استفزاز “المرأة المتشددة”..!


استفزاز “المرأة المتشددة”..!



تحقيقات - إخبارية عرعر:

قد نتفاجأ أحياناً بوجود أشخاص يمارسون حقَّ الوصاية على الجميع، حيث يتقمَّص هؤلاء في هذه الحالة دور الناصح الورع الذي سخَّر حياته لنصح الآخرين خوفاً من أن يمسَّهم العذاب الأليم؛ فنجدهم يحاولون الوصول إلى غايتهم بأيّ وسيلة، لينةً كانت أم غليظة، فالمبدأ لديهم جميل ومتفقون عليه وهو “الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر”، ولكن غالباً ما يبدأ أحدهم النصح بعبارة “جزاك الله خيراً”، ثم ينتهي بتقطيب الحاجبين والدعاء على من لم يستجب للنصيحة!

ولا شك أنَّ منح حاملي هذا الفكر “المُتشدِّد” الفرصة وترك المجال مفتوحاً أمامهم وتغذية فكرهم وشكرهم على جهدهم نظير مساهمتهم بتصحيح “الخطأ” بهذا الأسلوب البعيد عن الوسطية والفكر المعتدل كفيل بالتسبّب في تماديهم وإلحاقهم الأذى النفسي بغيرهم، خصوصاً حينما يتعمّدون تعريض غيرهم للإحراج في الأوساط الاجتماعية، من خلال اتهامهم لهم بالتقصير في أداء ما يرونه واجبا شرعيّا، أو أمرهم لهم بالابتعاد عن ما قد يكون خللاً أو تقصيراً شرعياً من وجهة نظرهم. وهناك بعض النساء – نقول بعض وليس كل – من باتت تنتهج مثل هذه الأساليب المُتشدِّدة في النصح، خصوصاً في المناسبات الاجتماعية والعائلية، أو أثناء التواجد في المجمعات التجارية أو الأماكن العامة، أو حتّى في بعض الأماكن التي تخلو من وجود الرجال، مثل المدارس والجامعات والمشاغل النسائية، وغيرها من الأماكن التي يقتصر ارتيادها على النساء فقط، حيث تمارس المرأة دورها هنا حتى إن لم تمتلك المهارات والطرق والأساليب التي تعينها على ممارسة الدعوة إلى الله بالشكل الصحيح.

عاطفة المرأة

وقالت “نورة محمد” – معلمة – إنَّها واجهت هذه النوعية من النساء، مُبيّنةً أنَّ إحدى قريبات زوجة ابنها كانت تمارس هذا الدور في مناسبة زواجه، مُشيرةً إلى أنَّها رغم أنَّها تعلم أنَّ المناسبة مناسبة فرح وبهجة، وأنَّ ما يُمارس فيه من رقص واستماع لبعض الأغاني، إلاَّ أنَّها كادت أن تُفسد هذه الأجواء عبر تعمّدها تقديم النصح بصوت مرتفع لبعض الحاضرات أمام الجميع، لافتةً إلى أنَّه كان من الأجدى أن يحدث ذلك بطريقة فردية بعيداً عن أنظار الجميع.

حجج واهية

وبيَّنت “البندري المشاري” – موظفة بالقطاع الخاص – أنَّها لا تريد أن تُقلل من شأن المُتدينات، بيد أنَّ هناك فئة كبيرة يمكن أن يطلق عليها عبارة “دين على غير سنع”، مُشيرةً إلى أنَّه ما أن تتلقى إحداهنَّ دعوة لحضور زواج أو مناسبة اجتماعية أو عائلية ما، إلاَّ وتجدها ترفض تلبية الدعوة متذرعةً ببعض الحجج الواهية التي تُقحمها في الدين إقحاماً غير مُبرَّر، موضحةً أنَّ ديننا الإسلامي الحنيف لم يُحرّم الفرح المنضبط.

وأضافت أنَّ من بين الأسباب التي يتم الحديث عنها في هذه الحالة، وجود الأغاني أو ما تلبسه الفتيات الصغيرات من ملابس تتناسب مع أعمارهن، مُشيرةً إلى أنَّ إحداهنَّ ذكرت ذات مرة أنَّها تخشى الحضور خوفاً من أن يسقط سقف المكان على الحاضرات نتيجة كثرة المخالفات الشرعية المتعلقة بنوع اللباس وممارسة بعض الطقوس المرتبطة بحالة الفرح، ومن ذلك الرقص وسماع الأغاني التي هي من طبيعة المناسبة، ومع ذلك فإنَّها تتواجد في مناسبات أخرى بالصف الأمامي، مُضيفةً :”باختصار هذا النوع من النساء إذا عندها فستان حضرت، وإذا ما عندها تحجَّجت”!

وعدَّت “أسماء محمد” – ربَّة منزل – هذا النوع من السلوك الذي يصدر عن بعض النساء نوعاً من التشدّد المنهي عنه، مُشيرةً إلى أنَّه أصبح في كثير من الأحيان “موضةً” لدى البعض لا أكثر، مُضيفةً أنَّها ارتبطت في أذهان بعض الأسر برغبة الشباب في الارتباط بهذه النوعية من الفتيات، وبالتالي فإنَّ هذه الأسر حرصت على أن يكون ذلك مرتبطاً ببناتهم؛ رغبةً في تزويجهنّ في أقرب فرصة سانحة متى ما تقدم الشاب المناسب المُفضّل لهذه النوعية من الفتيات.

عامل الغيرة

وشدَّدت “أنفال محمد” – طالبة جامعية – على ضرورة أن يتم نصح الآخرين بطريقةٍ سرية بعيداً عن أنظار الغير، على أن يُراعى فيها خفض الصوت والسماحة ولين الجانب، موضحةً أنَّ ما يخرج من القلب يدخل إلى القلب، وأما غير ذلك فهو يدخل ضمن قول الامام الشافعي -رحمه الله-:”من وعظ أخاه سراً فقد نصحه، ومن وعظه علانية فقد فضحه”، مُشيرةً إلى أنَّ عامل الغيرة قد يلعب دوراً مهماً في تكوين الأنثى، لافتةً إلى أنَّها متى ما كانت متشددة، فإنَّها قد تكون اكتسبت هذا السلوك من داخل منزل منغلق، وبالتالي تبدأ في تفريغ طاقتها المكبوتة في وجه الآخرين.

موقف غريب!

وسردت “أم لجين” – موظفة – قصتها التي حدثت قبل حوالي (9) أعوام مضت، قائلةً: “أتذكر قصة طريفة عن امرأة متشددة أشغلتني في إحدى الحفلات، وكنت قد رددت على مسامعها مراراً وتكراراً مقولة (جزاك الله خيراً)، بيد أنَّ ذلك لم يرضها تماماً”، مُضيفةً أنَّها كانت تريد منها أن تلبس عباءتها وتستر نفسها – على حد قولها -، رغم أنَّهما كانتا في مجمع نسائي ولم يظهر منها إلاَّ ما يظهر عادةً في الحفلات، مُشيرةً إلى أنَّها ما أن ضحكت نتيجة طلبها الغريب ذلك، إلاَّ وارتفع صوتها مُكرّرة نصحها لها بصيغة الأمر.

وأضافت أنَّها حاولت بعد ذلك الانتقال إلى طاولة أخرى مع أقاربها، قبل أن تتفاجأ بوجود فك بشري يغرس أسنانه على كتفها، الأمر الذي جعلها تصرخ بشدَّة وتحاول بكل ما أوتيت من قوة دفعها بعيداً عنها دون جدوى، موضحةً أنَّ بعض النساء المتواجدات في المكان أبعدوها عنها بعد جهدٍ جهيد، لافتةً إلى أنَّ آثار تلك “العضَّة” ما تزال موجودةً على جسدها مُذكرةً لها بذلك الموقف الغريب.

واقع أليم

وأكَّدت “رغد المسعود” – طالبة جامعية – على أنَّ عدم احترام الآخرين يعكس الواقع الأليم لتربيتهن، مُضيفةً أنَّ الأزمات النفسية والعقد والحرمان التي عانت منه هذه المتشددة كفيل بإيذاء نفسها وإيذاء من حولها، لافتةً إلى أنَّ انتخاب نفسها لتكون القائدة الصحوية والمصلحة الاجتماعية والعقدية بالرغم من تناقضاتها أمر محزن للغاية، موضحةً أنَّنا قد نجدها تأمر بالتقرب إلى الله –عزَّ وجل- وتدعو إلى مخافته، وهي بعيدة كل البعد عن ذلك، مُشيرةً إلى أنَّ أغلبهن مهملات لبيوتهن، وبالتالي فإنَّ الزوج قد يتزوج في هذه الحالة بأخرى.

قصَّة شعر

وأشارت “عبير الجامع” – موظفة بالقطاع الخاص – إلى أنَّ لنا في رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة في مجال المناصحة، بيد أنَّ البعض –للأسف- لا ينتهجون المسلك الصحيح في هذا الجانب، لافتةً إلى أنَّ ابنتها جاءتها يوماً تشتكي من معلمتها التي دأبت على أن تخرجها من حصتها لمدة أسبوع كامل بسبب قصة شعرها الغريبة – على حد تعبير هذه المعلمة -، مُضيفةً أنَّها عندما اتصلت بها لم يجد ذلك نفعاً معها، بل على العكس تماماً بدأت برفع صوتها عليها.

وأضافت أنَّ ذلك جعلها تذهب بعد ذلك بيوم واحد إلى المدرسة لتشتكيها إلى إدارة المدرسة، بيد أنَّها تفاجأت بأنَّ الجميع هناك يهابونها، وأولهنَّ كانت المديرة نفسها، مُشيرةً إلى أنَّ مديرة المدرسة قالت لها – بالحرف الواحد -: “هذي معلمة دين، كيف ننصحها والدين عندها؟”، موضحةً أنَّ ذلك جعلها تُجبر ابنتها على أن ترتدي الحجاب في مدرسة لا يوجد بداخلها ذكر واحد، وذلك من أجل “قصَّة شعر”.

انحراف فكري

ولفتت “د. هيا المسلم” – عضو هيئة التدريس في كلية الآداب بقسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود – إلى أنَّ بعض الأسباب التي أدَّت إلى تفشيّ ظاهرة “التشدّد” في المجتمع هي الانحراف الفكري عن وسطية الدين التي ترتكز على قاعدة “لا إفراط، ولا تفريط”، وتنهى عن ظاهرتي “الغلو والتطرف”، موضحةً أنَّ استخدام الأساليب التربوية السلبية أثناء التعامل مع الأبناء والتلاميذ، مثل التسلط واللامبالاة وفرض الرأي وعدم منح الثقة لهم كفيلة بإيذائهم نفسياً وفكرياً.

وقالت إنَّ من بين الأسباب التي أدَّت إلى تفشيّ ظاهرة “التشدّد” أيضاً، الفهم الخاطئ لكثير من المبادئ والمفاهيم، ومن ذلك عدم إعطاء الفرد الحرية والحقوق الاستقلالية في التفكير والتصرف، إلى جانب عدم الوعي بكيفية تفعيل المسؤولية الاجتماعية ووضعها موضع التطبيق، خاصةً أنَّها تحمل في طياتها أنَّ التربية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية كل فرد من أفراد المجتمع، ولكن لها أسلوب مميز وهيّن، وكذلك الجهل بأساليب الدعوة الإسلامية التي أنتهجها الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – في دعوته الإسلامية، والتي تحتوي ضوابط كثيرة لم يعيها كثير من المتشددين في هذا الوقت.

شخصية متشدِّدة

وأضافت “د. هيا المسلم” أنَّ من خصائص الشخصية المتشدّدة: الانغلاق وممارسة أساليب دكتاتورية وتسلّطية باعتبارها وسيلة لإثبات الذات، إلى جانب نبذ الأساليب التي تهتم بالتوجيه والمدح والثناء، حيث يعتقد صاحب هذه الشخصية أنَّها هوان وضعف، وكذلك المبالغة في نظام الجزاءات الايجابية والسلبية، كالغلو في التدليل والإسراف، لافتةً إلى أنَّ الأمر كلَّه يعود إلى عدم تعليم الأبناء المهارات الاجتماعية وآداب اللياقة والتصرف، ومن ذلك التحدّث بلطف مع الآخرين، مؤكدةً على أنَّ التشدّد اللفظي أثناء التعامل والابتعاد عن الحكمة والموعظة الحسنة وأسلوب المناقشة والحوار دون تجريح غالباً ما يغيب عن هذه الشخصية.

وتمنت ألاَّ تغيب كثير من الصور الايجابية أثناء تعامل المربيين مع الأبناء، ومن ذلك المشاركة وعدم العزلة بين عالم المربين وعالم الأبناء، موضحةً أنَّه متى ما كان المربي، سواءً كان أباً أو أماً أو معلماً متشدداً، ترتب عليه اهتزاز شخصية الطفل وتعويده على الكذب لكي يحمي نفسه من العقاب أيّا كان نوعه، مُشيرةً إلى أنَّه يتم في هذه الحالة غرس بعض القيم السلبية لدى النشء، كالكذب والغش وعدم الأمانة من أجل حماية الذات، لافتةً إلى أنَّ لجوء الوالدين إلى معالجة السلبيات السلوكية بالتقريع والضرب والتشهير والإذلال اعتقاداً منهم أنَّ ذلك حل مثالي، قد يُولد خاصية العناد والإصرار على تلك السلوكيات من قبل الأبناء.

وأشارت إلى أنَّه يمكن معالجة التشدّد في مؤسسات التعليم – إن وجد – عبر تكثيف الحملات التوعوية في المدارس ووسائل الإعلام ونشر الكتيبات بالأضرار المترتبة على استخدام الأساليب التربوية التشددية الخاطئة، إلى جانب تنظيم الندوات وورش العمل، خاصةً في مجالس الآباء والأمهات، على أن تبرز سيرة الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – مع أهل بيته وأصحابه، مُشدِّدةً على ضرورة التدرّج في معالجة السلوكيات السلبية التي يواجهها النشء بما يتفق مع طبيعة الموقف.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com