أنت…بطل المسلسل !!


أنت…بطل المسلسل !!



[FONT=Simplified Arabic][SIZE=5][B][JUSTIFY]

حينما دعاني صديقي لوجبة العشاء لبيتُ له النداء ، وحضرت إلزامآ لوجوب دعوته ولمكانته السامية في قلبي ، بعدما ألقيت السلام على الضيوف جلست أتصفح الوجوه لعلي أعرف أحدآ منهم  لأجلس بجانبه، ولكن لم أكن اعرف في هذا المجلس سوى صاحبي ( المضيف )!! فقلت في نفسي : كأنه بدأ يدنيني مليآ لشفا هوةِ الغربة !! 

كان المجلس مملوءآ برائحة (الرسمية)
والمجالس التي يخيم فيها الرسمية( المفرطة ) تتحول إلى حذر دائب في الحركة  وانخراط في المثالية !!  بل يصعق الطفل حينما لايسمع غير سقوط الفناجين من يده على الأرض الصلبة  !! هذه الأحداث تبدو من الخارج أما من الداخل فتعتقد أن الثواني تحبو حبوا في سيرها  .
فتجد الناس بمثل هذه المجالس يتهافتون ويتزاحمون على شخص يمتلك روح المرح والدعابة ؛ ويملك عصا سحرية بتلطيف الجو المعتم القاتم  !!  

تنفست تنفس الصعداء حينما أطرقت أصغي لشيخ هرم قد نيف على الثمانين من عمره  ، وكأن الزمان جثم على منكبيه حتى تظن أن أنفه سيلامس الرغام من شدةِ تأثير غوائل الايام وعاديات الدهر على شبابه الآفل .

قبل أن يشرع العجوز بحديثه العام  ؛ بدأ يطلق الرصاص في جباه الكهول الذين يظنون بأنهم قد كبروا مليآ ، فقام بنقدهم في قلة علمهم بمتطلب الحياة ، وصرَّح قائلآ : لن تنالوا (هنا) حياةً هنيئة…كحياة الأوليين !! وإن هذا المجد الطريف الذي تدَّعونه ليس إلا مددا من أسلافكم الراحلين !!

 
يريد إقناعهم بأن الحياة الصافية والبطولة
السائدة  قد رحلت مع الأجداد بل ربما لم تتشبث الآن إلا بشخصه الكريم ولايقبل المساومة أبدآ في وجهة نظره 
# متصدر المجلس _ لاتساومني .
 

بعدما كسر المجاديف وهدم الأبراج الشماء التي حوله ، بدأ يستشهد بأبياته الخارقة
 التي ( لو ) دارت به رحى الايام لكانت  قصيدته من ضمن المعلقات…في رأيه . 
وبدأ يسهب ببطولاته أيام الشباب تظن لو رأه عنترة عن قرب لوثب من خيله ذعرا فكان أسرع من جواده في عدوها !
“فعلت وغزيت وركلت وصفعت ” وكل كلمة لابد أن تقطر في إناء ذاته  !!

وهناك رجل من سوء حظه جلس بقربه فكلما ذكر الشيخ قصة أشار إلى هذا الرجل وقال : “يوم كنت كبر هالغلييم !! ”

على العموم لم أكن أسمع حديثه على مضض بل كان (منفسآ) لي من إكتظاظ الحشود !!

بعدما أنتهينا من وجبة العشاء بدأ صديقي يقدم الشاي لضيوفه ، فانشغل عني مليآ !
كان بجانبي شاب غريب يريد أن يتحدث معي ولكن لايعلم مايستفتح به حديثه ، وأنا أبادله نفس الشعور ولكن بصمت ظريف !! وكأني أقرأ في عينيه ذلك التردد الذي أصابني قبله
 فالجو الذي يحيط بنا ليس وقتآ لصمت بل ماجئنا إلا لنتحدث ونسمر سويآ ونسمع أكثر مما نتكلم .

عزم الشاب بأن يبدأ في الكلام ، فطفق يستلهم ويعرض فلم البطولة من صولاته وجولاته ، وكأنه يكمل قصة الرجل العجوز الذي تصدر المجلس قبل لحظات ، كل جملة لاتخلو من ضمير (أنا) فكنت أسمعها أكثر من إسمه ولم أكن أعرف إسمه إطلاقآ  ،

جميل أن يتحدث الإنسان بصدق عن تجاربه والأجمل أن تأتي بشكل عفوي وبسيط ليستفيد منه السامع دون تملق لمسؤول كبير أو تصنع لغريب أو (هياط) كما نقول في العامية ، أو إكبارا لنفس الفانية ، أو إستأثارا بالحديث 
** أيقنت أن غالبية البشر يحبون ان يتكلموا أكثر مما ينصتوا ويحبون من ينصت لهم أكثر مما يبادلهم البطولات الشخصية 
ولذلك سمي الصمت والاستماع ( فن )
أليس كذلك ؟

 فجأة !! توقف هذا الغريب عن حديثه 
وقال مبتسمآ : إسمع لداهية فلان .
 كأنه حول ” المايك ” إليه 
إلتفت لهذا الداهية فإذا هو جاثم في زاوية المجلس له صوت كصوت قائد الكتيبة حينما يزمجر لجنوده !!

 دعوت الله في نفسي وقلت : لعل هذا الداهية أخر (الفرسان الثلاثة ) لمسلسل هذا المساء !! 
هذا الداهية مغمور بإطراء نفسه ومواقفه العظيمة المستحيلة  حتى تظن أنه أطبق على السامع الآفاق ولا مجال أبدآ إلى أن تتآسى به 
كأنه يقول : أن الذي سمتني أمي حيدرة !!
فابتسمت حينما قدح في ذهني أبيات سحيم التميمي :
 
انا ابن جلا وطلاع الثنايا
         متى اضع العمامة تعرفوني
صليب العود من سلفي نزار
       كنصل السيف وضاح الجبين

 بقيت صامتآ بين الغريب وبين الداهية وأدور بنظري يمنةً ويسرةً لهذا وذاك 
وكأني أعيش بمضارب البادية بين فرسان القبيلة .

بعدما ذهبوا الضيوف جميعآ إختليت بصاحبي ، فشكرته على دعوته الميمونة
 وحدثته عن دخيلتي لهذا المساء 
فقال بعجب : لقد فهمت نزرا يسيرا من حديثك !! ولم افهم جيدآ ماتصبوا إليه في وجهه الأخر !!

قلت : هل تتذكر يوم أن كنا صغارا حينما نرى المسلسلات _ غفر الله لنا_ فنفرح بحلقاتها السعيدة ونطرب ، ونحزن مع الممثلين الكاذبين  فنجاوب البكاء بمثله ” كالمسلسلات البدوية وغيرها ”
أتذكر ؟؟
ياللعجب !! كنا نعيش الأدوار معهم وفي قرارة أنفسنا أنها مجرد تمثيل لا أقل ولا أكثر
نعم كنا نرى أنها بمعزل عن الواقع ومع ذلك مازلنا نتأثر بها حتى ننهي الحلقة الأخيرة لنرفع قبعات الفرح لرجل البطولي !!

قال صديقي مقاطعآ لحديثي : ومادخل المسلسل في الموضوع ؟!
قلت : يارفيقي أود أن أمهد لك الطريق وأقول:
لقد علمت الأن أن لكل شخص بطولة داخلية يعيشها في جوفه ؛ ومسلسلآ تبدو خارجة عن جسده !!
فعلآ علمت الآن أنَّا في مسلسل…لاكذب
وكل شخص ممن حولنا له دور يقوم به
فالممثلين في هذه الحياة :
الآمير والكريم والجاسوس واللئيم والسمح والعنيد والشجاع والحسود والتاجر والفقير حتى أبائنا وأمهاتنا يمثلون معنا في هذه السلسلة من الحلقات !!
– قال صديقي متهكما : من هو بطولة مسلسلنا ؟؟ 
قلت : هم خلق كثير .
وكل  شخص مؤلف لمسيرته وأحداث بطولته من زاويته الخاصة التي يراها !!
 
ما أكثر الممثلين حين تعدهم
                   ولكنهم في البطولات قليل

ضحك من حديثي وقال ثم بعد ؟؟
قلت :
إكتشفت  ياصديقي أن لكل بيت أيضآ مسلسل على وجه العموم وكل شخص له قلم يسطر به مايظهر له في هذه الحياة على وجه الخصوص .
وكل يدعي انه هو الرجل البطولي الذي يبقى اخر أهله حياةً ثم بعد ذلك سيلحق الركب مؤخرا نحو القبور !!

حينها ياصديقي جردت نفسي من المألوف وبدأت اعيد صياغة الحياة بنفسي من هذا الشعور التي ذكرت لك آنفا .

فعلمت أن الحياة عبارة عن مسلسل دنيوي ستنتهي جميع الأدوار فيه…يوما ما ، وستسقط جميع الأقنعة  في الحلقة الأخيرة ( يوم الحشر ) .
وستنتهي كل المسلسلات الوهمية والحقيقية !!
سينتهي مسلسل بشار البغل !! وسينتهي فلم ذاك المسؤول المتغطرس الذي أبخس حقوق الأبرياء وأجحف في حق الأتقياء !! ستكشف الأوراق التي مررت من تحت الطاولة بين اللصوص !! وسينتهي مسلسل ملوك الأرض عند ملك السماء !!  
فأين هؤلاء الممثلون البارعون في حياتنا الخاصة والعامة سواءً كانت 
حقيقية أم وهمية  ؟
فقط سنعرف الحقائق في الحلقة الأخيرة
عندما يقول الله بعد إنتهاء هذه المشاهد الدنيوية : لمن الملك اليوم ؟؟ فلا أحد من هؤلاء الممثلين (الأبطال) يجيب !! فيجيب سبحانه :
 لله الواحد القهار
 
نعم ستنتهي كل السبل عند عتبة بابه
 ( وأنَّ إلى ربك المنتهى )
جواب قطعي لي ولك !!
هناك ستقف ركائبنا عند بابه
تلك نهاية مشهدنا يارفيقي !

بهذا الشعور ستطرد الملل وتبعد عنك خيبات الآمل عما حل بك أو بأمتك ، فقط إستشعر بأن هذه الحياة ليست سوى مسلسل مصيرها إلى فناء
وأن بداية النهاية ستكون عند محكمة عادلة  ! 
 فينبغي علينا ياصاحبي أن نتزود من الوقود المشعة من هذه الدار لكي يضئ لنا المشهد المظلم هناك !! حيث هناك الدار الباقية 
 
…بعد طول النقاش بيني وبينه 
قال : الآن فهمتك !!
قلت : لله درك  حينما فهمتني
وأنا أغالب النوم في سلطانه !!  لقد تأخر الوقت 
 أستأذنك ياصديقي وحسبي أنك أكرمتني وجعلتني أجرد قلمي من غمده  في هذه الليلة  حتى أعاود أدراجي لأكتب غدآ إن شاء الله مقالآ يجسد حديثي معك .
 (أكرمك الكريم وزوجك أربع حريم) لتعش معهن أطيب السنين . 
قال مبتسمآ : لقد أكثرت الممثلين معي في المنزل ولكن لابآس سأبقى أنا الرجل البطولي في المسلسل !!

ضحكت من حديثه وأشرت إليه بيدي لأن لساني نام مبكرا قبل أعضائي .
قال : لاتثريب عليك ! وداعآ هي كلمتك دائمآ عند أخر اللقاء …فهمتك…وداعآ واصبح على خير 

••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

* ومضة : الحياة لها ثلاث مسلسلات 
كبرى ووسطى وصغرى
* الكبرى : هي إناء مشترك لجميع البشر يشاركون في أحداثها وهي مجموعة من الحلقات نعيشها الأن والحلقة الأخيرة هي : يوم القيامة !!
* الوسطى : هي حياتك مع عائلتك حيث يتخلل حياتكم الخاصة : المحبة والفراق والحزن والسعادة والآسى 
لذا ستعيشون سويا مع زوابع الحياة وتقلبات الدهر بأفراحها وأتراحها تحت مظلة واحدة . وثمة أشخاص من جيرانكم أو أحبابكم أو ربما من الغرباء يسايرونكم في عيشكم  ولربما كانوا لكم عضدا وعونا وأنيسآ .
وهناك أشخاصآ لربما كانوا من الأقارب أو من غيرهم يضمرون لكم الحقد والحسد والضغينة.. لأنكم مازلتم تعيشون في مسلسل الحياة…مع أصناف البشر . 

*الصغرى : أنت بطلا للمسلسل ، تعيش حياتك مع نفسك التي بين جوانحك 
ربما لايشعرون هؤلاء البشر واهلك وخاصتك عما يجول في داخلك من مشاعر واحاسيس . ولايعلمون هل في قلبك الصغير نشوة فرح أم خاطرة أسى وحزن فلا أحد يعلم عما في داخلك غير ربك . 
فقط سأقول لك :
انت وحدك ( المؤلف والمسؤول ) عما يدور قريبا من سياج… مسلسل حياتك !! 
فأحسن بطولة مسلسلك أيها الحبيب !!
لأنك ستعيش على هذا الكوكب.. مرةً واحدة .

******************************************
يسعدني التواصل معكم على حسابي في تويتر : almohand999@[/JUSTIFY][/B]
[/SIZE][/FONT]


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com