المواطن يدفع ثمن احتكار الأراضي طول العمر..!


المواطن يدفع ثمن احتكار الأراضي طول العمر..!



تحقيقات - إخبارية عرعر:

طالب عدد من المختصين بالجوانب الاقتصادية والتشريعية بضرورة تدخل الدولة لحل مشكلة ومعاناة المواطنين من الارتفاع المبالغ فيه في أسعار الأراضي؛ نتيجة الاحتكار والجشع الذي مارسه بعض تجار وملاك الأراضي في معظم مناطق المملكة على حساب المواطن، طارحين الكثير من علامات الاستفهام عن سبب وجود هذه المشكلة في الوقت الذي تعتبر فيه المملكة قارة منبسطة وتتوافر على مساحات هائلة من الأراضي البيضاء، مشيرين إلى أن تجفيف العرض كان بغرض افتعال أزمة في قطاع السكن، وهذا ما تحقق بالفعل؛ مما جعل قدرات وإمكانات أصحاب الدخل المحدود المادية غير قادرة على ملاحقة ذلك التصاعد الكبير والمثير في أسعار الأراضي السكنية، رغم المساندة التي قدمتها الدولة لهم من خلال مضاعفة قروض صندوق التنمية العقارية، وكذلك من خلال مساندة هذا القروض عبر الاقتراض مرة أخرى من البنوك التجارية مدعومة ببرنامج كفالة الذي تقدمه الدولة للراغبين في بناء وحداتهم السكنية، إلاّ أنه بالرغم من هذا الدعم فإن قيمة الأرض في ظل هذا الغلاء ظلّت مستحوذة على ما يصل إلى 70% من المال المدخر لتوفير السكن.

وأكدوا على أن المراد الشرعي للأراضي هو إحياؤها بما يتماشى مع مصالح الناس وليس احتكارها، مثمنين مشروع نظام فرض غرامات على الأراضي السكنية البيضاء غير المستثمرة داخل النطاق العمراني، وذلك بشكل عاجل؛ لفك الاحتكار وتحقيق التوازن بين العرض والطلب، إلى جانب دعم العقاريين وبالذات المطورين لإنهاء إجراءات الترخيص للمخططات السكنية التي تمتد لسنوات، كذلك تقليل أعباء تطوير المخططات المفروضة عليهم والتي تدخل في مسؤولية القطاعات الخدمية الربحية مثل الاتصالات والكهرباء وغيرها مما هو في إطار مسؤولية البلديات والأمانات، بما لا يؤدي في النهاية إلى رفع قيمة الأرض على المشتري، مؤكدين على أن هذا الإجراء يأتي أيضاً مساهمة من الدولة في إطار تخفيف الأعباء على المواطن البسيط.

مطلب شرعي

وقال الأستاذ “عبدالله المهوس” -رئيس الغرفة التجارية عضو المجلس البلدي لمدينة بريدة- إن فرض الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاقات العمرانية مطلب شرعي اجتماعي يهدف إلى المساواة بين الناس، ويمنع الاحتكار وإبقاء الأراضي غير مستغلة ومستثمرة.

وأضاف أن اتخاذ قرار فرض رسوم على الأراضي البيضاء يمثّل خطوة جريئة نحو الطريق الصحيح لتمكين المواطن العادي من الحصول على مسكن مريح متوافقاً مع دخله، متمنياً أن يكون ذلك في القريب العاجل، مشيراً إلى أن معظم مساحات الأراضي البيضاء يمتلكها شخصيات لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين، وهذا مما يعزز فرص الاحتكار، مبيناً أن بقاء المساحات البيضاء خام لدى ملاكها راجع إلى عدة عوامل من ضمنها عدم وجود فرص استثمارية بديلة لضخ السيولة الحاصلة من بيع تلك المساحات.

احتكار الأراضي

وقال “د. فهد بن سليمان النافع” -وكيل كلية إدارة الأعمال للشؤون التعليمية بجامعة القصيم- إن مساحة المملكة تعادل ما مساحته تسعة أضعاف بريطانيا والتي يوجد فيها كثافة سكانية -أي بريطانيا- تعادل أربعة أضعاف سكان السعودية، ومع ذلك لا يوجد لديهم ذلك الإشكال الاقتصادي في جوانب الإسكان، متسائلاً عن الأسباب التي تجعل أسعار الأراضي لدينا بارتفاع متزايد وغير طبيعي، مرجعاً السبب إلى الاحتكار، ولا يمكن حله إلاّ بتدخل الدولة بشكل إجرائي قوي، من خلال فرض رسوم تتناسب مع المساحات غير المستغلة وتشغل حيزاً كبيراً من مساحات المدن والمحافظات وتحتاجها متطلبات التنمية من إسكان وخدامات ومرافق عامة، مؤكداً على أن عدم استغلالها أدى إلى تعطيل أمور كثيرة في التنمية وتطوير المدن.

وأضاف أن الدولة بحاجة إلى رأي شرعي من هيئة كبار العلماء يجيز فرض غرامة على الأراضي البيضاء، من دون تأخير تحت أي مبرر، مشيراً إلى أن هذا الحل المتمثل بفرض رسوم لا يخدم فقط الأفراد بل يخدم قطاعات الدولة واقتصادها، ويخفف العبء عليها، وعلى المواطنين الذين يمثّلون شريحة كبيرة من ذوي الدخل المحدود، ومن المؤمل على الدولة أن تضع في الاعتبار والحسبان جانب مهم وهو حماية هذا الإجراء من أي محاولة تدخل أو ابتزاز.

تعطيل الاقتصاد

وقال “خالد بن عبدالعزيز اليحيا” -مستشار قانوني- إن الوضع الحالي للأراضي لا يسمح لنا بوضع تصور مستقبلي للتخطيط العمراني؛ بسبب الاحتكار الذي يمارسه بعض تجار العقار من دون أن يكون هناك أنظمة تردعهم، حيث أصبحت الأراضي وتملّك المساحات الشاسعة من قبل التجار هو الملاذ الآمن لأموالهم، من دون دفع رسوم يمنع احتكارهم، متسائلاً: حتى لو بقيت الأرض بيد التاجر مائة سنة ما الذي يضيره؟، خاصة إذا كان ليس بحاجة إلى ثمنها فيتركها ليزيد سعرها مع الوقت، وبالتالي سوف نجد أن دورة اقتصادية قد تعطلت، وكل ما يجمعه شاب من رواتبه عبر عشرات السنين من العمل والكدح سوف يلتهمه صاحب العقار ومحتكره بثواني وبالسعر الذي يحدده!.

وطالب “ليحيا” بإيجاد هيئة لسوق العقار على نسق هيئة سوق المال يكون دورها تنظيم كافة أوضاع العقار، وتضع خطط ملائمة ومتوازنة تسمح باستيعاب اعمال التنمية المستقبلية وتحدد أدوار التجمعات العمرانية وتراقب السوق، وتحدّ من عملية الاحتكار عبر سن أنظمة للعمل على سرعة تداول العقار وعدم بقائه بأيدي قلّة محتكرة تصنع مستقبل هذا القطاع على كفّ عفريت، كما طالب بسن حزمة من الأنظمة والضوابط لتنظيم هذا القطاع، ومن ذلك فرض غرامة على ملاك الأراضي البيضاء، أو فرض رسوم عليهم لما في ذلك من مصلحة مرسلة ومقاصد هدفها ينصب على مصالح الناس وتحقيق العدالة، مؤكداً على أن ذلك لولي الأمر، مشيراً إلى أن الأنظمة المطبقة حالياً لا تسمح بالتوسع الرأسي على حساب التوسع الأفقي.

وأضاف:”من الآن وصاعداً علينا التفكير جدياً بالحد من التخطيط العمراني الأفقي الذي يكلّف الكثير من المال والجهد في الخدمات، والتركيز على التوسع الرأسي، بحيث يستوعب كل مخطط أراضي ستة أو سبعة أضعاف استيعابها الحالي؛ مما يسهل جلب الخدمات وتوفير الطاقة وتوفير الجوانب الأمنية أيضاً، حيث أن التوسع الرأسي يخلق بيئة آمنة ومنظمة وتوفير للخدمات وحل مشاكل مرورية وأمنية.

وأشار إلى أن أنظمة البلديات الحالية بخصوص متطلبات التخطيط العمراني تخلق الكثير من المعاناة، حيث تتطلب الأرض الخام أحياناً أكثر من ثلاث سنوات لإنهاء إجراءات التخطيط العمراني وزيادة كلفته، خصوصاً وأن هناك قطاعات خدمية لها موارد كالكهرباء والهاتف من المفترض أن تساعد في توفير خدماتها للمخططات الجديدة، إلاّ أنها تأخذ الملايين مقابل هذه الخدمات.

لا للمسكنات!

وقال “اليحيا” إن المسكنات العلاجية لقطاع العقار لا تجدي نفعاً، ولا بد من إيجاد مشروع وطني كبير لإعادة هيكلة هذا القطاع وتنظيم أوضاعه قبل أن يصبح غير قابل للعلاج وعالة على اقتصاد الوطن عبر أسعاره المتضخمة وتداوله الصعب، موضحاً أن تطوير الأراضي عبر عقود “فيديك” أمر يجب بحثه وهي عقود تسمح للمطور والمستثمر التعاقد مع الدولة لتطوير أراضيها وتسليمها بعد عشرين سنة (مثلاً) بعد أن يكون قد استثمرها.

الآثار الاجتماعية

وتحدّث “عبدالله بن محمد الوابلي” -عضو مجلس منطقة القصيم رئيس مجلس الجمعيات التعاونية بالمملكة- عن الآثار الاجتماعية المترتبة على احتكار الأراضي البيضاء، موضحاً أن التمدد الأفقي للمخططات السكنية خلق أزمة سكن حادة، وساعد على ذلك المخططون العمرانيون في المدن والقرى غير الملمين بالآثار الاجتماعية والاقتصادية لنتائج أعمالهم، وكان المستفيد الوحيد هم العقاريون؛ فأصبحوا من أثرياء البلد على حساب مدخرات أفراد، وتحديداً فئة الطبقة الوسطى التي عانت من ارتفاع أسعار الأراضي بشكل مؤرق، مشيراً إلى أنه من المؤلم أن ننظر إلى التخطيط العمراني على أنه مجرد عمليات هندسية بحتة دون النظر إلى الآثار المباشرة وغير المباشرة على بنية المجتمع.

وقال:”بناءً على كل ما سبق أدعو وزارات الإسكان والشؤون البلدية والقروية والاقتصاد والتخطيط بالأخذ بعين الاعتبار في جميع سياساتها وبرامجها التخطيطية الآثار الاجتماعية والاقتصادية على الشرائح المتوسطة والضعيفة من المجتمع،

كما أتمنى من الحكومة العمل على كبح جماح أسعار الأراضي البيضاء واعتبارها كباقي السلع الغذائية التي لا يجوز حبسها والتحكم بها، وذلك من خلال فرض رسوم سنوية على تلك الأراضي، والسعي لعدم ارتهان مصالح ملايين الناس لمصالح مئات من المحتكرين”، داعياً إلى تفعيل دور جمعيات الإسكان التعاونية وتشجيع انتشارها في عموم مناطق ومحافظات المملكة، حيث أثبت قطاع التعاون الإسكاني نجاحاً كبيراً وساهم بحل مشكلة الإسكان في معظم دول العالم.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com