي ذهبنا به 
فأنتم دائما مستعجلون لاتنتظرون سحب الأرزاق متى تمطر
قال لنا معنفا : لماذا أنتم دائبآ هكذا يارجال؟؟!
قلنا : إذهب فأنت بالخيار ولانجبرك أيها العنيد !! فذهب وحده
نعم … رحل عنا ولم يأبه بحديثنا
نعم …لقد ذهب إلى القبر ولم يرحل إلى البحر تأخر الوقت جدآ…وبعد لحظات من حديثنا عن تأخره الغير متوقع شاهدنا القارب يقترب شيئا فشيئا فستبشرنا خيرا … فكأن القارب تتلاطم به الأمواج وحده وكأنه كما صنع ، لأحد يديره ولا جماد يرسي تلاعبه على العباب في عصف الرياح
فأتى هذا القارب… أتى ليخبرنا عن رحيل زوجك في قاع البحر
ولانعلم هل ألتقمه الحوت أم قذفه القارب في ظلمات البحر أثناء هبوب الرياح العتيده !

قالت الزوجة : آه لقد رحل الجواد في بحر الكرم …فالطيور على أشكالها تقع لأنه عباب من البحر…يارب ألبسني لباس الصبر والسلوان،

،  بدأت الهموم تدلف لهذا القلب الصغير
وبدأت تتحدث إلى هذا الرضيع 
كأن الجنون أصابها
وتقول : 
يابني إن اباك رحل… وانا عزائك ياصغيري فقد فقدت أهلي جميعآ وأنا صغيرة جدآ ثم عشت الطفولة مع جارنا المعتوه ، فزاد يتمي بتلك الأسواط التي كأنها بمثابة الورد اليومي 
على ظهري 
يابني…إلى الله المشتكى !!
الطفل ينظر إلى أمه بكل براءة فيبتسم 
_ ماأقسى براءة الأطفال في أيام العزاء
تجدهم يلعبون كأنهم يقولون لزمان صبرا صبرا أمامنا تيارات ستذيقنا العلقما وأمامنا حوادث مفزعة مالنا عنها محيص سوى الفرار إلى رب الآنام ، فدعنا نعيش الطفولة  ، والأيام القادمة سنعيش مرارتها كما عاشوها الكبار _

صرفت الآم عن الحديث مع طفلها وبدأت هذه المكلومة  تحدث نفسها :
 “مات النصف الأخر فكيف أعيش بنصف قلب 
داخل هذا الكوخ الموحش الذي لم يستطع بصيص الضوء أن يتسلله
وماألذ من الإنتحار فهو راحة للقلوب والأبدان من لطم الأخبار القاسية !!
ولكن كيف اترك طفلي يصارع هذه الحياة دون قوس ووتر ! زادت حيرتي وقلة حيلتي وانت يارب أرحم مني بهذا الطفل الصغير 
،ويارب هي رحمتك أوسع لي من هذا الغلام حينما أصبح عجوزا مسنة ويكون هو شاب كبير ”

بعد أعوام كبر هذا الغلام وأشتد ساعده 
وأصبح قوي في البنية وقوي في العلمية وأمه قد رق عظمها ونحل جسمها وحدودب ظهرها كالقوس ، فكان الولد رمحآ لهذا القوس ؛
_ وكأن ملذات الحياة لاتجتمع سويآ دون تنغيص في أحد الطرفين_  
نعم لقد كبر الولد وشاخت الأم

طبعت على كدر وأنت تريدها
                        صفوا من الأقذاء والأكدارِ

بدأت تتغير نظرة هذه العجوز نحو  إبنها .. نعم (كانت)تنظر له بعين الرحمة والرأفة (والأن) تنظر له بنظرة الإعجاب والإكبار

بدأ قتيبة يفوق أباه في الذكر والتجارة في القوارب ثم في البواخر
ويوما من الأيام ترك قتيبة مباشرة العمل بنفسه وأصبح يدير تجارته من بعيد ويشرف على عمال السفن وصناعتها
ويبدو أنه يضمر في قلبه كره البحر لأنه غدر بأبيه ولم يجعله يعيش في كنفه لكي يقاسمه رغيف الحنان والسعادة والحبور كبقية الأطفال
((( الأقدار بيد الله … أخطأ ) ولكن بعض المكلومين للأسف يبتدرون بالإتهام لمسببات الظاهره !! ))) 

يومآ من الأيام قال : أماه
 ياريحانة قلبي أريد الزواج لسبب واحد  ! قالت ماهو ؟ قال لكي أجد فتاة تخدمك وتؤنسك في ظلمة هذا الكوخ الموحش !! فإبتسمت أمه وقالت والله لهو أسعد خبر دب إلي طيلة هذه السنون الأفلة ، فليلة البارحة كنت أفكر وأنا مستلقية على الأرض أني أداعب أبناءك وأقاسمكم الحياة قبل الرحيل
قال : أماه لاتتكلمي عن الأحزان فأنا قد طويت شراعها ورميتها في البحر مع أبي
لأن الأسى يبعث الآسى ويساعد الزمان ليثقل كاهلي ويزيد أشجاني دون جدوى  
وابشري يأماه بكل خير فلتفرحي يأجمل النساء 

تزوج قتيبة إمرأة صالحة كأمه
ورزقه الله أبناء فهجروا جميعآ الكوخ الصغير وسكنوا في قصر منيف في أرض فيحاء تظلهم الجبال الشماء عن الغزالة ويزيد من هذا البهاء تلك الأودية التي تتطارد في جنباته

وأول ليلة سكنوا القصر أشعلوا جميع القناديل
ثم تقدم قتيبة أمام زوجته وأبناءه فقبَّل رأس أمه وقال : فلتعيشي ملكة بيننا فأنا وزوجتي وأبنائي خداما تحت أخمص قدميك أيتها الملكة
فإبتسمت بتجاعيد وجهها الذي كأنه أمواج بحر هائج 
نعم ..إبتسمت لصنيعه وقالت يابني : الحمد لله الذي جعلك عوضآ عن أهلي وأبيك وكل الناس آجمعين
لقد أزحت الصخور عن جوانحي وأزلت أدران الحياة المتشبثة بذاكرتي من معينك الصافي من معينك العذب ، ولك الشكر يارب أني قطفت البذرة قبل رحيلي .

فعاشت هذه الأسرة عيشة هنية بعدما وقف هذا اليتيم على قدمٍ واحد  بعد توفيق الله ليسعد أمه بعد العنى المرير وكذلك ليري الحياة كيف يكون الصبر وليخبر الأيتام أن المجد لايناله فقط من كانوا أبائهم… أحياء 

_______________________________

* ومضة : لأول مرة أشارك هنا بموضوع إجتماعي مختلف : بشكل قصة نثرية أدبية ، لعلها تعالج بعض النزعات عند البعض !!

* شكرا أيتها الصحيفة لدعم طيوف المقالات

 [/JUSTIFY][/B][/SIZE][/FONT]


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com