الامن وامانة الكلمة


الامن وامانة الكلمة



[FONT=Simplified Arabic][SIZE=5][B][JUSTIFY]

الكلمة هي الوسيلة الأهم للتعبير عن الفكرة فهي انعكاس مكنون النفس وما يجول في خاطر الإنسان لبيان المفهوم والمعنى الذي يقصده، وهي التي تضفي على الأشياء مدلولاتها والكلمة ملازمة للفكر الإنساني بل هي المعبرة عنه والمثبتة لوجوده المادي ، لذلك لا بد من اعطاء الكلمة حقها في بيان اهميتها المجردة او بيان استمرار الأهمية لها اذ لا تزال هي المعين الذي يغذي الفكر الانساني فيستمر في نموه حتى يصل الى مرحلة النضج ، وقد بدأ التطور الأول للإنسان قبل اكتشاف علم الطبيعيات بالكلمة التي تعد الركيزة الاساسية لعلم الفلسفة الذي يقوم على التفكر والتدبر والتأمل والبحث في الحقيقة ثم الصياغة التعبيرية بإسلوب تفكيري راقي يعتمد على مقدمات ومسلمات تؤدي الى نتائج منطقية.

والأمانة تفرض ان تكون الكلمة طيبة جميلة رقيقة في اللفظ والمعنى لا تؤذي المشاعر ولا تخدش النفوس تشتاق إليها المسامع وتطرب لها القلوب ، وان يكون لها نتائج نافعة ، ومن الأمانة الا يتفوه الانسان الا بالكلام الطيب الذي يعود عليه وعلى السامعين بالخير العميم ويتجنب الكلام الغثاء الزائد الذي لا يحمل هدفا الا مجرد القول والكلام فالرسول الكريم يقول (من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت) وفي حديث آخر (من حسن اسلام الامر تركه ما لا يعنيه) والكلام الزائد الذي لا يحمل معنى او مفهوم ولا يرمي منه صاحبه الى هدف او غاية يعتبر مما لا يعني.

قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السّمَآءِ* تُؤْتِيَ أُكُلَهَا كُلّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأمْثَالَ لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ).فكم من كلمة طيبة نال بها قائلها مراده وحصل على مبتغاه، لأن لها أثراً فريداً على شخصية المتلقي لها، والمخاطب بها ، فهي تقع في نفس من ضل فتقوده الى الهداية، والذي دب في قلبه الحزن فتلهيه وتسليه، ومن اصابته مصيبة الخوف فيُحَصِّل الطمأنينة والسكينة، بل ان من اضاع نفسه وافسد عمله تحوله الى الصلاح والفلاح، وقد يقع تأثيرها في نفس جاهل فتكون سببا في طرقه لمسالك العلم والمعرفة ، والكلمة الطيبة تهدئ الغضبان وتطفي لهيب ناره وتقرب العدو اللدود وتجعله وليا حميم ومن اصحاب هذه الكلمة الرسل والأنبياء قال تعالى (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وقال تعالى (ادع الى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة). وقد علم الرسول الكريم اصحابه ودرسهم على البشاشة والطيبة وحسن الكلام فعن جابر بن سليم قال: أتيت رسول الله فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: ((وعليك السلام))، فقلت: إنا معشرَ أهل البادية قوم فينا الجفاء، فعلمني كلمات ينفعني الله بها، فقال: ((ادنُ)) ثلاثَ مرات، فدنوت فقال: ((أعد عليّ ما قلتَ))، فأعدت عليه فقال: ((اتق الله، ولا تحقرنَّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق، وأن تفرغ دلوك في إناء المستسقي، وإن امرؤ سبّك بما لا يعلم منك فلا تسبَّه بما تعلم فيه، فإن الله جاعل لك أجرا وعليه وزرا، ولا تسبن شيئا مما خوَّل الله لك))، قال جابر: فوالّذي نفسي بيده، ماسببت بعده شاة ولا بعيراً.

ان الناس يتساوون في حاجتهم الى الكلمة الطيبة التي تفرحهم وتدخل السرور الى نفوسهم ويفضلونها على المال الذي يدخل السرور الى نفس محتاجه فتحيا به نفسه ، لكن قد يدخل الى نفسه الأذى قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى)، لأن المال جبلت النفوس على حبه فيشعر من يحصل عليه صدقة ان هذا المال ربما لم يخرجه صاحبة بنفس راضية لكن الكلمة الطيبة لا تكلف صاحبها الا التفوه بها، كما انها اشمل وأتم وتأثيرها ابلغ وأعم فالكل يمكنه ان يطلقها والكل يمكنه ان يتلقاها ويستفيد منها سواء الخاصة والعامة الحاكم والمحكوم الغني الفقير الصغير والكبير العالم والجاهل، فتؤخذ ممن قالها وقد امتدح القران الكريم من يستمعون الى القول فيتبعون احسنه.

والكلمة الخبيثة البذيئة الفاحشة تهدم بها البيوت وتقطع الصلات وتؤدي الى ازهاق الأرواح وتشعل الفتن بين الجماعات، وكم من حق لإنسان فوتته كلمة خبيثة قصدها ولم يحسب لها حساب ، بل قد تجلب على قائلها الويلات وتتسبب في عقابه في الدنيا والآخرة وكم شخص وقع ضحية لكلمة قالها وخرجت من بين فكيه فخسر وندم اشد الندم عليها وكانت سببا في حتفه في الدنيا وعقوبته في الآخرة قال تعالى (وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثّتْ مِن فَوْقِ الأرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ يُثَبّتُ اللّهُ الّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَفِي الاَخِرَةِ وَيُضِلّ اللّهُ الظّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَآء) وقال تعالى: (إِنّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىَ وَنَكْتُبُ مَاَ قَدّمُواْ وَآثَارَهُمْ وَكُلّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيَ إِمَامٍ مّبِينٍ) وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: سمعتُ رسولَ الله  يقول: (إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة مِنْ رضوان الله لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة. وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم).

ومواجهة الكلمة الخبيثة لا يكون الا بالكلمة الطيبة والفعل الحسن والرسول الكريم اسوتنا وقدوتنا فعن عَائشَةَ ، قالَتْ : دخَلَ رَهطٌ منَ الْيَهودِ علَى رَسولِ اللّهِ ، فَقَالوا : السّامُ علَيْكُمْ ، قالَتْ : عَائشَةُ فَفَهمْتُهَا ، فقُلْتُ : وعَلَيْكُمُ السّامُ واللَّعْنَةُ ، قالَتْ: فقَالَ رسُولُ اللّهِ ( مهْلا يا عَائشَةُ ، إنَّ اللّهَ يُحبُّ الرّفْقَ فى الأمرِ كُلّهِ ) وحديث الاعرابي الذي بالَ فى الْمَسْجدِ ، فقَامُ إلَيْهِ الناس ونهروه ، فقال رسول الله ( لا تزرموه) واضاف عليه السلام (انما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) ثم دعَا بدلو ماءٍ فصب عليه ، وهذا ما دعا الإعرابي لأن يقول (اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا احدا).

ان الأمن يثبت بالكلمة الطيبة التي يكون تأثيرها ابلغ ولها نتائج تفوق كل الإمكانات الأمنية البشرية والمادية المتمثلة في كثرة رجال الأمن وتنوعهم وتدريبهم على مواجهة المواقف الصعبة وتنمية مداركهم وعقولهم وأجسامهم ، فمقابلة الناس بالكلمة الطيبة المقنعة التي تصحبها الابتسامة تفوق كل تلك التجهيزات في الاثر والنتيجة، حتى وان كان احد هؤلاء الناس من المخالفين او مرتكبي الجريمة فهو لا يزال انسان يتمتع بكامل حقوقه التي تجعله في مصاف الناس العاديين انما الاجراءات التحقيقية التي تتم في مقابلته هي اجراءات استثنائية للضرورة الاجرائية التي فرضتها الحالة التي اصبح عليها، فما بالك في الاوضاع العادية التي تحكم العلاقات الدائمة بين الناس والتي لا يصاحبها أي خلل او ضرر قال تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ).
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه.

الدكتور عويد مهدي[/JUSTIFY][/B][/SIZE][/FONT]


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com