تحمّل المسؤولية عنوان العام الجديد.. هل نتغيّر؟


تحمّل المسؤولية عنوان العام الجديد.. هل نتغيّر؟



تحقيقات - إخبارية عرعر:

طويت يوم أمس صفحة عام كامل؛ ليضاف إلى رصيد أعمارنا.. عام آخر عشناه بكل تفاصيله، وتطل بعدها إشراقة أول أيام العام الجديد الذي يفترض أن يسبقه رغبة جادة في استقباله بخطوات جادة لرسم أهداف مستقبلية نطور من خلاها ذواتنا، ونراجع واقعنا ونغيّر أسلوب حياتنا، حتى نتخلص من السيئ منها ونرتقي بمن حولنا، ولذلك يأتي التسؤال: هل تلك التحولات في حساب الزمن تغيّر في شيء عند البعض.. أم أن عاداتنا وأساليب حياتنا وأخطاءنا تبقى في غالب الأحوال كما هي؟.

ويذهب كثير من المختصين في تطوير الذات إلى تحميل المنظور الثقافي وطريقة التفكير وأسلوب الحياة والخبرات المكتسبة وما يسمى بأثر السياق مسؤولية غياب الدافعية لدى الفرد تجاه تطوير ذاته وقراءة واقعه وأين يقف ومن هو، مشيرين إلى أن غياب الأهداف وسيطرة الحاجات والانشغال بها أدى إلى التقوقع والجمود الذي يعيشه الكثير منا، بل إن منهم من يرى أن الكثير ينشغل عن إصلاح نفسه بإصلاح من حوله.

تحمل المسؤولية

ويرى “د. صالح الغامدي” -استشاري قلب مستشار إدارة الضغوط ومهتم بتطوير الذات والتعلم المتسارع- أن بداية التغيير تكون في تحمل المسؤولية؛ لذا على الفرد ألا يرمي بمسؤولية مايعيشه من معاناة أو إخفاق على الآخرين، وتكون الشجاعة في الدعوة للمراجعة والبحث عن دور الفرد نفسه فيما وصل إليه؛ لأننا لا نستطيع دائماً تغيير الآخرين، وإنما نمتلك القدرة على تغيير ذواتنا وألا نقع في فخ الشكوى مشيراً إلى أن أولى خطوات تطوير الذات تأتي بمعرفة من أنت.

وقال “د. رائد القثامي” -المدير التنفيذي لمؤسسة ثروة العقل ومشرف تربوي سابق بوزارة التربية والتعليم- إن الكثير منا يفتقد للأهداف في حياته، بينما تسيطر الاحتياجات على أسلوب حياته، لذلك نلاحظ الكثير يصبح همه توفير الأموال التي تمكّنه من شراء شيء آني لا يتجاوز جهاز هاتف أو أي شيء من الكماليات، فهو في غالب الأحيان يبقى في دائرة الحاجات الفيسيولوجية وفق هرم _ماسلو)، بينما تغيب عنه الأهداف التي تليها كالانتقال إلى الأمان وتحقيق الذات، مشيراً إلى خطأ المقارنة للأجيال الحالية بالأجيال الماضية حين يمتدح ذلك الجيل وينتقص من أبناء الجيل الحالي، مرجعاً ذلك للعوامل المؤثرة على الجيل الحالي التي لم تكن موجودة في السابق وأهداف الأجيال السابقة حينها كانت واضحة، مؤكداً على أن الخلل نشأ من منظومة متكاملة تبدأ من الوالدين وتمتد إلى مؤسسات التعليم لتصل إلى المجتمع والثقافة السائدة.

وأضاف “د. عائض العمري” -رئيس المجلس السعودي للجودة- أن الكثير منّا يفتقد للدافعية تجاه التغيير والتطوير الذاتي للإرث الثقافي، فهو الذي يحرك تلك الدافعية أو يجعل الفرد منا في حالة جمود، ويركن على التلقائية في حياته، بمعنى أن الظروف تسيّره، لافتاً إلى جانب مؤثر في ثقافة المجتمع السعودي والخليجي الذي عاش طفرة أفرزت نتائجها الوفرة والرخاء والرفاهية التي بدورها أسهمت في تنامي العشوائية وعدم الحاجة للتخطيط، بينما نجد إنسان الدول الأكثر رفاهية أكثر حرصاً على التخطيط المستقبلي.

وأشار إلى قصة وقعت أحداثها في أحد مراكز التدريب بالولايات المتحدة الأمريكية لشخص ياباني كان يتسم بالمرح وإشاعة البهجة أثناء البرنامج التدريبي، إلاّ أنه في أحد الأيام كان منطوياً على نفسه ويبدو حزيناً، وبعد محاولات لمعرفة سبب الحالة التي كان عليها قال إنه قلق جداً لأن ابنه بدأ اختبارات المرحلة الابتدائية ويخشى ألا يحقق الدرجة المطلوبة للدخول إلى مدارس متوسطة ومن بعدها الثانوية (مدارس تتطلب مستوى عاليا من الدرجات) حتى يتمكن من الالتحاق بجامعة طوكيو، مؤكداً على أن هذه القصة تكشف أسلوب الشعوب المتقدمة التي تحرص على المستقبل بالتخطيط من مراحل مبكرة، ويتعدى الحرص من الجانب الشخصي إلى الأبناء.

عوائق التطوير

من جانب آخر يطرح “د. رائد القثامي” فكرة أثر السياق الذي يعد مبدأ في علم النفس، لذلك لا نستغرب ما يحدث من تصرفات في الشارع؛ لأن السياق العام يقر ذلك ويلفت إلى تغير سلوكنا حين ننتقل على دولة تطبق النظام بصرامة في حين تكون ممارساتنا سيئة في بلدنا، وهذا ينسحب على تطوير الذات وغياب الأهداف الاستراتيجية في حياتنا تأثراً بالسياق العام.

بينما يعيد “د. صالح الغامدي” تفشي نقص تقدير الذات كأحد سمات المجتمع؛ نتيجة التعود على الاتكالية والجمود وانتظار الآخرين لعمل شيء، الأمر الذي أدى إلى الإحجام والخوف والتمسك بالمناطق الآمنة، كذلك ضغط المجتمع المتمثل في المسايرة، محملاً ذلك إلى جملة من الأسباب، أهمها: رواسب الطفولة، والشكوك في القدرات، والتعامل العائلي بالانتقاص من الشخصية، وتنامي دور الأب في القمع وتحديد اختيارات الابن وعقلية التشابه والتطابق، ورفض الاختلاف التي تصل إلى مسخ الشخصية خلاف ماهو موجود في الغرب الذي يرى في الاختلاف تنوعا، بينما يرى “د. القثامي” تحول دور الأب والأم إلى الرعاية، كما أن مؤسسات التعليم لا تعلم الأبناء كيفية مواجهة الحياة والمجتمع.

ويعيد “د. الغامدي” افتقاد الرغبة في التطوير إلى غياب القراءة التي تمثّل أحد العوامل المؤثرة في الجمود؛ لأن الذي لا يقرأ يظل حبيس الجهالات التي تسيّره، ويأتي دور التعليم الذي لا تتجاوز مخرجاته في أن تكون مرؤوساً، وبؤدي إلى فقد ملكة الإبداع نتيجة الوصاية المستمرة من البيت إلى المدرسة؛ لذلك التعليم لا يكسبك مهارات مواجهة مشاكل الحياة، ويفقدك الحيلة في مواجهتها بل إنه يعاقبك متى ماخرجت عن سياقه، وسيطرة الذكاء الرياضي والمنطقي واللغوي على الذكاءات الأخرى التي تشكل الجانب الوجداني والإبداعي مثل الذكاء البصري والموسيقى فتضمر عضلة الذكاءات الأخرى.

وقال إن ثقافة التبعية التي نشأت مع بروز مشاهير الصحوة، حيث كان تأثيرهم طاغياً في تشكيل جيل لا يهمه أن تكون مستقلاً بقدر أن تردد ما يقولون، بحيث تكون سهل الانقياد؛ لذلك حين تطرح قضية أو يوجه نقد لأحد هؤلاء ينبري المدافعون عنه بالحق والباطل ويغيب الحوار والنقاش، بل يظهر خطاب إقصائي يحمل في ثناياه لغة متوحشة، ويمتد الخلل إلى النخب التي لا تشجع على استقلالية أفراد المجتمع والتي يعاني قسم منها من نرجسية تكونت من ضعف الثقة بالنفس، حيث تجد من يبحث عن تقدير الآخرين وموافقتهم على كلامه، عوامل أخرى تشكل جوانب مظلمة تدفع للتطرف منها غياب التقدير والاحتقار والنظرة للذات بناء على نظرة الآخرين، لذلك إذا كان الفرد ناقماً على محيطه، ومتى ما تشكلت شخصية الفرد وفق التأثيرات السابقة فإنه سيبدأ رحلة البحث عن البطولات الزائفة والاتجاه إلى العنف، إما ليحقق البطولة أو لينتقم من مجتمعه كما يمكن أن تكون تحقيقاً لفكرة الخلاص، وخلال القرن العشرين ثم بداية الالفية الجديدة أثبتت مدرسة العلاج المعرفي السلوكي وطريقة العلاج بتمثيل الأدوار أنك يمكن أن تتخلص من كثير من هذه الرواسب مما ينسف نظرية فرويد في الارتهان للطفولة، هناك أيضا غياب الهدف الواضح وعدم معرفة الفرد بنفسه مما يجعله يمضي سنين طويلة في التخبط دراسيا وفي أعمال لا تناسبه ولا تستثمر همته، ومن العوامل أيضاً غياب بيئة التغيير الحاضنة وبالعكس فالبيئة في الغالب تحارب رغبة الفرد بالتغيير لكي يبقى ضمن نطاق التشابه والتطابق.

وأضاف “د. القثامي” عامل آخر يراه مؤثراً في حياتنا وهو تأثير الأهداف البراقة كأحد التهديدات التي تواجه مجتمعنا حين ينخدع الكثير ببريق الإعلانات التي تقحمهم في متاهات تؤثر على أهدافهم الرئيسة، مشيراً إلى تأثير حملة تسويقية لشركات من دولة تشهد إقبالاً سياحياً من المواطنين لشراء شقق سكنية، رغم أن شريحة منهم لا يمتكلون سكناً في بلدهم، ولكن البريق الإعلاني أثّر في قراراتهم، كذلك ما نعيشه حالياً من الإقبال الكبير على شراء إصدار حديث لأحد الجوالات.

رهان المستقبل

وانطلاقاً من خبراته في إدارة الجودة، يرى “د. عائض العمري” أن التخطيط الاستراتيجي مازال في مراحل متأخرة لدى القطاعات الحكومية، بينما نجد قطاع الأعمال يسير بخطى جيدة خلال العشر سنوات، ولذلك المنظمات المتميزة تخطط لنفسها ولا تكتفي بذلك، بل إنها تطلب من العاملين لديها بأن يحددوا أهدافهم الشخصية لتربط بأهداف المؤسسة، حيث تجد منشأة لديها مايقارب من 4000 – 5000 موظف تدمج أهدافا تحدد بطريقة علمية لموظفيها ضمن الأهداف الاستراتيجية لتلك المنشآة، وبالتالي يتحقق العائد المطلوب للمنشآة وللموظف.

وقال إن كثيراً من المؤسسات تنبهت لأهمية التخطيط، حيث توجهت إلى دراسة بعض الحالات التي سجلت تنامياً في أعدادها مثل الطلاق المبكر، حيث تكشفت أرقام كبيرة كان من أسبابها الرئيسة الافتقار للتخطيط، مبيناً أن شبكات التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون أداة للتأثير في شريحة كبيرة من أفراد المجتمع بتبي قضايا تحث على تطوير الذات ونشر ثقافة التخطيط وصياغة أهداف بسيطة وقابلة للتحقق، في مقابل الحد من الرسائل التي تعمق الثقافة الاستهلاكية ومخاطبة الاحتياجات وإهدار الوقت بالانشغال بالجوانب غير المفيدة.

أما أول خطوات التصحيح عند “د.الغامدي”؛ فإنها تبدأ مع الجيل الجديد بالاشتغال على الطفولة تلافياً لمشاكل مستقبلية بحمايتهم من القمع، الذي يعد جريمة في حق الطفل الذي يقع عليه من الأب ومن المجتمع، كما يعد جريمة في حق الأب الذي يدفع ثمنه لاحقاً؛ لأن القمع مشروع تجهيز قنبلة تنفجر في أي وقت، كما أن العنف الذي يمارس على الأطفال هو بمثابة ندبات تتحول إلى نزعات عنف؛ لذا يجب سن القوانين التي تجرم العنف ضد الأطفال، مثل ماهو معمول به في الغرب، ويراه جانباً وقائيا على درجة عالية من الأهمية لتلافي مشاكل وخيمة في قادم الأيام.

وأضاف أنه بعد التربية الحانية يأتي دور التعليم الذي يجدر به تعليم الأطفال كيف يتعلمون وكيف يفكرون وكيف يمارسون نقد اﻻفكار واﻻبداع وتعميق القيم والثوابت الإنسانية التي أكدتها اﻻديان وفي مقدمتها ديننا اﻻسلامي، ومن ذلك الإيجابية والرحمة وحسن الظن والرفق والصدق والعدل والوفاء واﻻمانة ونبذ العنصرية، كما يرى أن الإصلاح يبدأ بتعليم الأطفال كيف يتعلمون، والتحرر من الرواسب أحد سمات مدرسة العلاج السلوكي التي تنسف نظرية فرويد في الارتهان للطفولة، والأمر الذي يستدعي اهتماما كبيراً ومراجعة متأنية لواقعنا هو تعميق الثوابت الإنسانية التي أكدتها الأديان، ومن ذلك الإيجابية والرحمة وحسن الظن والصدق والوفاء والأمانة ونبذ العنصرية.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com