التواصل الثقافي والمعرفي بين الاندلس والمشرق بنادي الحدود الشمالية الأدبي‎


التواصل الثقافي والمعرفي بين الاندلس والمشرق بنادي الحدود الشمالية الأدبي‎



أقام نادي الحدود الشمالية الأدبي بعد مغرب أمس الأحد 1434/6/25هـ بالصالة الثقافية بالنادي أمسية بعنوان ” التواصل الثقافي والمعرفي بين الأندلس والمشرق : مقاربات متعددة ” للأستاذ الدكتور عبد اللطيف أحمد مومن ، عضو هيئة التدريس بجامعة الحدود الشمالية ، وأدار الأمسية الأستاذ الدكتور سعيد الغزاوي
ذكر فيها أن التواصل المعرفي والثقافي والحضاري يتم عبر عدة قنوات وسبل وليس الأمر بدعا لأن الإنسان _ كما يرى ابن خلدون _ اجتماعي بطبعة
مصداقا لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } { الحجرات : 13 } .

وكان بديها أن تنعقد أواصر تواصل عميق وراسخ بين الأندلسيين والمشارقة طيلة الوجود العربي الإسلامي بالأندلس ، لأن الأوائل إن هم إلا امتداد : قبلي وقومي وديني وروحي وفكري للهوية العربية الإسلامية . وإذا علمنا أن العربي محافظ بطبعه على تقاليد الآباء والأجداد ، مهما شط به المزار ونأت به الديار ، أدركنا سر تمسك الأندلسيين بالموروث الروحي والمعرفي العربي الإسلامي ، خاصة وأنهم كانوا يعيشون بين ظهراني أمة أوروبية مسيحية ، فكان ذلك مدعاة إلى أن يحصنوا أنفسهم بسياج سميك مقوماته : العروبة والإسلام وما يحملانه من قيم فكرية وروحية ، ومعارف علمية بحت .

كان الأندلسيون يمثلون معسكر الاختراق والمبادرة ،على حين أن نظراءهم المشارقة كانوا يجسدون معسكر الاستقطاب ، لأن أرضهم مهد العروبة والنبوة والإسلام بقيمها الروحية والفكرية . مما كان يدفعهم إلى عدم الاعتداد بالإنتاج المعرفي والثقافي الأندلسي ، خاصة طيلة القرون الثلاثة الأولى للوجود العربي بالأندلس . بيد أنه حينما تأسست هناك خلافة أموية قوية {مؤسسها هو عبد الرحمن الناصر لدين الله توفي سنة 350 هجرية } صار المشارقة يهوون بأفئدتهم إليها حبا في الجاه وسمو المنصب أو المال ، أو بحثا عن الترف والمتعة ، أو هربا من الصراعات المذهبية والسياسية التي كانت رياحها الهوجاء تعصف بالمشرق عصفا .

وتتجلى أبرز قنوات هذا التواصل فيما يلي :
1 ــ وفود أعلام مشارقة نحو الأندلس بدءا من القرن الرابع الهجري خاصة ، ومن أبرزهم أبو علي القالي وصاعد البغدادي اللذان عملا على ترسيخ أصول المعارف المشرقية بها .
2 ــ نزوح آلاف الأندلسيين ـ عبر الزمن العربي ــ نحو المشرق طلبا للحج أو العلم خاصة ، أو طلبا لأهداف اجتماعية واقتصادية . ومن أبرزهم : يحيى بن يحيى الليثي الذي تتلمذ على الإمام مالك مدة عشرين سنة . وعمل بعد عودته إلى الأندلس على نشر المذهب المالكي بها .
3 ــ حرص الحكام الأندلسيين على ربط الأندلس بالمشرق ثقافيا ومعرفيا وحضاريا ، باستثناء التبعية السياسية . ومن أبرزهم الخليفة الأموي الحكم المستنصر { ت 366 هـ } .
4 ــ اقتناء الأندلسيين الكتب المشرقية ، والتهافت على طلبها حتى قبل أن تذيع في المشرق وتنتشر فيه مثل كتاب ” الأغاني ” للأصفهاني الذي اقتناه الحكم المستنصر من صاحبه بألف دينار ذهبية فشاع في الأندلس قبل معرفة المشارقة به .
5 ـــ ذيوع شعر المتنبي في الأندلس والشاعر ما زال حيا ، وذلك لكون الأندلسيين كانوا يتهافتون على شعره أيما تهافت .
6 ـــ تسابقهم إلى إدخال دواوين الشعراء المشاهير أمثال : أبي نواس وبشار وأبي تمام والبحتري وأبي فراس الحمداني . وكذا إدخال كتب الجاحظ وابن قتيبة وأبي حيان التوحيدي وغيرها كثير .
7 ـــ إدخال الأندلسيين العائدين من الرحلة العلمية لمصادر التفسير والفقه وأصوله والحديث . ومن أبرزها كتب الصحاح وتفسير الطبري وغيرها كثير …
لكن وابتداء من القرن السابع الهجري انقلبت الآية فصار الأندلسيون يؤثرون في المشارقة أيما تأثير ،وذلك بسبب أن المشرق لم يعد منارة العلم والمعرفة كما كان عليه في الماضي . لكونه كان غارقا في ظلمات عصور الانحطاط ، ولأن الأندلسيين صاروا ينزحون عن الأندلس نحو المشرق فرارا من اضطهاد نصارى إسبانيا إياهم ، وهم ذوو مستوى علمي ومعرفي عميق وغزير . ولم يعودوا في حاجة للمشرق ، بل صاروا ينشرون معارفهم به ، ويتولون مناصب التدريس والإفتاء والقضاء …
ومن أهم ما نقلوه إليه : فنا الموشحات والزجل ،وفلسفة ابن رشد القائمة على التوفيق بين الدين والفلسفة . والأمر يحتاج إلى جهود جبارة قصد استخلاص هذه الآثار الأندلسية من المظان والمصادر المشرقية ، حتى يعلم ما كان للأندلسيين من فضل في هذا الشأن .

‏وفي نهاية المحاضرة قدم نائب رئيس نادي الحدود الشمالية الأدبي الأستاذ ثامر بن سودي العنزي درع تذكاري للضيف ومدير الأمسية .


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com